شؤون تربوية

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

أ. أمال السائحي/

لا خلاف على أن العنف صار ظاهرة عامة في حياتنا، فأنى تلفتنا نصادفها، إذ نشاهدها في البيت وفي الشارع وفي المدرسة، وهي ليست محصورة في مجال دون آخر، أو مقصورة على فئة دون أخرى، أو خاصة بمجتمع دون غيره، الأمر الذي استدعى اختصاصها بيوم عالمي لمناهضتها في إحدى تجلياتها وهو العنف الموجه للمرأة، وتنبيه الناس إليها، وتعريفهم بما تتسبب فيه من أضرار بالغة للفرد والمجتمع، بغية حملهم على تكثيف جهودهم للتصدي لها ومواجهتها حتى تتم محاصرتها والقضاء عليها، لكن ما هو العنف؟ وما المقصود به؟
العنف عند ابن منظور يعني الخرق والتعدي: فنقول عنف أي خرق ولم يرفق، وهو ضد الرفق: عنف به وعليه يعنف عنفا وعنافة أي قسا عليه، وهو عنيف إن لم يكن رفيقا في أمره، ونقول اعتنف الأمر أي أخذه بعنف، وعنف الشيء أخذه بشدة وقسوة.
أما جميل صليبا في المعجم الفلسفي فيعتبر العنف هو استخدام القوة استخداما غير مشروع أو مطابق للقانون.
بينما بربرا ويتمر فتعرف العنف «بأنه هو خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى».
مما سبق يمكن تحديد العنف بأنه: «الخرق والتعدي والقسوة واستخدام القوة كيفما كانت بشكل غير مشروع أو غير مطابق للقانون» هذا الفعل أو السلوك الموجه للآخر الذي قد يسبب له أذى نفسيا أو جسديا أو اقتصاديا أو اجتماعيا. والضعفاء هم من يكونون في الغالب موضوعا للعنف سواء كانوا ضعفاء من الناحية الجسدية كالأطفال، أو من الناحية المادية كالعبيد أو الخدم أو النساء.
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذى تجري فعالياته ابتداء من 25 نوفمبر إلى 20 ديسمبر وما رافقه من مؤتمرات وفعاليات وحملات إعلامية محلية ودولية، لمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة، ولعلماء الدين آراء صريحة وواضحة في الشرق والغرب، وقد كان للشريعة الإسلامية السبق في حفظ حقوق المرأة وصيانتها من أي اعتداء يمس كرامتها أو جسدها.
وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات المحلية والدولية المعنية بحقوق المرأة، قد حذرت من تنامي مظاهر العنف ضد النساء في المجتمع عامة، وفي الأسرة خاصة، منها العمل القسري، والتحرش الجنسي، والاتجار بالنساء، وجرائم الشرف، وغير ذلك من الممارسات العنيفة بحق الفتيات والنساء، في مختلف دول العالم، فإن علماء العالم الإسلامي يؤكدون أن العودة إلى منهج الإسلام هو الذي يكفل حفظ كرامة وحقوق المرأة.
وقد فند علماء الدين الشبهات المثارة من بعض الأقلام الغربية، وحتى العربية الإسلامية حول آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ضرب النساء، مؤكدين أن تلك الآيات ليست على إطلاقها، وأنها فهمت خطأ من بعض الاجتهادات الخاطئة، والكتابات المغرضة.
وأكد علماء العالم الإسلامي أن العنف يمثل انتهاكا للقيم الثقافية والدينية، بجانب كونه في الأصل انتهاكا للحقوق الإنسانية للمرأة، وأن النساء على امتداد العالم تعانين من العنف الواقع عليهن، بغض النظر عن العرق، أو الجنسية، أو الدين، أو السن، أو الطبقة الاجتماعية اللاتي ينتمين إليها، لأن التشريع الإسلامي ككل ساوى بين الرجل والمرأة، وأن تلك الجرائم التي تحاك ضدها بعيدة كل البعد عن مبادئ الإسلام وتعاليمه.
ومن هنا نستطيع أن نقول أن العنف قد تولد من تلك الأسس العنيفة في التربية التي نشأ عليها الفرد، فهي التي ولّدت لديه العنف، وجعلته ضحيّة له، وتشكّلت لديه شخصية ضعيفة وتائهة وغير واثقة، وهذا ما أدى بهذا الشخص إلى أن يكون عنيفا مع والدته وأخته، زوجته وابنته، أو أخته.
أو تلك التقاليد الخاطئة التي تحول دون تنامي دور المرأة وإبداعها، حيث هناك أفكار وتقاليد متجذّرة في ثقافات الكثيرين، والّتي تحمل في طيّاتها الرّؤية الجاهلية التي تميز الذَّكر عن الأنثى؛ مما يؤدّي إلى تصغير الأنثى ودورها، حيث يعطى الحق دائمًا للمجتمع الذكوري في الهيمنة والسلطنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تقبّل ذلك وتحمّله والرّضوخ إليه، مهما كانت مكانتها، ومهما كان سنها، ومهما كانت مرتبتها بين إخوتها، بالإضافة إلى الخلل المادي الّذي يواجهه الفرد والأسرة، وضعف الخدمات الاجتماعية من مشكلة العمل، إلى السكن، إلى المشاكل الاقتصادية برمتها، الّتي تضغط على الآخر وتدفعه إلى أن يكون عنيفًا، ويصبّ جام غضبه على المرأة، أضف إلى ذلك النّفقة الاقتصادية الّتي تكون للرّجل على المرأة، إذ أنّ مَن يعول المرأة، يظنّ بأنّ له الحقّ في تعنيفها، وذلك عبر إذلالها وتصغيرها لأبسط الأمور.
أما الإسلام فينظر للمرأة على أنها كالرجل تماما، والغاية الأسمى تكمن في توزيع الأدوار بينهما في الحياة، ولا تعني أبدا خصوصية لأحد على الآخر، ولا تمييز لجنس على جنس.
ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى في العديد من آياته، والتي منها قوله تعالى {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}، والله تعالى حينما يذكر مناقب الصالحين من عباده يساوى بين الرجال والنساء فيقول تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}الآية 35 سورة الأحزاب، فأي تفريق هنا؟ والإسلام أكد في هذه الآيات أنه لا فرق مطلقا بين الذكر والأنثى كما أكدت ذلك السنة النبوية حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «… النساء شقائق الرجال» كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أنه في حجة الوداع لم يغفل عن أن يستوصي بالنساء حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرا)).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com