من مآثر بطل الجزائر الأمير عبد القادر
أ. عبد الحميد عبدوس/
مرت يوم الأحد الماضي الذكرى التسعون للبيعة الأولى لقائد الجهاد الجزائري الأمير عبد القادر (27 نوفمبر1832ـ27 نوفمبر2022) وبمناسبة إحياء الذكرى، أعلنت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أعطى تعليمات لرفع التجميد عن مشروع إنجاز المتحف الوطني لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، أما وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، فقد أشار إلى مبادرة رئيس الجمهورية بإنجاز عمل سينمائي بمواصفات عالمية حول الأمير عبد القادر، مبرزا أن هذا الإنجاز يدخل في إطار «العناية الخاصة التي يوليها الرئيس تبون لكل المسائل المرتبطة بذاكرتنا الوطنية المجيدة».
في العام الماضي(أكتوبر 2021) صدر مرسوم رئاسي في الجريدة الرسمية ينص على إنشاء مؤسسة عمومية لإنتاج وتوزيع واستغلال فيلم عن الأمير عبد القادر.
وللتذكير فإن البيعة الأولى تمت من طرف أهالي وأعيان وعلماء سهل غريس بمعسكر تحت شجرة الدرداراقتداء ببيعة الرضوان تحت الشجرة التي بايع فيها الصحابة الكرام رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين أن «البيعة الثانية» أو «البيعة العامة» للأمير عبد القادر قد تمت في شهر رمضان (شهر الجهاد) الموافق 4 فيفري 1833م في قصر الإمارة بمعسكر من طرف كل أعيان ورؤساء القبائل التي لم تحضر في البيعة الأولى.
إن صيانة المآثر المادية والمعنوية لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وتثمينها، يمثل حفظ للذاكرة الوطنية من جهة، وهو من جهة أخرى أحسن رد على المرجفين والمتطاولين على التاريخ الناصع والمشرف للأمير عبد القادر الجزائري من أمثال الروائي رشيد بوجدرة الذي اتهم الأمير عبد القادر بخيانة المقاومة الشعبية، أو نور الدين آيت حمودة العضو القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (أرسيدي) الذي لم يتورع في حواره مع قناة (الحياة) في العام الماضي (2021) عن اتهام بطل المقاومة الشعبية الجزائرية بالعمالة للمحتل الفرنسي وخيانة المقاومة، وبأنه انتقل من القتال مع الجزائريين ضد فرنسا إلى القتال مع الفرنسيين، بل وصلت به الوقاحة في التهجم الظالم والتطاول الأحمق والفجور في العداء على الأمير عبد القادر إلى حدّ المطالبة بإخراج جثمان بطل المقاومة الشعبية الجزائرية من مقبرة الشهداء بالعالية، التي تضم رفاة أبطال الجزائر من فرسان المقاومة الوطنية وشهداء الثورة التحريرية المجيدة.
قبل صدور المرسوم الرئاسي في الجزائر بإنشاء مؤسسة عمومية لإنتاج فيلم عن الأمير عبد القادر ببضعة أشهر، كانت فرنسا التي حاربت الأمير عبد القادر وسجنته حيا قد حاولت سرقة مجده والاستفادة من ألق سمعته ميتا، فكانت من جملة التوصيات التي قدمها المؤرخ بنجامين ستورا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن مقترحات معالجة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا تشييد تمثال للأمير عبد القادر بفرنسا، إذ جاء في المقترح الثالث من مقترحات ستورا:« صنع تمثال للأمير عبد القادر، الذي قاتل ضد غزو الجزائر في منتصف القرن التاسع عشر في أمبواز (إندري-إي-لوار)، حيث عاش في المنفى بين عامي 1848 و1852، ويمكن وضع النصب التذكاري بمناسبة الذكرى الستين لاستقلال الجزائر في عام 2022». هذا المقترح الفرنسي رفضته طبعا عائلة الأمير عبد القادر الجزائري ووصفته بمحاولة «اختطاف جديدة»، وقال الدكتور محمد بوطالب شميل أحد أحفاد الأمير عبد القادر ورئيس مؤسسة الأمير عبد القادر تعليقا على المقترح الفرنسي:« نرفض تشييد تمثال للأمير بفرنسا التي سجن فيها واحتجز بها كرهينة».
قبل عامين(2020 )أكدت زهور آسيا بوطالب ابنة أخ الأمير عبد القادر في حوار صحفي أن جدها يعد من بين 100 شخصية من عظماء الأمة الإسلامية التي غيرت مجرى التاريخ، فهو مقاوم وفى بما عاهد الله عليه، وأخذ على عاتقه محاربة فرنسا بجيوشها الجرارة، مدة 17 سنة، وهو شاب صغير وخاض 116 معركة، ضد 122 جنرالا فرنسيا و16 وزير حرب فرنسي، و5 من أبناء الملك لويس فيليب، وقتل جيش الأمير في معركة «المقطع» وحدها 1500 فرنسي، فمسيرة الأمير الجهادية مفخرة للجزائر وعز أمتها على مدار التاريخ.
لقد كان الأمير عبد القادر بحق أحد عظماء التاريخ الإنساني، وقد أورد الكاتب والإعلامي الراحل عبد العزيز بوباكيرـ رحمه الله ـ في مقال له بعنوان (تحف الأمير والدوق دومال) وصفا للماريشال الفرنسي سولت اعتبر فيه الأمير عبد القادر الجزائري بأنه إلى جانب محمد علي المصري والإمام شامل الداغستاني –كلّهم مسلمون– أعظم ثلاث شخصيات في القرن التاسع عشر.
ولا غرابة في ذلك فقد تسابق زعماء العالم من أمثال الإمبراطور نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، والقيصر ألكسندر الثاني قيصر الروس، والملكة فيكتوريا ملكة انجلترا، والملك غاريبالدي ملك إيطاليا، والملك أوتون الأول ملك اليونان، والملك غيوم الأول ملك بروسيا، والرئيس أبراهام لنكولن، رئيس الولايات المتحدة، وسلفه الرئيس الأمريكي جامس بوكانان لتكريم الأمير عبد القادر على الإشادة بخصال الأمير عبد القادر القيادية والإنسانية وإتحافه بالهدايا القيمة، خصوصا بعد إنقاذه لأرواح ما يقارب 15000 مسيحي بدمشق سنة 1860.
في سنة 2013 وبمناسبة الذكرى الثلاثين بعد المائة لوفاة الأمير عبد القادر صرحت الأمريكية بيتي بوشهولز، مديرة متحف مدينة «القادر» قائلة:«إن الأمير عبد القادر كان محلّ إعجاب كبير من قبل الأمريكيين في الوقت الذي كان يقاوم فيه المستعمر الفرنسي، وكتبت عنه العديد من الصحف الأمريكية مثل(نيويورك تايمز) مقالات صورته فيها بطلا حقيقيا، حتى أن بعض الأمريكيين كانوا يلقبونه بجورج واشنطن الجزائر.
أما رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المرحوم فرحات عباس فيقول عن الأمير عبد القادر الجزائري:«بأنه قد جمع الحذاقة والدبلوماسية الفائقة مع العبقرية العسكرية السامية والمهارة الحربية الرائعة»، ووصفته حفيدته الأميرة بديعة الحسني الجزائري بأنه أشبه «بالجبل الشامخ الذي يحتوي على كنوز نادرة» ويرى الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيللنبيرغر «إن بعضا من القوانين التي سطرها الأمير عبد القادر لم تفقد من قيمتها حتى اليوم » ووصف الكاتب البريطاني الشهير روبيرت فيسك الأمير عبد القادر الجزائري بأنه :«قدوة للمسلمين ومثار إعجاب للغربيين» وقال عنه في جريدة (الأندبندنت) البريطانية:«الأمير عبد القادر نموذج للأمير المسلم، والشيخ الصوفي المحارب الشرس الإنسان، الذي حمى شعبه ضد البربرية الغربية، وحمى المسيحيين من بعض المتشددين الإسلاميين. حظي الأمير عبد القادر باحترام أعدائه قبل حلفائه »
أما المؤرخ والداعية الليبي الدكتور علي الصلابي فقد أورد نصا تاريخيا مهما جاء فيه:«يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ويليام كلادستون الذي حكم بريطانيا بين 1868-1874 (وعرف بأنه أخبث وأمكر رئيس وزراء بريطاني بعد هاميلتون)، يقول: حاولت بكلّ ما أملك أن أقنع الأمير السيد عبد القادر الجزائري بمنصب إمبراطور العرب لكي نوظفه ونستغله ضد العثمانيين، وبالرغم من العداء الشديد الذي كان بينه وبين الأتراك فإنّني لم أفلح بالرغم من كلّ الإغراءات والوعود والمزايا التي وضعتها فوق الطاولة للأمير بما فيها استقلال الجزائر وخروج المحتل الفرنسي من الجزائر، لكنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا ومن دون نقاش…».
لقد اجتمعت في شخصية الأمير عبد القادر الجزائري كل الخصال والشمائل الخاصة بالقائد الناجح والقدوة، فهو زعيم عسكري وعالم ديني وشاعر صوفي وقائد سياسي، ولذلك سيبقى فخرا للجزائر ونموذجا للبطل الملهم.