مونديال قطر: الخصوصية الحضارية في وجه الروح الاستعمارية…
إعداد: ع. قلاتي/
ممّا أجمع عليه أغلب المتابعين للشأن الرياضي، تميّز دورة مونديال 2022 المقامة حاليا في قطر، فهذه الدورة لها من الخصوصية والتميّز ما يجعل دولة عربية صغيرة مثل قطر تفتخر بإنجازها لهذا الحدث العالمي، الذي أصبح محطّ اهتمام الدول الكبيرة والصغيرة على حدّ سواء، ومن وراء ذلك الشعوب الملهمة بهذه اللعبة، وكذلك المؤسسات الاقتصادية التي فتح لها الباب للاستثمار خلال أيام المونديال، دون أن ننسى التجسيد العملي الذي وظفته قطر في إطار الرؤية الحضارية العامة للأمة العربية والإسلامية.
واجهت قطر منذ حصولها على حق استضافة البطولة عام 2010 سيلًا من الحملات التي هدفت إلى تشويه هذه البطولة، منذ الفوز بها، ولم تتوقف حملات التشكيك، في قدرتها على استضافة هذا الحدث العالمي المهم، وقد مارست هذه الدوائر لغة الابتزاز، والضغط المستمر عليها، وقد وصل الامر إلى المطالبة بسحب حق الاستضافة تحت حججٍ متنوعةٍ (تراوحت بين رشوة الفيفا، وموت العمّال الأجانب، وسجن المثليين أو التضييق عليهم، والطقس الحارّ في قطر)، ما يُخفي رغبة في استهداف ما تمثلّه البلاد من تطوّر تنموي ملحوظ لا تخطؤه عين المراقب لهذه الدولة الخليجية الصغيرة.
وإذا “كانت مصادر هذه الحملة الظاهرة هي أوساط رياضية/ إعلامية غربية أساسًا، ترفع شعاراتٍ حقوقية وليبرالية، فإن محرّكاتها الفعلية، تكمن في شخصيات سياسية (تستبطن أفكارًا عنصرية)، وليس بوسعها قبول فكرة تنظيم دولة غير غربية أو لاتينية، حدثًا عالميًّا بهذا المستوى”، وكان الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، قد وصف “قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بأنه قرار خاطئ، إثر حصول الملف القطري، آنذاك، على 14 صوتًا، مقابل ثمانية للملف الأميركي. وعلى الرغم من خيبة أمل سيّد البيت الأبيض، فقد كان غريبًا جدًّا أن يتحدّث بهذه الطريقة (وهو الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2009)، لا سيما أنه سعى، في أوائل عهده، إلى تدشين خطاباتٍ ووعودٍ تصالحية مع العالم الإسلامي”.
لم يتخلص الغرب –للأسف – ولم يقدم مراجعة لروحه الاستعمارية التي تفاقم حضورها في الوعي الغربي عموماً منذ هجمات 11 سبتمبر (2001) في الولايات المتحدة، “التي كرّستها واشنطن يومًا فاصلًا في الذاكرة العالمية”، مع استمرارية رسم صور نمطية وقوالب جامدة للمجتمعات العربية والإسلامية “على نحوٍ يجدّد ظاهرة الإسلاموفوبيا، ويُحيي أسباب الكراهية والعداء، ويكرّس، في المحصلة النّهائية، استمرارية وصم المسلمين والعرب بتهمة الإرهاب”.
وقبيل انطلاق فعاليات المونديال صدرت عن وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، التي تعمّدت تشويه صورة الدولة، ومع هذا قابلت الدوحة كل هذه الادعاءات بخطابٍ متوازن، و”الاعتماد على الذات، وتجميع الجهود الوطنية وتنميتها لتحقيق أهداف الدولة، مع وضع حملات التشويه في حجمها الطبيعي، والاستمرار في الطموح وتكثيف الجهود، لإنجاز مونديالٍ متميز، يقدّم الوجه الحضاري للقطريين والعرب والمسلمين”، معتمدة على قوتها الناعمة، واقتصادها المزدهر،وسياستها الخارجية، التي تقوم على شراكاتٍ استراتيجية متوازنة على الصعيدين، العالمي والإقليمي، وقدرة على استثمار الفرص ومواجهة التحدّيات، خصوصًا ما استجد منها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.