الفرق بين الإيمان والهداية

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com
الفتوى رقم:595
الســــــــــــؤال
قال السائل: إن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (سورة التغابن:11) ويقول عن المؤمنين:{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وسؤاله: ما هو الفرق بين الإيمان والهداية؟ وكيف يزداد الإيمان؟ وإذا كان الإيمان يزداد فهل ينقص؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: لانزيد في تعريف الإيمان على جواب النبي صلى الله عليه وسلم، من حيث الاصطلاح، والأركان، والمجال. كما جاء في حديث جبريل عليه السلام. قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: [أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ] (مسلم:1/8) والإيمان بهذه الأركان يقتضي العمل بما أمر الله سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم، ومنه العمل بأحكام الآيات المحكمات، والعمل بالأحاديث المحكمة، من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام. وكلما ارتقى المؤمن بالعمل بأحكام الشريعة قوي إيمانه ونصره الله عز وجل، وازداد عزمه وثباته وعلمه وأكرمه الله سبحانه. وكلما تهاون وأضاع بعض الواجبات ضعف وبدأ يسقط في التخلف. ومن مقتضيات الإيمان: العبادة بما شرع الله لازيادة ولا نقصان، والتخلق بخلق النبي عليه الصلاة والسلام، والتآخي مع كل المؤمنين واجتناب التنازع بينهم، والتعلم والتفقه في الدين، وعمارة الأرض بالخير، وذلك باتباع السبب، الذي آتاه الله لعباده. وأن يكون العمل بالنية والإخلاص واتباع الأحكام الشرعية. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: أقول للسائل: قرأت الحديث الشريف[الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ] (مسلم:57/35) وفي رواية: [الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ](مسلم:58/35).
فالإيمان تصديق بوجود الله سبحانه وأنه وحده الخالق البارئ المصور، الذي له الأسماء الحسنى، وهو الحي الذي لايموت، والذي يُعبد وحده لاشريك له بما شرع لعباده، فمن آمن بهذا عن يقين، وعمل بالكتاب المبين هداه الله الصراط المستقيم. فما معنى {هداه}؟ بين له طريق الخير الذي يصل إلى الجنة.
رابعا: تعريف الْهُدَى: الهُدى ضد الضلال. والهُدَى، لغة: البَيان، بيان طريق الرشد، واجتناب طريق الغي، فكل ما يرشدك إلى طريق الحق والخير والجمال، فهو من الهُدى، وكل ما يؤدي إلى الباطل والشر والقبيح، فهو من الضلال. ومن هنا كان الهدى في اتباع الكتاب والسنة ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ (البقرة:120) ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من هدى الله، هو الهدى الحقيقي الذي من اتبعه فاز وكان من المفلحين. وكلما كان العبد مؤمنا بحق بالعمل بشعب الإيمان، كان في طريق الهدى.
ثالثا: الهداية القلبية:﴿مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(التغابن:11) قال ابن عباس: هو أن يجعل الله في قلبه اليقين، ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال الكلبي: هو إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
وهداية الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن بعدهم العلماء، فإن هدايتهم الناس معناه: يرشدونهم، ويدلونهم على الطريق الصحيح. والعلماء يهدون الناس بالقرآن والحديث، بما هدى الله الأمة. وأما الهداية بالنسبة لله سبحانه، فهي الإلهام والتوفيق، إن الله يهدي، معناه: يُوَفِّقُ ويُلْهِمُ. وبقدر ما يكون العبد مخلصا تقيا ملتزما، يلهمه الله السداد، ويوفقه إلى سبيل الرشاد. ولذلك قال الله تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(سورة الأعراف:96).