(خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
كنت في مجلس بمنزلي مع طائفة من أهل العلم والمعرفة، وكان بعضهم من تونس وبعضهم من الجزائر، فتشتت الحديث وتناولنا قضايا متنوعة، علمية، أدبية ووطنية، وبحكم السياق رسا الحديث حول قوله تعالى:{خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن:3/4].
وانطلق كل واحد في الحديث عن منحى معين محدود، وكل ما يتعلق بالآية من قريب أو بعيد، وكل خرج في غوصه في بحرها بجواهر ثمينة، ولما جاء دوري قلت: “المراد بالإنسان في الآية جنس الإنسان نظرا للفظ )خلق( ويدخل فيه سائر البشر، والبيان هو النطق الذي يمتاز الإنسان به عن غيره من الحيوانات، وقوله:)خلق الإنسان( قسمة في تقدير جسم الإنسان، وقوله:( خَلَقَ الْإِنسَانَ ( قيمة في تمييز الإنسان عن غيره بالعلم.
والبيان نوعان:
النوع الأول- بيان اللسان، وهو النطق الذي به يقع التعبير عما في الضمير، وبه يكون التفاهم بين الناس.
والنوع الثاني- بيان الخط، وهو مهمة القلم، قال الله تعالى:{الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}[العلق:4]، وفي هذا التعبير إعلاء من الله تعالى لشأن القلم، وإشارة أيضا إلى أن الدين الإسلامي الذي نزل هذا في أوله لم ينزل لجيل دون جيل، ولا لوقت دون وقت، وإنما أنزل لكل الأجيال في كل مكان وفي كل زمان، فالعلم والقلم والكتابة لا وطن لها، ولا جيل، بل هي قدر مشترك بين أبناء البشرية في مختلف العصور والأمكنة.
فالله تعالى علم بالقلم، وأقسم بالقلم فتحا لباب التعليم العام بالقلم والكتابة، وعلمنا منه تعالى بانتشار التعليم والكتابة في كل بيت في مختلف الأمم والشعوب بعد زمان النبوة، كما انتشر الإسلام، وفي هذا لدلالة واضحة على عالمية الإسلام وأن شمسه طلعت لتضيء كل أنحاء المعمورة على حد سواء.