أ د. عمار طالبي/
أما الولايات المتحدة فإنها نظرت إلى اعتراف الاتحاد السوفياتي بالحكومة المؤقتة نظرة خوف من أن تصبح علاقة القوات التابعة لجبهة التحرير في صالح «التقدميين» كما خشي شوان لاي، وكان عبد الرحمن كيواز ممثل الحكومة المؤقتة في الصين مزعجا بالرغم من محاورة أمريكا مع جبهة التحرير وفتحها بعد قنبلت الجيش الفرنسي ساقية سيدي يوسف 8 فيفري 1958، وقلقت دائرة الدولة (State Departement) في الولايات المتحدة من العلاقات الودية التي حدثت بعد اتفاقيات إيفيان مع تيتو وكاسترو.
إن «اليسارية» المنسوبة إلى محمد بوضياف، و«الناصرية» المنسوبة لابن بلة بررت الخوف من أن تكون الجزائر الجديدة تغيّر التوازنات الإقليمية ومعطيات الصراع بين الشرق والغرب.
كما كان نهرو في حديثه مع دوجول بحيث جعله مقتنعا بشرح دوجول بأنه سيستشير الجزائريين ومنعت «يسارية» نهرو من أن تعترف الهند بالحكومة المؤقتة.
والسبب الحقيقي في عدم اعتراف الهند هو باكستان وصراعها معها في مسألة كشمير فإن فرنسا صوتت مع الهند في الأمم المتحدة، مع أن رئيس مكتب الحكومة المؤقتة في نيودلهي السيد لعياشي يكر كان يتحدث عن «دولة علمانية» état séculier في الجزائر، آخذا في الحسبان ما كان في رأي الهند من أن تكون الجزائر دولة مسلمة فتؤيد باكستان، وكانت تأخذ بعين الاعتبار في دبلوماسيتها الهندية تسمية مصالي الحاج نائبا أوّل لرئيس المؤتمر الإسلامي الذي وقع بباكستان، وكذلك زيارة الشيخ البشير الإبراهيمي سنة 1952 إلى كراتشي تركت أثرا في فكر مسؤول الهند كما أن رئيس علماء الجزائر عيّن نائبا ثانيا لرئيس المؤتمر نفسه.
أما ما يتعلق بمصر، فكان يؤخذ في الحسان أيضا أن ديجول يريد أن يصلح العلاقة بينه وبين مصر التي فسدت بعد الاعتداء والهجوم على قناة السويس، ويرغب في إعادة العلاقات مع البلاد العربية أيضا بعد قطعها إثر ما يسمى بالعدوان الثلاثي «l’agression tripartite».
وتعيين الجنرال فتحي الذيب سفيرا لمصر في برن: Bern من أجل متابعة المفاوضات في إيفيان وليقرن Lugrin عن قرب، وليهيئ باتصالاته غير الرسمية إعادة العلاقات الدبلوماسية في أقرب وقت.
أما إسبانيا فقد أخذت بالاعتبار العلاقات الودية بين فرنكو والعرب، فقد خشيت على الأسبان في الجزائر بدء وقف إطلاق النار، ولذلك فإن قنصل إسبانيا في الجزائر كانت له اتصالات مع مسؤول المنطقة السادسة من الولاية الرابعة، فكانت الدبلوماسية الإسبانية تريد أن تعرف موقف الجزائريين من الفرنسيين من أصل إسباني ومصيرهم في الوقت الذي تتحدث فيه الأخبار عن المفاوضات التي تتناول «الأقليات» أن يبقى الأسبان في الجزائر أو التفاوض لتسوية وضعهم.
ويأتي الكيان الصهيوني أيضا ويرى أن الصراع الجزائري مع فرنسا من خلال الاهتمامات الديمغرافية، فتل أبيب تتمنى موجة جديدة من المهاجرين من الجزائر بسبب خطورة الحرب وهذه الموجة من الهجرة اليهودية من الجزائر ليست في نظرها مثل الهجرة من تونس أو المغرب الذين يقصدون إلى فرنسا وهذا يؤيد ما قاله دوجول إلى بن قريون كما في مذكرات شيمون باراز وهو قلة المهاجرين من فرنسا والجزائر إلى الكيان الصهيوني.
ثم إن قرب الجزائر من مصر وبعدها عن بورقيبة يحيّر تل أبيب.
أما برنار تريكو Bernard Tricot فهو يراقب السفارات للوصول إلى المعلومات مع رؤيته الثقافية للعلاقات بين فرنسا والجزائر وإلى آثار الدعوات ضد الإمبريالية، والاعتبارات الماركسية، ويعتبر أن وقف إطلاق النار مكتسب لا خلاف فيه.
وعلق الأستاذ الصادق سلام في هامش مقاله أنه في الوقت نفسه (في هذه الفترة) كانت الجزائر مركز الاهتمام في لقاء الجنرال دوجول مع البابا فهناك اتجاه في الدبلوماسية الفاتيكانية اقتنع بالوعود الدقيقة التي أعطتها فيما يتعلق بمستقبل الكنيسة في الجزائر بعد الاستقلال، وبما كان من اتصال بديقال: Duval أسقف الجزائر الذي بارك ذلك لاتصاله الودي مع جيش التحرير.
وبهذا ألقى الأستاذ الصادق نظرة دولية وإقليمية واهتمامات الدول بما في ذلك الفاتيكان، وإسبانيا والكيان الصهيوني وفرنسا، والمغرب وتونس، وبعد الاستقلال غلب الاتجاه القومي العربي والإيديولوجية اليسارية الماركسية، وجاء فترة الصراع بين الاتجاه الإسلامي واليساري البربري، وما تزال آثار ذلك كله تشغل الأحزاب ومختلف الحركات.