البصائر تحاور الطبيب والباحث في الإعجاز العلمي، الدكتور محمد شيدخ
التأمل والتفكر في خلق الله .. العبادة الـمفقودة
أجرت الحـــــوار: فاطمــة طاهــي/
تطرق الدكتور محمد شيدخ، طبيب رئيس منسق بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بعين امليلة ولاية أم البواقي، والباحث في الاعجاز العلمي. تطرق في حواره الذي خصّ به جريدة البصائر الجزائرية، إلى الحديث عن “القرآن الكريم والعلم” بين الفهم العلمي والفهم الديني، وعن “الحقيقة العلمية والإيمان”. ولأن غذاء الانسان من المواضيع الهامة في عصرنا هذا باعتباره سببا لكثير من الأمراض والمشاكل الصحية، حدثنا الدكتور محمد شيدخ عن أهمية الضوابط والتعاليم التي وضعها الإسلام لتأسيس نظام غذائي صحي متوازن ومتكامل من خلال أسس علم التغذية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. كما حدثتا عن بحثه المنشور في مجلة الآفاق العلمية الصادرة بالسويد عن الاتحاد العالمي للمثقفين العرب، بعنوان “أعظم سر في أبسط ذرة خلقها الله تعالى”. ولأن الدكتور يحمل كذلك فوق كاهله مشكلات العالم الإسلامي وأزماته في ظل الظروف الراهنة المليئة بالإشكاليات والتحديات والتقلبات المتسارعة. أشار إلى أسباب تخلف المسلمين وتقدم غيرهم، من خلال ما كتبه في احدى الصحف الوطنية “الشروق” حول الواقع العربي بين فكر بن نبي ونظريات الأفغاني وتوينبي.
في البداية لو تقدم لنا نبذة عن شخصكم الكريم، من هو الدكتور محمد شيدخ؟
– الدكتور محمد شيدخ هو دكتور جزائري برتبة طبيب رئيس منسق، وهي أعلى رتب التصنيف، يمارس الطب منذ أزيد من 28 سنة، مهتم بالشأن الصحي ودارس لأكثر من ثلاثين منظومة صحية دولية، كاتب في السياسات الصحية عبر جريدة الشروق اليومي منذ سنة 2018. مهتم بالفكر الحضاري ومتشبع بأفكار الأستاذ مالك بن نبي ودارس لها منذ أواخر التسعينات. جمع بين دراسة الفلسفة وعلم الاجتماع وتاريخ الأمم وعلومها ودراسة الفيزياء الكلاسيكية والكمومية وكذا الكمياء والبيولوجيا والنشاكونية لتوظيفها في البحث حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة.
يكتب في العديد من الجرائد الوطنية والعالمية كمجلة الآفاق السويدية ومجلة النيل والفرات المصرية.
ما هو سر اهتمامكم بالإعجاز العلمي وبالفكر، وأنتم متخصصون في الطب؟ ما هي العلاقة بين العلم والفكر؟
– يعود اهتمامي بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية إلى أواخر الثمانينات لما كنت طالبا في الطب، فعندما درسنا البيوكمياء أدركت أن الوزن الجزيئي لمكونات العطر كبير، فتذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم حول “خلوف” فم الصائم “لخلوف فم الصائم خير عند ربك من المسك”. فدرست مكونات “الخلوف” وهي رائحة تفكيك الدهون المرتبطة بلجوء الجسم لها بعد استنفاذ مواردها الممثلة في السكريات، فوجدت أن الأمر يتعلق بالجزيئات الكيطونية، واكتشفت أن وزن مكوناتها على المستوى الجزيئي كبير جدا، فأدركت سر هذا القاسم المشترك وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى. بعدها بدأت أتدبر معاني الآيات القرآنية باللجوء إلى ما تيسر من العلم.
بعدها وقع بين يدي كتاب للمفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله المعنون بـ “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”، طبعة 1990 باللغة الفرنسية، فقرأته لكن دون أن استلهم أو أفهم مقاصد كاتبه بالرغم من استعماله اللغة الجميلة والمفهومة، فأعدت قراءته مرة أخرى، ولم أوفق، الأمر الذي خلق في نفسي رغبة كبيرة للبحث في أسرار عمق تفكير مالك بن نبي، ولم أجد طريقة توصلني إلى تحقيق ذلك إلا قراءة ما قرأه أو ما ذكره في كتاباته، فذهبت أقرأ عن “جوزيف ارنولد توينبي”، هذا الفيلسوف والمؤرخ البريطاني الكبير صاحب موسوعة دراسة التاريخ. وكتاب: “الحضارة في الميزان” وكتاب: “العالم والغرب”، إلى جانب دراسة مقدمة العلامة ومفخرة الفكر الاجتماعي العربي الإسلامي: “ابن خلدون” رحمه الله، ثم كل الذين ذكرهم كفكر الفيلسوف الصيني كونفشيوس صاحب فلسفة المثل الأخلاقية العليا، إلى أدبيات وفلسفة ابن طفيل في كتابه: “حي بن يقضان”، وأدبيات: “دانيال دوفوا” في قصته الشهيرة “روبينسون كروزو”، وصولا إلى “سيماكيون” الذي لم أجد له مراجع. فبدأت أولا بدراسة تاريخ العرب وقصص العرب لإبراهيم شمس الدين، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير القرشي الدمشقي، وعديد المراجع الإسلامية، ثم بعض الكتب حول الحضارات ككتاب: “عطاء الإسلام الحضاري” لأحمد أنور الجندي وكتاب للمفكر ديورانت “قصة الحضارة” إلى غير ذلك من الكتب الفكرية والدينية. ثم قمت بدراسة تاريخ الأمم والشعوب وتوقفت في العصر الوسيط بأوروبا ” moyen âge” وما بعده، ومقارنته بالواقع العربي لنفس الحقبة من 476 ميلادية إلى سقوط القسطنطينية “1452” أو اكتشاف القارة الأمريكية سنة 1492 لاختلاف المؤرخين حول ذلك، هذه المرحلة التي أسست لمرحلة النهضة الأوروبية. وغير ذلك من الكتب من أمثال كتاب “أوروبا المغمورة” لالفراد سوفي. محاولا استيعاب غالبية أفكار ومقاصد العلامة مالك بن نبي، حتى تيسر لنا ذلك بعد استكمال لحلقة الفكر حول الحضارات وعلوم الاجتماع بشكل شامل.
أما عن العلاقة بين الفكر والعلم، حسب رؤيتي المتواضعة فإن الفكر هو عبارة عن إطلاق العنان لمختلف زوايا الرؤية للتحليق في الآفاق المختلفة، إذن هو عملية نشطة ديناميكية اعتمادا على ما يخفيه العقل من معلومات في ذاكرته، أما العلم فهو لا يحتاج إلى خيال في عموم أحواله فهو ثابت وقطعي الدلالة لتوقفه على نظريات أو فرضيات قد تقوم على تجارب دقيقة ويقين بين.
والعلاقة بينهما تكمن في كون الفكر يحتاج إلى تحكيم علمي كبير ليضبط مساراته فيغدو العالم مفكرا ذا علم متين محكم القواعد وقوي الحجج، بحيث لو فسح المجال لخيالات فكره وجد ضوابط وأسسا تنير وترشد ملاحظاته كلها.
القرآن والعلم بين الفهم العلمي والفهم الديني، كطبيب وباحث في الإعجاز العلمي حدثنا عن تطابق الحقيقة العلمية والحقيقة الدينية؟
– من خلال الإعجاز نثبت ورود مجموعة من الحقائق العلمية في القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة قبل ورودها في حقول العلم وقبل اكتشافها من قبل العلماء، ثم جاء العلم الحديث بعد ذلك وأقر بها. ونحن نعتبر القرآن كتاب هداية وتشريع بامتياز وأيضا احتوى على إشارات ودلائل علمية بيّنة، فحقائق الكتاب ثابتة لا يدلى فيها برأي فما وافقها أخذنا به وما عارضها أبعدناه حتى يستقيم عود علمه، فنصوص القرآن لا تتعارض مع المعرفة العلمية لأنهما من مصدر واحد فالقرآن كلام الله وآياته المكتوبة والكون بكل علومه، هو بمثابة آيات الله المنظورة، فانسجامهما ثابت محقق. ولا يمكن وقوع إشكال إلا في حالة النص القرآني الظني الدلالة الذي يحتمل معاني متعددة أو أن الحقيقة العلمية غير ناضجة وهي في مرحلة أو مرتبة الفرضية ولم تصل إلى الحقيقة اليقينية بعد .
عندما نتحدث عن “الحقيقة العلمية والإيمان”، هل ترقى الحقيقة العلمية إلى المستوى الإيماني الذي يجب أن يتحلى به كل فرد؟
– الحقيقة العلمية وارتباطها بالإيمان تؤسس لعودة ما افتقده المسلمون اليوم وهي التفكر في خلق الله وهذه هي العبادة المفقودة، فالنظر والتدقيق في آيات الله المسطورة في كتابه والمنثورة في كونه وفي كل خلقه تدخل في إطار التدبر والتأمل والتفكر “كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ”، وقال أيضا سبحانه وتعالى: ” فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”، وقوله: “إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”، فلنا الحق في التفكر في ألاء الله وآياته والابتعاد عن الخوض في ماهية ذاته المقدسة، فخليل الرحمان سيدنا إبراهيم لما طلب من المولى أن يريه كيف يحي الموتى قال له ربنا: “أو لم تؤمن” قال سيدنا إبراهيم: “بلى ولكن ليطمئن قلبي”، فالعلم باب الإيمان الصادق الثابت ومدخله.
كتبتم مقالا نُشر في جريدة الشروق بعنوان “الواقع العربي بين فكر بن نبي ونظريات الأفغاني وتوينبي”، حيث أشرتم فيه إلى أسباب تخلف المسلمين وتقدم غيرهم، ما هي عوامل تخلف الأمة؟ وما الدوافع التي دفعتكم للكتابة في مجال الفكر الإسلامي؟
– اكتب في مجال الفكر الحضاري لقناعتي أن الأمة العربية الإسلامية تتوفر على أدوات النهوض والانطلاق وتحقيق نهضة شاملة، فنحن أمة ذات كتاب عظيم وللأسف ذات واقع مرير، نحن نحاول قدر جهدنا أن نوقظ الشباب وكل الفاعلين بأن يتسلحوا بالعلم والمعرفة وينهجوا سبل الابداع والتميز لنبني اقتصادا قويا سلاحه المعرفة، وأن نعيد الأمة إلى مجدها الذي ضيعناه من قرون عدة، فتحريك همم الشباب والمحبين للجزائر وفق قاعدة “النهوض الحضاري بالعلم والتميز وكتابة التاريخ بأحرف من ذهب”، كما كان يقول مالك بن نبي لأستاذه حمودة بن ساعي “أول جزائري يسجل في صف الدكتوراه بالسوربون في تاريخ الجزائر” ماذا عسانا أن نقدم للجزائر وهي تحت أجنحة المستدمر”، هذا المفكر كان يأمل من شبابنا أن يعود إلى حلبة التاريخ. فلما حدث جدال فكري كبير أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات حول أسباب تخلف المسلمين فقال بعض المتشبعين بالفكر الغربي آنذاك: سبب تخلفنا يعود للإسلام، فغضب الاسلاميون وقالوا: ليس الإسلام سبب تخلفنا بل يعود ذلك للاستعمار الذي أنهك البلدان العربية الإسلامية”، وهنا تكلم مالك بن نبي وقال لهم: لا الإسلام هو السبب لأن حضارات الغرب قامت على أنقاض الفكرة الدينية كاملة أو ناقصة ولا الاستعمار هو السبب، ولولا ذاك لكانت اليمن التي لم تستعمر قط لاسفيغاس العرب ولؤلؤتها”، المشكل هو فكري محض. وذكر ما ذكره توينبي عن طبيب الأعصاب السويسري “كارل يونغ” حول علم النفس السلوكي وإسقاط ذلك على المجتمعات والأمم، حيث بقيت أمتنا منطوية الفكر ذات نمطية فكرية ثابتة يغلب عليها الانطواء والانكماش والبكاء على الماضي الجميل، وهذا النهج السلبي حرم الأمة من إيجاد منهجية الخروج من الواقع البائس بالرغم من أزماتها المتتالية، وعلى أرض هذا الواقع أجهضت نظرية الأفغاني “إن الأزمة تلد الهمة ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق ولا يظهر نور الفجر إلا بعد الظلام الحالك” فالانطلاق نحو المستقبل يكون بفهم الماضي وليس بالتقيد به والاقتداء بكل كبيرة وصغيرة فيه، فأضحت عقولنا مسكونة بالماضية الساكنة، وبالتالي أساس التحرر وجوهره هو الابداع والتميز كما اتفق كل المنظرين المشتغلين بالفكر الحضاري.
نُشر لكم موضوع بمجلة الآفاق الصادرة بالسويد عن الاتحاد العالمي للمثقفين العرب حمل عنوان: “أعظم سر في أبسط ذرة خلقها الله تعالى” حدثنا عن معلوماتكم العلمية التي توصلتم إليها خلال هذا البحث؟
– كتبت موضوعا في مجلة الآفاق السويدية التابعة للاتحاد العالمي للمثقفين العرب بعنوان “أعظم سر في أبسط ذرة خلقها الله سبحانه” والجميل في النتيجة أن الله جل في علاه أول ما خلق بعد الانفجار الأعظم هو مادة الهيدروجين، وهو العنصر الأكثر وجودا في الفضاء والبحار والمحيطات وفي تكوين جل المخلوقات، الهيدروجين أحادي الالكترون وأحادي البروتين ولا يحتوي على نوترون “لأنه سلبي” فهو أحادي في كل مكوناته وهو الذي يكون الجسر الرابط بين طرفي الكروموزوم، وعند الانقسام تكون له الكلمة في كسر الرابط الهيدروجيني لإعطاء خلية أخرى ومن ثم استمرار الحياة يكون من خلال هذا العنصر الأبسط في الكون، والأول في الوجود، فهو مبعث الحياة في كل الكائنات الحية وهو جوهر جزيء الماء.
لنا في الهدي النبوي والقرآن الكريم ما يكفي لتأسيس لنظام غذائي إسلامي متكامل، وغذاء الإنسان من المواضيع الخطيرة في هذا العصر، فما هو دور التشريع الإسلامي؟ وما هي الضوابط والتعاليم التي وضعها الإسلام والتي تحكم مسيرة الانسان الغذائية؟
– إن الإسلام أسّس وشرع لنا نظاما غذائيا متميزا، ونستخلص أهم قاعدته من كون المولى عز وجل ذكر في كتابه المحكم حوالي 31 مرة من أنواع النبات مما تخرجه الأرض للإنسان قصد الأكل. وفي مقابل ذلك ذكر أربع مرات اللحم في صيغ متعلقة بالأكل ونحن نعلم معنى الترتيب والعددية في القرآن الكريم والتي بموجبها نؤمر بالإتباع وسلك النهج، إذا فالتشريع الرباني في الأكل هو يتعلق بالغذاء النباتي بامتياز وهو الغذاء الذي اعتاد عليه الإنسان منذ الخلقة الأولى حيث وجد النبات أمامه ولم يتيسر له الصيد إلا بعد حين ومشقة، وضوابط الغذاء الإسلامي معروفة نستخرجها من شذرات الوحي والسنة ذكرا وإشارة، كتجنب الشبع والإفراط في الأكل، وعدم إدخال الطعام على طعام من صنف آخر، أكل الفواكه والسلاطة كذلك قبل الطبق الرئيسي، الأكل والشرب ونحن جالسين. كلها قواعد إسلامية أسّست لنظام نوعي متميز.
إن الأكل والشرب فوق حد الشبع هي صفة من صفات غير المسلمين، فالمسلم المؤمن لا يأكل حتى يجوع وإذا أكل لا يشبع، حدثنا عن الحكمة النبوية والإعجاز النبوي الطبي في هذا الحديث؟
– يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع” وقال أيضا: “قم من طعامك وأنت تشتهيه” وقال: “طعام الاثنين كاف لثلاثة وطعام الثلاثة كاف لأربعة” فالشبع والإفراط في الأكل سبب كل المشاكل الصحية التي تعاني منها البشرية، حيث هذا الإفراط الذي تسبب في الإخلال بصحة المعدة وكل الجهاز الهضمي، وفي الإصابة المحتملة جدا بأضرار تمس القلب والشرايين وارتفاع الضغط الدموي وترسبات الدهون ومنع الراحة خلال التنفس، ومن ثم إلحاق الضرر بالمخ، ويتبعه ثقل فكري، وضعف النباهة والذكاء. “إذا امتلأت المعدة غابت الفكرة”. ويقول أحدهم: و”حل الداء”.
هل اليوم علينا العودة إلى التشريع الإسلامي وإلا ستُهلك البشرية، لأن الأمراض التي تظهر في هذا العصر أسبابها غير معروفة لدى الغرب؟
– دور المسلمين اليوم أعظم من أي وقت مضى، لأن الغرب اليوم ماسك لوحده زمام الأمور من الناحية العلمية والبحثية، ويزاول علماؤه عديد الأبحاث التي من شأنها إلحاق الضرر الكبير بالإنسان لانعدام الضوابط الدينية. وما أبحاثهم المتعلقة بالخلايا الجذعية والهندسة الجينية وممارساتهم لبعض التجارب على الجينات من دون مراقبة تحمي الإنسان وكيانه الخاص اجتماعيا، من شأنها أن تفكك البنية الاجتماعية المعتادة وتفسد حياة الإنسان كمخلوق مفكر ذي مشاعر خاصة. المسلمون اليوم مطالبون بالريادة والعودة إلى حلبة التاريخ والنهوض والتحكم في زمام العلوم لحماية البشرية كلها. ونحن أمة ذات رسالة عالمية عظيمة.
وهل الحل الوحيد لتجنب جميع هذه الأمراض التي تتعاظم في تأثيرها على الإنسان يكمن في جهود علماء الإسلام “التغذية والفقه والطب” حتى يقفوا موقفا قويا لإنقاذ الأمة والبشرية جمعاء؟
– نعم دور المسلمين تعاظم أمام انفراد الغرب بقيادة سفينة العلوم وشق البحر صوب شاطيء غير آمن، فنحن من منطلقاتنا الدينية نؤسّس آجلا أم عاجلا لمجتمع سليم وسالم، صحي وآمن، ونبني لمستقبل يتناغم مع واقعنا بما يخدم البشرية جمعاء، فالمسلمون هم الذين أقاموا لدين والدنيا معا، ووجودنا اليوم بات محوريا في المعادلة العالمية.
لكم برنامج بالإذاعة الوطنية يُبث عبر إذاعة سطيف الجهوية بعنوان: “زدني علما” مع الزميل الصحفي فاروق الرايس حول مواضيع الإعجاز العلمي، ومن المواضيع التي تطرقتم إليها موضوع علاقة الروح والنفس والجسد، في البداية ما هو الفرق بين “النفس” و “الروح” في القرآن الكريم؟
– الروح لا يمكن معرفة كنهها ولا ماهيتها فهي من الله حيث قال سبحانه وتعالى:”فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”، فهي سر رباني لا يقاس ولا يرى ولا يدرك أبدا. قال تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”. يقول البعض إنها بمثابة طلقة ربانية أعطت الإنسان ذلك البعد الإدراكي وتلك اليقظة والمعرفة الربانية الفطرية، فهي اثيرية ذات أبعاد لا تدرك. ولا تعطي الحياة للإنسان بل هي ذلك الرابط الذي يربط العبد بربه فهي لا تفجر ولا تبكي ولا تجوع ولا تبرد، هذه خصائص النفس التي عرفها العلماء أنها مبعث الحياة في الكائن الحي الذي يتميز بثلاث عناصر بيولوجية la teleonomie , la morphologie autonome et la reproduction invariante. فالحي من تنفس، والميت تفارق نفسه جسده عند إنهاء مدة صلاحيته البيولوجية “كلُّ نفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ”. أما الروح فهي باقية مستمرة تعود لله كيفما شاء سبحانه وتعالى.
في تقديركم ما هي مكانة البحوث العلمية في الدوريات والمجلات العلمية والعالمية ما هي أسباب ندرة نشرها؟
– البحوث العلمية مصدرها النخبة والنخبة نوعان: الجامعيون الأكاديميون المشتغلون بالبحث ونشره، والمفكرون من غير الأكاديميين الذين يزاولون البحث، وكلاهما يجد صعوبة في النشر لانعدام القاعدة التي تؤسّس لذلك من خلال تبسيط العلوم ونشرها للمختصين وحتى للمهتمين والمحبين، واليوم من بين الرهانات الكبرى جعل المفاهيم العلمية المعقدة في متناول العامة من خلال تبسيطها وطرحها في قالب جذاب ومثير.