ما بعد التوقيع على اتفاقيات «إيفيان Evian»
أ د. عمار طالبي/
كتب الأستاذ الصادق سلام مقالا عن هذه المرحلة، التي اهتمت فيها بعض الدول، وبما ستكون اتجاهات الدولة الجزائرية بعد هذا الاتفاق، وعلاقاتها بالدول مستقبلا.
فقد صرّح برنار تريكو Bernard Tricot بأن فرنسا أدركت أن حرب الجزائر خاسرة مع كل مساعيها وهذا أمر واضح وصرح بذلك في سنة 1960، وقرأ في الحساب الحالة التي وجدت بالنشاط الديبلوماسي الذي شرع فيه الوفد الخارجي لجبهة التحرير الجزائرية وواصلته لجنة التنسيق والتنفيذ (CCE) ثم الحكومة المؤقتة (GPRA) لدفع الأمر على المستوى العالمي لمعركة جيش التحرير من داخل الجزائر: (ALN).
ومنذ أن حصلت السلطة الفرنسية على الوثائق التي في حوزة كريم بلقاسم في تازمالت بتاريخ 23 جويلية 1956 أدركت وجود شبكة من المعطيات التي تجعل «التمرد المسلح» عنوان «ثورة» جديرة بالاهتمام الدولي، إلا أن السلطات العسكرية الفرنسية أرادت أن تُبقي هذا سرا، هذه البداية للعالمية أو الدولية، ولم تصبح حرب الجزائر عائقا للدبلوماسية الفرنسية التي أرادها الجنرال شارل دوجول.
ووقعت رغبات شركاء فرنسا أن تجد حلا سياسيا للصراع التي تتبعه استفهامات حول عواقب التوازن الإقليمي والصراع شرقا –غربا على المسرح الدولي بسبب ظهور دولة جزائرية جديدة وكذلك جيران الجزائر بما في ذلك التونسيون الذين أخذهم الشك في أهمية الماضي الحربي ومساحته.
ومنذ تحرير الزعماء الخمسة، أصبح بورقيبة الذي له علاقات جيدة مع كريم بلقاسم باعتباره المجاهد الأكبر، أي بورقيبة يتمنى أن يكون موقف الجزائر الجديدة موقفا يقوي الجانب المضاد للشيوعية، وجماعة بن خدة من جهة، ضمن ذلك، إذ رفض بن خدة ما كان قد أخذت به الوزارة الخارجية الجزائرية من اقتراح هؤلاء «التقدميين» باعتراف كوبا.
ولم يكن بورقيبة راضيا عن الزعماء الخمسة الذين يوصفون بأنهم يساريون إذ كانوا يقرأون في سجنهم ابن خلدون، وماركس، وفرنتز فانون، وازداد سخط بورقيبة لما سمع بن بلة يقول: نحن عرب وكأن ذلك إيمان بالنزعة الناصرية (عبد الناصر).
ولذلك جعل الحرس الوطني التونسي ابتداء من 30 جوان 1962 حواجز في الطريق: تونس-غاردماو لمنع أعضاء الجنرال بومدين الذي لم تكن الحكومة المؤقتة على اتفاق معه، ثم فاجأ بن بلة الناس بمغادرته تونس إلى القاهرة.
وفي المغرب، غض الطرف الحسن الثاني عن الهجوم ضد مواقع الحكومة المؤقتة الذي قامت به وحدات الجيش الذين تموقعوا في الحدود المغربية، وهو يعلم التقارب بين بن بلة وقيادة الجيش، حيث أن بوتفليقة ومدغري أيدا بن بلة.
ولم يكن الحسن الثاني راضيا عن بن خدة، ودحلب لأنهما لم يقبلا أن يعطيا له عهدا فيما يتعلق بالحدود المغربية الجزائرية وتعديلها، ولم يعترفا بتبعية موريطانيا إلى المغرب وسيادته عليها، وهو ما اتفق عليه في المؤتمر المغاربي في طنجة سنة 1958، وكان بن بلة يصاحبه لغزاوي مدير الأمن الشريفي، وتبين للمصالح المغربية أنه أقرب إليهم من أعضاء الحكومة المؤقتة، التي يرأسها بن خدة، ولذلك اختار الحسن الثاني منذ البداية أن يؤيد جماعة بن بلة وهو يعلم أن دوغول في جانب بن بلة سرا.
أما البلدان الغربية التي تصارع ضدّ الشيوعية، فإن اعتراف الاتحاد السوفياتي بالحكومة المؤقتة في 23 أفريل 1962 أحيا قلق الغرب.
بالرغم من نجاح الحكومة المؤقتة في تكذيب الادعاء باتهامها بالميل للشيوعية، فإن ألمانيا الغربية شكت بعد اعتراف ألمانيا الشرقية بالحكومة المؤقتة، وكان بوالصوف رحمه الله عقد مع ألمانيا الغربية عقد تعاون استخباراتي، وذلك في 1958 مع المصالح الخارجية لألمانيا الغربية من أجل فتح مكاتب لجبهة التحرير في البلدان الشرقية، والمصالح الألمانية الغربية طلبت أن تأخذ معلومات عن الشيوعية على أن تعطي للجبهة معلومات عن الجيش الفرنسي، ومن جهة أخرى فإن مسؤولي ألمانية الغربية على علم بأن الحكومة المؤقتة أمرت الطلبة الجزائريين الذين يدرسون بألمانيا الشرقية أن ينتقلوا إلى ألمانيا الغربية ما عدا طالبا واحدا عصى الأمر وكان منضويا في الحزب الشيوعي.