هل ستعود الرعونة السياسية بعد عامين إلى البيت الأبيض؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
بعد مرور أسبوع على تحول «الموجة الحمراء» التي توعد الجمهوريون بإغراق الكونغرس الامريكي في لجتها بعد الانتخابات النصفية إلى «قطرة صغيرة» ـ حسب تعبير نانسي بيلوسي التي خسرت رئاسة مجلس النواب ـ تعجل يوم الثلاثاء 15 نوفمبر2022 الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في إعطاء إشارة انطلاق سباق رئاسيات الولايات المتحدة الأمريكية قبل عامين من موعد إجرائها الفعلي في 2024، وما زال دونالد ترامب يدعي أن رئاسيات 2020 سرقت منه وأنه كان هو الفائز الحقيقي بها . لقد ظل محكوما بهاجس العودة إلى البيت الابيض، لذلك لم تتوصل نصائح المستشارين ولا تدخلات المقربين إلى ثني دونالد ترامب عن الترشح للمرة الثانية للرئاسيات الأمريكية رغم أن لجنة التحقيق في الهجوم على مبنى الكونغرس توصلت إلى أن ترامب دبر مخططا لإلغاء انتخابات رئاسية وعرقلة عملية نقل السلطة، ورغم عاصفة المتابعات القضائية ومسلسل الفضائح السياسية والاخلاقية والمالية التي ما زال عالقا فيها ومتابعا بسببها، فقد وعد الأمريكيين بأن يجعل أمريكا من جديد «أمة عظيمة»، ووجد ما يكفيه من الجرأة و الرعونة ليقدم نفسه كمنقذ للشعب الأمريكي. من مقر إقامته في مارآلاغو بفلوريدا، وعلى امتداد ساعة كاملة ودون ان يقدم برنامجا انتخابيا حقيقيا ومقنعا، رسم دونالد ترامب صورة مثالية لفترة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية (2016ـ 2020).
لقد فشل دونالد ترامب خلال عهدته الرئاسية في إدارة جائحة كورونا التي حصدت أرواح أكثر من ربع مليون أمريكي، وجعلت الولايات المتحدة الأمريكية تتصدردول العالم في عدد الوفيات والإصابات بداء كورونا المستجد،كما فشل في تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في أعين العالم بسبب سياسة الغطرسة والأنانية الأمريكية، وفشل في الحفاظ على علاقة بلاده مع حلفائها التقليديين بسبب تصريحاته الإعلامية وتغريداته الإكترونية التي توبخ وتسخر علنا من بعض حكام وزعماء تلك الدول الحليفة للولايات المتحدة الامريكية، وتراجعت مكانة ومصداقية الولايات المتحدة في العالم خلال عهدته بعد انسحاب الولايات المتحدة من الكثير من المنظمات الأممية والمعاهدات الدولية،كما فشل بعد مغادرته كرسي الرئاسة في تحقيق وعوده بجعل الحزب الجمهوري يستعيد السيطرة على الكونغرس، حيث لم ينجح معظم المرشحين الذين فرضهم على الحزب ودعمهم في الترشح لمجلسي الشيوخ والنواب وحكام الولايات في الفوز بثقة الناخبين الأمريكيين، وتسبب عناده وتعصبه لرأيه في إحداث الشقاق بين قيادات الحزب الجمهوري، ولكن وسواس العظمة وهوس السلطة وهستيريا حب الظهور جعلت ترامب يفرض نفسه على الحزب، رغم أن استطلاعا للرأي أجرته شبكة «أن بي سي»، أظهر أن 47 في المائة من الأميركيين لديهم «انطباع سلبي» عن ترامب، فيما ازداد عدد الجمهوريين الذين عرفوا عن أنفسهم بأنهم جمهوريون وليسوا ترامبيين لإظهار استقلاليتهم عن تأثيره. وتبجح دونالد ترامب في خطاب ترشحه للرئاسيات بالقول: «عودة أميركا تبدأ الآن» وتفاخر بأنه تحت قيادته كانت الولايات المتحدة الأمريكية «أمة عظيمة ومجيدة وقوية وحرة». ورغم أن عودة الملياردير المقامر دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يبدو أمرا مستبعدا واحتمالا ضعيفا، إلا أن غرائبية السلوك السياسي وتقلب المزاج الانتخابي للناخبين الامريكيين ونفوذ اللوبيات المالية الصهيونية بشكل خاص في الولايات المتحدة تدفع المتابعين للشان الأمريكي ألا يجعلوا عودة ترامب إلى الحكم من جديد أمرا مستحيلا.
وبالعودة إلى الماضي، فقد شكل انتخاب الملياردير دونالد ترامب في عام 2016 في منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية صدمة للعالم، وبعد سنة واحدة من انتخابه أصبح الرئيس الخامس والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة محط سخرية الأمريكيين، حيث أظهراستطلاع للرأي أن أغلب الأمريكيين يعتبرون بأنه شخص غبي» و «كذاب» و «غيركفء».
لعل «النجاح» الوحيد الذي حققه دونالد ترامب خلال رئاسته للولايات المتحدة الامريكية كان محصورا في خدمة المصالح الصهيونية والعدوان الإسرائيلي، وحول البيت الأبيض إلى وكالة يهودية مختصة في ابرام اتفاقيات التطبيع بين الكيان الصهيوني المحتل وعدد من الدول العربية، حيث تمكن خلال عهدته الرئاسية التي دامت أربع سنوات من الضغط والدفع بأربع دول عربية (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب) إلى توقيع اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الرقم يمثل ضعف عدد الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل (مصر، الأردن ) طوال 68سنة من الاغتصاب الصهيوني لارض فلسطين (1948 ـ2016)، وبعداعترافه في سنة 2017 بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني في خرق واضح للقوانين والمواثيق الدولية،هدد بوقف المساعدات المالية عن الدول التي تصوت لصالح مشروع قراربالجمعية العامة للأمم المتحدة يقف ضد قراره الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
كل الكتب والمقالات والآراء التي تناولت طريقة حكم ترامب بالنقد أوالتشهير، وكل المحاولات التي بذلت معه في الولايات المتحدة لدفعه إلى تعديل سلوكه من قبل عدد من المستشارين والوزراء النافذين، وحتى محاولة عزله من طرف مجلس النواب الأمريكي لم تفلح في وضع حد لسلوكه الأرعن المخالف لتقاليد من سبقوه في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد اتضح للجميع بعد قرابة أربع سنوات من تنصيب دونالد ترامب رسميا في منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أن تصريحاته المتناقضة وتصرفاته الاستفزازية وطلباته الابتزازية وقراراته المفاجئة، ليست مجرد زلات عابرة أوخرجات منعزلة ولكنها طريقة حكم خاصة وأسلوب متبع في توجيه السياسة الأمريكية، وهي طريقة يمكن تسميتها بالبلطجة السياسية. ..هذا النهج البلطجي الذي سارعليه الرئيس دونالد ترامب كانت له مظاهر داخل الولايات المتحدة وخارجها، فعلى مستوى الداخل الأمريكي،اعترف مايكل كوهين المحامي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب في سنة 2018 بأنه دفع أموالا بتوجيهات من الأخير لإسكات ممثلات إباحيات قبيل الانتخابات الرئاسية، خوفا من تأثيرهن على حظه في الانتخابات. وفي شهرأفريل 2018 صرح جيمس كومي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي «أف. بي. آي» أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتبع سلوكا شبهه بـ «زعماء العصابات»، وفي جانفي 2019 كشفت مجلة (نيوزويك) جوانب من علاقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعصابات المافيا الإجرامية، وأوردت أنه هو والجمعيات التابعة له استعانوابشخصيات من عالم الجريمة والرذيلة في افتتاح صالات القمار الفخمة التي كان يملكها.
وعلى المستوى الخارجي أوالدولي لايتورع الرئيس ترامب عن الحديث علناعن ابتزازه المكشوف لحكام المملكة العربية السعودية والطلب منهم دفع ملاييرالدولارات مقابل أو الإبقاء على قوات أمريكية في السعودية، وفي العراق، وبعد تصويت أغلبية نواب البرلمان العراقي يوم 5 جانفي 2020 على قرار خروج القوات الأمريكية من العراق، رفض ترامب هذا المطلب العراقي الرسمي والشعبي، وهدد بفرض عقوبات غير مسبوقة على العراق في حال تمسكه بهذا المطلب، مؤكد اأنه لن يغادرالعراق حتى يدفع العراقيون لأمريكا ملايير الدولارات كثمن للقواعدا لعسكرية والمطارات التي بنتها الولايات المتحدة في العراق،وهذا التصريح جاء بعد أن كان دونالد ترامب يصرح بأنه لا مشكلة له في مغادرة قواته العراق إذاطلب المسؤولون العراقيون ذلك. وبخصوص الوضع في سوريا أعلن الرئيس الأمريكي في ديسمبر 2018 عن انسحاب قوات بلاده من سوريا، موضحا أن السبب الوحيد لتواجد القوات الأمريكية بسوريا هو لمقاتلة تنظيم داعش الذي تمت هزيمته، حسب تأكيده. ولكنه لم يتورع عن الإعلان عن الاستمرار في سرقة النفط السوري مؤكدا أن مجموعة من الجنود الأمريكيين ستبقى في سوريا للقيام بـحماية النفط في سوريا،قائلا: «يمكن أن نرسل واحدة من كبرى شركاتنا النفطية للقيام بذلك بشكل صحيح».