الحدث

وسام العالم الجزائري طبعة 1444 هـ/2022م (المعمول والمأمول)

د. محمد باباعمي/

لو أنَّ “وسام العالم الجزائري” كان كرةً للثلج، لتدحرج من سَنام الجبل إلى رِجله، ولحمل معه في الطريق كميَّات من الثلج، بها يكبر ويكبر، حتى يبلغ الحجم المقدر له، دون جهد يذكر؛ حسب طول الجبل، ونوعية الثلج، ودرجة الحرارة وغير ذلك؛ غير أنَّ “وسام العالم الجزائري” سباحةٌ ضدَّ التيار؛ إنه صعود بالثلج من السفح إلى القمَّة؛ فهو بالتالي في حاجَة إلى همة وعزيمة، وإلى علم وعمل، وإلى جد واجتهاد، وإلى صبر ومثابرة… لكنه، قبل ذلك وبعده، في حاجة إلى معيَّة الله سبحانه، وإلى أن يُصنع على عينه جلَّ جلاله، تماما كما صنع موسى على عينه بفضل “ولتُصنع على عيني”؛ ثم ليبلغ غايته من الهجرة، كما بلغها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ببركة: “لا تحزن إنَّ الله معنا”.
بعد جهود ماراطونية، واستشارات مكوكية؛ وبعد الترشيح والتصفية، من قائمة بها مئات العلماء الجزائريين؛ انتهى الإعلان إلى ثلاثة أسماء في سماء العلم بالجزائر؛ وتمَّ قبل ثلاثة أيام الإعلانُ الرسميُّ عن المكرَّمين بالوسام لهذا العام: أ.د. يوسف منتالشتة (الإعلام الآلي)، ود. نشيدة قصباجي (الطاقات المتجددة)، ود. نعمية بن كاري (الهندسة المعمارية).
تزامن وسام هذا العام مع بلوغ رؤية المؤسسة عامها ومداها (1444ه/2022م)؛ ولقد انصرمت خمسة عشر عامًا على بداية التكريم، بأوَّل مكرَّم العلامة أبو القاسم سعد الله رحمه الله؛ وكان ذلك في معهد المناهج، ولم نكن يومها نحلم بأن يبلغ الوسام هذا المدى؛ وأن يتحوَّل إلى حدث وطنيٍّ عالميٍّ بارز؛ غير أنَّ الرؤيا كانت واضحة، والرسالة كانت بينة.
السؤال هو: ما هو المعمول الذي تحقق؟ وما هو المأمول الذي لم يتحقق بعدُ؟
ليست هذه الخاطرة لبسط الجواب؛ لكنَّها للتأكيد على أنَّ المأمول أكبر من المعمول، وأنَّ الطريق لا يزال طويلا، وأنَّ الرجاء قائمٌ في أن يكون الوسام “علامة فارقة” في تاريخ العلم بالجزائر؛ ولن يكون ذلك بين عشية وضحاها، أو في بضع سنين، وإنما يكون بالاستقامة على الطريقة، والثبات في الطريق؛ رغم الرياح العاتيات، ورغم مختلف التحديات؛ إلاَّ أنَّ الواجب يملي علينا أن لا نفشل، وأن نجتهد ونجاهد إلى آخر نفسٍ؛ وأن لا نستسلم أبدا، فالواجب ليس محلَّ مساومة، وإنما هي إحدى الحسنيين: النصر، أو الشهادة.
العلم، والجزائر، والوسام… أكبر منا جميعا؛ ولذا فالمطلوب هو التخطيط الصارم، والتنفيذ المحكم، ثم التقويم الجادُّ؛ بهذا فقط تدور العجلة، ويتحوَّل الوسام إلى “نموذج ثقافي علمي”؛ فيلهم غيره من المشاريع، لتحذو حذوه، وتستفيد منه؛ وبهذا نثبت أنَّ العقل الجزائري ولود، وأنَّ الجزائر “تربة خصبة إذا واتتها الظروف”؛ وهذا الذي يبعث فينا الأمل غالبا، ويحرك فينا الإمكان دائما.
لكن، لن تتحرك العجلة في الاتجاه الصحيح إلاَّ بتضافر الجهود، وبالعقل الجمعي، وبالتوافق والتناغم؛ وذلك أيم الله من أعمال القلوب وليس من أعمال العقول فقط؛ ففي قمم القلب تتحقق الانتصارات، وعلى سفوح القلب تتوالى الانهزامات؛ ولقد قال جلَّ من قائل: “إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا”. فتحية خالصة لكل من له يد بيضاء على الوسام، فالفضل له أهله وخاصته، وهؤلاء الأطهار من أهله وخاصته.
إذن، نحمد الله على المعمول، ونحتسبه أجرا ومثوبة عند الله؛ ثم نسأله سبحانه أن يوفقنا لبلوغ المأمول، عالمين عاملين بمقتضى وعده تعالى: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنَّ الله لمع المحسنين”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com