مفهوم اللُّقَطَة، وحكمها، وماذا يفعل من يجدها

الفتوى رقم:599
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com
الســــــــــــؤال
قال السائل: كنت أطوف حول الكعبة، ورأيت محفظة، فأخذتها معي إلى الفندق، ولما سألت المرشد الذي كان معنا في الفندق عنها؟ قال: أعدها إلى مكانها، فخفت أن تضيع وسألت أحد الشرطة في الحرم فقال اذهب بها إلى صندوق الأمانات، فذهبت بها إلى مكتب فقالوا لي اتركها هنا، فهل لو رددتها إلى مكانها أعفى من المسؤولية؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: ما هي اللقطة؟ هذه المحفظة التي وجدها هذا المعتمر الذي كان يطوف بالبيت العتيق، تسمى:{اللُّقَطَة} واللقطة: ما التقطه الإنسان من الأشياء في أي مكان، فاحتاج إلى تعريفه. أي: هي الشيء الملتقط. قال النسفي:: اللُّقَطَةُ الْمَالُ الْوَاقِعُ عَلَى الْأَرْضِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُلْتَقَطُ غَالِبًا أَيْ تُؤْخَذُ وَتُرْفَعُ وَالِالْتِقَاطُ الْأَخْذُ وَالرَّفْعُ وَقِيلَ الِالْتِقَاطُ وُجُودُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَاللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ} (عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ. كتاب: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية. 1/93) والأصل في اللقطة أنها تترك في مكانها حتى إذا عاد إليها صاحبها وجدها حيث افتقدها. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: التعامل مع اللقطة عامة: عن زيد بن خالد الجُهني، أنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن اللُّقَطَةِ فقال: [اعْرِفْ عِفاصها ووِكَاءَها، ثم عَرِّفْها سنة، فإن جاء صاحبُها، وإلا فشأْنَكَ بها]، قال فضَالَّةُ الغنم؟ قال: [لك، أو لأخيك، أو للذئب]، قال: فضالة الإبل؟ قال: [ما لك ولها، معها سِقَاؤُها، وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها] (مسلم:كتاب اللقطة: 1722) قال: أعرف عِفاصها، أي: تعرف عن اللقطة، لتعلم صدق واصفها، والعفاص هو الوعاء الذي تكون فيه اللقطة من نقود وغيرها. وكلمة{ الضالة} تطلق على الحيوان التائه الذي ضل الطريق، وأما الأمتعة فيقال لها: {لقطة} ولا يقال ضالة. وفي الحديث الآخر:[عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ – أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ – ثُمَّ قَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا، وَسِقَاؤُهَا، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا] (مسلم:2/1722) قال شراح الحديث: (عرفها سنة) معناه إذا أخذتها فعرفها سنة والتعريف أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه وفي الأسواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس فيقول من ضاع منه شيء؟ من ضاع منه حيوان؟ من ضاع منه دراهم؟ ونحو ذلك ويكرر ذلك بحسب العادة. (ثم استنفق بها) أي تملكها ثم أنفقها على نفسك. ولكن تذكر: [فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ] أي أنك إن التقطتها تضمنها لصاحبها بأن تردها إليه كما وجدتها. فإن لم يأت صاحبها قبل سنة، كانت وديعة عند الملتقط إلى حين يظهر صاحبها. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: لقطة مكة والمدينة لاتلتقط: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ] (البخاري: 1349) (لا تلتقط لقطتها) لايحل لمسلم أن يلتقط ما سقط فيها. (إلا لمعرف) أي إلا لمن يعرفها وينادي عليها حتى يجيء صاحبها ولا يأخذها للتمليك، فانتبه لاتأخذ ما تجده ساقطا في مكة ولا في المدينة. ففي المطأ: [اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ. وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا] (الموطأ تحقيق الأعظمي.5/1308) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
قال ابن رشد في بداية المجتهد فيما يرويه عن العلماء:{إن كانت اللقطة بين قوم غير مأمونين والإمام عادل فواجب التقاطها، وإن كانت بين قوم مأمونين والإمام جائر، فالأفضل أن لا يلتقطها، وإن كانت بين قوم غير مأمونين والإمام غير عادل فهو مخير بحسب ما يغلب على ظنه من سلامتها أكثر من أحد الطرفين. قال: وهذا كله ما عدا لقطة الحاج، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز التقاطها لنهيه – عليه الصلاة والسلام – عن ذلك، ولقطة مكة أيضا لا يجوز التقاطها إلا لمنشد؛ لورود النص في ذلك، والمروي في ذلك لفظان: أحدهما أنه لا ترفع لقطتها إلا لمنشد} (بداية المجتهد:4/88.وم.خ:715).