البصائر في حوار مع البروفيسور حبيب الله بريك المتخصص في علم المخطوطات وتحقيق النصوص: بين الواقع والتحديات والآفاق
إشكالية صناعة التوثيق والتراث الجزائري المخطوط في الجزائر
أجرت الحوار : فاطمة طاهي
يمثل التراث المخطوط جزءا من الذاكرة الفردية والجماعية للوطن، وقد لعب دورا أساسيا في الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية، وعلى الرغم من أهميته الحضارية والإنسانية يواجه هذا التراث تحديات صعبة نظرا لعوامل كثيرة تسببت في إتلافه وضياعه. البروفيسور بريك الله حبيب، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجامعي تندوف، والمتخصص في علم المخطوطات وتحقيق النصوص، يحدثنا عن واقع المخطوطات في المكتبات العمومية وعن مآلها في الخزائن الخاصة والمكتبات العائلية، وفي خزائن الدول العربية والإفريقية، مشيرا إلى إشكالية رقمنة المخطوط وجهود الجزائر لتحقيقه وصناعته، مذكرا في هذا الصدد بدور علماء الجزائر في إثراء التراث الحضاري من خلال المخزون الهائل من المخطوطات في شتى فنون العلم والمعرفة المتواجدة في الجزائر ومختلف مكتبات دول العالم.
نبدأ بالسؤال الكلاسيكي في الإعلام من هو الدكتور بريك الله حبيب؟
– الدكتور بريك الله حبيب، شاب طموح من أبناء هذا الوطن الغالي، نشأت في أسرة عريقة بولاية تندوف، عُرفت بالعلم والمعرفة والشجاعة، من أبوين ينحدران من قبيلة «تجكانت» المرابطة والمجاهدة بالجنوب الغربي الجزائري، من مواليد 16 أفريل من سنة 1980 بتندوف، حفظت القرآن الكريم في صغري، زاولت التعليم من الابتدائي إلى غاية حصولي على شهادة البكالوريا في مسقط رأسي، حيث كنت من المتفوقين والنجباء طيلة مشواري الدراسي، التحقتُ بالجامعة الجزائرية سنة 1998، وتحصلت على شهادة الليسانس من قسم التاريخ بجامعة وهران سنة 2002 بتقدير مشرف جدا، ثم توجهت بعدها إلى العاصمة المصرية القاهرة لمواصلة دراساتي العليا سنة 2004، لأفتك منها شهادة الماجستير في تخصص علم المخطوطات وتحقيق النصوص بتقدير جيد جدا عام 2007 .
عدت إلى الجزائر موظفا ومفهرسا لمخطوطات المكتبة الوطنية الجزائرية بالحامة في الجزائر العاصمة، حيث ساهمت في فهرسة ما يناهز 2000 مخطوطة، ليتم توظيفي في الديوان الوطني لحماية واستغلال الممتلكات الثقافية والمحمية بالجزائر العاصمة من سنة 2009 إلى غاية شهر ماي من سنة 2010، التحقت بعدها كمحافظ للتراث الثقافي بالمركز الوطني للمخطوطات بولاية أدرار سنة 2010، ثم محافظا للمكتبات والأرشيف بمركز الأرشيف الوطني بالعاصمة التابع لرئاسة الجمهورية سنتي 2011 و2012، وقد سجلت في الدكتوراه سنة 2010 لأتفرغ بداية من سنة 2012 للبحث العلمي الأكاديمي، وتحصلت في سنة 2015 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة الجزائر2 «بوزريعة» وبتقدير مشرف، في بحث مهم حول العلاقات التجارية بين مدينة تندوف والسودان الغربي، وذلك من خلال الوثائق المحلية التي أضافت للمكتبة الجزائرية صبغة علمية جديدة، كونها أشارت إلى رصيد وثائقي ضخم محفوظ بلهجة لسان المدينة، وهي اللهجة الحسانية، والتي حفظت لنا وقائع تاريخية واقتصادية مهمة جدا في القرن 19م.
لم يكن تعييني كأستاذ محاضر بالمركز الجامعي في مسقط رأسي تندوف بالأمر السهل والهين، وإنما مر بظروف صعبة للغاية، ليتم تعييني بعد جهد علمي طويل كأستاذ محاضر على مستوى المركز الجامعي بتندوف، تحصلت في عام 2021 على درجة الأستاذية أهلتني لأصبح أستاذا في التعليم العالي.
وفيما يخص العضويات العلمية والبحثية، تحصلت على الكثير من العضويات العلمية والإدارية والبحثية، بداية بفرقة بحث في إطار البرنامج الوطني للبحث (PNR) حول جرد وإحصاء المخطوطات الجزائرية في المكتبات الخاصة سنة 2011، ثم عضوا بمخبر المخطوطات بجامعة الجزائر 2 في نفس السنة. ونلت عضوية اللجنة العلمية للمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 بالأبيار في الجزائر العاصمة سنة 2017، ثم عضوية الجمعية الثقافية مالك بن نبي بمدينة تندوف في نفس السنة، فعضوا بالمكتب الوطني للجمعية الجزائرية لترقية المواطنة وحقوق الإنسان عام 2018، بالإضافة إلى الكثير من عضويات اللجان العلمية للمجلات المحكمة والملتقيات الدولية والوطنية عبر العديد من جامعات الوطن.
وفيما يخص النشاطات العلمية المتنوعة تمكنتُ في بداية مشواري بالمركز الجامعي بتندوف أن أؤسس أول مجلة علمية أكاديمية دولية محكمة، والتي حملت اسم «المجلة الجزائرية للدراسات التاريخية والقانونية»، وهذا سنة 2015، كما توليت مهام رئيس خلية الإعلام والاتصال بالمركز الجامعي بتندوف في الفترة الممتدة ما بين سنتي 2015-2016، ثم مديرا لمعهد اللغة والأدب العربي بنفس المركز سنة 2016.
ووفقني الله سبحانه وتعالى في نفس السنة أن أنظم أول ملتقى وطني بالمركز، حول «صناعة التوثيق بتندوف وجنوب الصحراء: قراءات تاريخية وقانونية»، والذي نظم يومي 02-03 ديسمبر من سنة 2015، ثم نظمت بعد ذلك وكنت رئيس الملتقى الدولي الأول بالمركز الجامعي تندوف حول «العمارة الإسلامية بتندوف وجنوب الصحراء: رمز تواصل وإشعاع إفريقي» المنظم يومي 20-21 فيفري من سنة 2016.
وماذا عن مؤلفاتكم العلمية وإصداراتكم الأكاديمية بروفيسور؟
– في رصيدي مجموعة من الكتب المؤلفة والمحققة على غرار كتاب «الرحلة الحجازية»، الجزء الخاص بتندوف، منشور عن دار المعرفة سنة 2009 «الطبعة الثانية»، دار الإرشاد سنة2011. كتاب رياض الصالحين وتحفة المتقين للشيخ العلامة عبد الرحمن الثعالبي «الجزء الأول والثاني» تحقيق ودراسة الدكتور بريك الله حبيب منشور عن دار الإرشاد سنة 2011، ثم الطبعة الثانية الصادرة عن دار الوعي، سنة 2015. فهرس المخطوطات الجزائرية بخزائن الدول العربية والإسلامية، دار الوعي، سنة 2015، كتاب «نصيحة قضاة البرية في منع الرشوة والهدية»، للشيخ العلامة محمد المختار بن بلعمش الجكني، دار الوعي، سنة 2018، كتاب «معرفة المباني لصحة المعاني والإعانة للمقصر العاني»، للشيخ العلامة محمد المختار بن بلعمش الجكني، دار الوعي، سنة 2018، كتاب «شفاء الصدور في فتح مسألتي المشكور»، للشيخ العلامة محمد المختار بن بلعمش الجكني، دار الوعي سنة 2018، كتاب «تندوف خلال القرنين 19و20م»، مساهمة في دراسة التاريخ الاجتماعي والثقافي والاقتصادي من خلال الوثائق المحلية، دار الكتاب العربي سنة 2019، كتاب «الحسنية في شرح الجكانية»، تحقيق ودراسة، كتاب «منظومة الأدوية والأغذية» للعلامة ابن قنفذ القسنطيني، تحقيق ودراسة. كما نُشرت لي مجموعة من المقالات العلمية الوطنية والدولية.
وأعمل حاليا على إتمام مشروع ضخم حول تاريخ وتراث المنطقة، وقد سميته سلسلة تراث وتاريخ حاضرة تندوف، يتضمن 8 أعمال بين التحقيق والتأليف.
يمثل المخطوط مصدرا من مصادر تراثنا الثقافي الحضاري، وأحد أهم المصادر التي نتعرف من خلالها على ذاكرتنا الحضارية والتاريخية والثقافية. كيف ترى واقع المخطوطات في المكتبات العامة أو العمومية؟
– تزخر خزائن الدول العربية والإسلامية بكم هائل من كنوز ونوادر المخطوطات العربية في شتى فنون العلم والمعرفة، ولعل للمخطوطات الجزائرية نصيب وافر من هذا الكم الضخم.
ولقد أقدمت على وضع أول خطواتي نحو جرد وإحصاء وفهرسة هذا المخزون الهائل، ووفقني الله عز وجل لصنع فهرس جديد في ميدانه، فريد في نوعه، مفيد لأهله، سميته: فهرسة المخزون الوثائقي لقبيلة تجكانت بتندوف، جمعت فيه كل المخطوطات المتواجدة في خزائن المدينة لمحاولة إعطاء لمحة وجيزة عن الواقع الذي تعيشه هذه الكنوز والنوادر المعرفية، ولعل مجمل مراكز وخزائن المخطوطات بالجزائر تشهد تمازجا ما بين النفور والإقبال.
ولم تكن غايتي من صنع وإعداد هذا الفهرس سوى اختصار المسافات والجهد على الباحثين وأهل التراث عامة من أجل أن يظفروا بمنالهم وهو الاطلاع على مجمل ما تركه أسلافنا وعلماؤنا من نوادر وكنوز لازال الكثير منا يجهل محتواها ومكان تواجدها.
كيف ترى واقع المخطوطات في الخزائن الخاصة أو المكتبات العائلية والتي غالبا ما تنعدم فيها الفهرسة، خاصة أن هذه المخطوطات التي رفض الورثة الشرعيون الإفصاح عنها، أو تدوينها لدى المركز الوطني للمخطوطات، أو وزارة الثقافة أو المكتبة الوطنية، حيث كثيرا ما تكون عرضة للتمزيق أو الإتلاف بالإضافة إلى عدم إمكانية الاطلاع عليها واستفادة الطلبة والباحثين منها؟
– أعتقد أن المخطوطات العائلية والأسرية التي تتملكها هذه الفئة من المجتمع الجزائري والتي ليست بالقليلة، تعاني مرارة الحفظ في ظروف سيئة لا تليق بالكنز الذي تضمه بين دفتيها نظرا لعدم توفر آليات الحفظ المعروفة عالميا ودوليا للحفاظ على المخطوط من ناحية حوامل المتن والحبر والورق وغيرها من أساسيات فقه كوديكولوجيا المخطوطات، وعليه فإن المسؤولية الملقاة على عاتق هولاء الملاك مسؤولية معنوية أخلاقية كبيرة جدا تفرض عليهم أن يعطوا لهاته الكنوز المعرفية حقها في اظهارها للباحثين وطلبة العلم من المحققين والدارسين لعلم المخطوطات وتحقيق النصوص قصد استرجاع علومها وكنوزها وإخراجها في حلة أكاديمية جديدة مفهرسة محققة بعد الترميم والصيانة .
المخطوط المتواجد في مكتبات العائلات، هل ترى اليوم أنه على الجهات الوصية شراء المخطوطات النادرة على الأقل لفائدة الموروث القومي الوطني؟
– باشرت الجهات المعنية في وقت سابق التفكير في آليات وطرق استرجاع هذه المخطوطات من اصحابها ولو بالشراء أو الاهداء أو الإعارة قصد معالجتها ماديا وترميمها ليبقى المتن على حاله وإنقاذه من التلف والضياع، وقد حاولت المكتبة الوطنية بالحامة بالتنسيق مع وزارة الثقافة والفنون، منذ سنوات دراسة إمكانية تعويض بعض الملاك ماديا ولكن دون فائدة لسبب واحد يكمن في تعلق هؤلاء الملاك بهذا الإرث العائلي الذي يرونه جزءا لا يتجرأ من تاريخه وأصالته وأصله وعائلته، وقد استجاب البعض في حين رفض الكثير رغم بعض التحفيزات المالية التي عُرضت عليهم، ولكن أرى انه يجب رفع مسؤولية الوعي لدى الملاك عن طريق فتح باب الحوار المثمر والنقي مع هذه الفئة عن طريق خبراء وأكاديميين يمكنهم أن يجتهدوا في اقناعهم ولو بآليات قد تحفظ لهم حق التملك والاسترجاع.
وكيف ترى إشكالية رقمنة المخطوط في الجزائر واقعا وتحديات وآفاقا؟
– بالنسبة لموضوع رقمنة المخطوطات وإتاحتها للباحثين في شكل مادة رقمية تحفظ كيان المخطوط من الضياع والتلف تعد خطوة مهمة جدا نحو الحفاظ على ما تبقى من التراث الجزائري المخطوط سواء على مستوى مراكز البحث أو بالخزائن الخاصة أو العامة أو المتواجده عند بعض الأسر والعائلات أو الأفراد، ولعل هذه الخطوة هي أول خطوة في المراحل الفهرسية التي تؤدى في النهاية إلى وعي تام وشامل بالمخطوطة المراد الاطلاع عليها وتحقيقها ودراستها واسترجاع مادتها، وفي هذا الصدد تسعى الكثير من الجهات الرسمية في الجزائر إلى الاستثمار في هذا الميدان سواء بإقامة ندوات علمية أو ملتقيات أو دورات تدريبية من أجل التعريف بأهمية الرقمنة وممارستها وخاصة فيما تعلق بالتراث الجزائري، وقد شاركت في دورة تدربيبة عام 2009 برعاية مركز جمعة الماجد الإماراتي بالمكتبة الوطنية بالحامة بالجزائر العاصمة، وكانت الدورة تصب في إشكالية ممارسة الرقمنة والترميم والصيانة وطرق التجليد وغيرها من آليات وطرق حماية المخطوطات، وعليه فإننا مطالبون في ظل الواقع المُعاش بضرورة تكثيف الجهود من مختلف مؤسسات الدولة المعنية بهذا الإطار والعمل على تنسيق الرؤى والأفكار من أجل الإسراع في رقمنة ما تبقى من هذا الارث التراثي الإنساني بامتياز وخاصة والجزائر رفعت سقف التحدي عاليا في رقمنة جل القطاعات الهامة.
لكم مؤلف حول “فهرس المخطوطات الجزائرية بخزائن الدول العربية والإسلامية” ماذا عن المخطوطات الجزائرية في بعض خزائن المملكة المغربية وفي تونس وغيرهما؟ وما السبيل لتعريف الباحثين بأماكن تواجدها وتحفيزهم على الاطلاع عليها وربما تحقيقها ونشرها وإخراجها لطلبة العلم والباحثين في التراث الجزائري؟
– إن من أهم قضايا التراث المخطوط العربي أو الغربي منه، والتي تعتبر مفتاح الولوج إلى عَالَمِ المخطوطات وما تحويه من فوائد جمة والتي هي قضية الفهرسة إذ هي قضية كبرى اختلف الباحثون وأهل الاختصاص في تحديد مفهومها وطبيعتها، حيث أنها تختلف عن علم الكوديكولوجيا، هذا الأخير الذي يبحث في المخطوط باعتباره قطعة مادية بحثة، أما علم الفهرسة فتبرز من خلاله مجموعة من البيانات والمعطيات لوصف المحتوى العلمي والنثري للمخطوط.
وأحمد الله عز وجل الذي وفقني في صنع هذا الفهرس الذي تكبدت من أجله مشاق الغربة ومرارة الفرقة إذ تلقيت نبأ وفاة والدي الكريم رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه ولم يزدني ذلك إلا عزما وإصرارا.
وما يميز هذا الفهرس أنه جديد في ميدانه، وقد جاءتني هذه الفكرة من خلال تصفحي لبعض المخطوطات في الخزانة الحسنية، والتي تتعلق بموضوع رسالتي في الدكتوراه، لـما رأيت أنه من الضروري وجود فهرس يحوي ويضم كل ما يتعلق بالتراث المخطوط الجزائري، مما قد يختصر على الباحثين الكثير من العناء والجهد المضني.
وقد جمعت في هذا الفهرس كل ما استطعت الوصول إليه من مخطوطات جزائرية في شتى ميادين المعرفة و فنون العلم من فقه وسيرة وحديث وإجازات وطب وفلك ورياضيات ونحو …الخ، والتي كانت تقبع في الخزائن العربية العامة منها والخاصة، وذلك أثناء رحلتي العلمية التي ساقتني إلى الكثير من الدول العربية الشقيقة متصفحا ما حوت خزائنها من فهارس ضمت بين دفاتها عناوين مخطوطات جزائرية سواء كانت تأليفا أو شرحا أو تقييدا أو تلخيصا أو تعليقا أو سواء كان صاحبها جزائريا أو شارحها جزائريا أو دفينا بالجزائر.
وقد اجتهدت في عملي هذا حتى أسهل من خلال هذا الفهرس على الباحثين، والطلبة، والمهتمين بالتراث المخطوط، وممن يتقصون أخبار المخطوطات الجزائرية البحث عن غايتهم ومبتغاهم دون تكبد شقاء السفر، وعناء البحث الطويل ضمن مجلدات عديدة وفهارس مكتظة وأحسب والله حسيبي أني قد وفقت من خلال هذا الفهرس إلى جادة الصواب وغاية السؤل.
وقد اعتمدت في صنع هذا الفهرس على مجموعة كبيرة من الفهارس المتناثرة ضمن هاته الخزانة وتلك، وقد انتهجت المنهج التالي في صنع الفهرس بذكر مجموعة من العناصر الأساسية التي تلبي غاية الباحث وتتمثل في:عنوان المخطوطة ومؤلفها وشارحها، أولها، آخرها، مقاسها، مسطرتها، نوع خطها، تاريخ تأليفها، تاريخ نسخها، رقمها داخل الخزانة إن وجد، وعدد نسخها إن وجدت، هل هي ضمن مجموع أو مخطوطة منفردة، عدد أجزائها إن وجدت، وذكر بعض الملاحظات على المخطوطة.
ولم أشأ الإطالة في ذكر بقية العناصر التي ترهق القارئ الكريم وتشتت فكره، إذ تتطلب الكثير من الوقت من أجل الظفر بفكرة مكتملة عن مخطوط واحد، بل اكتفيت بما ذكرته سالفا لكي لا يطول الفهرس، ولكي يكون حمله خفيفا ومحتواه كثيفا إن صح التعبير.
وسوف نعمل إن شاء الله جاهدين في القريب العاجل وبإذن الله تعالى من أجل تكملة ما تبقى من المخطوطات التي لم تطلها عملية الفهرسة بسبب بعض الظروف والعوامل الخارجة عن نطاق تصرفنا.
هذا وقد لا يسلم أي عمل أو علم من زلات وهنات وسقطات علمية وعملية، ومن أجل ذلك أتمنى من القارئ الكريم ممن يقع بين يديه هذا الفهرس أن يُقَوِمَ ويُصلح ما يراه مناسبا للإصلاح والتقويم راجيا من الله في الأخير أن يتقبله منا في صالح الأعمال وأن يجعله في ميزان حسنات والدي الكريم رحمه الله وتغمده برحمته الواسعة.
ما هي الأماكن والمكتبات التي تتواجد فيها المخطوطات الجزائرية على غرار العالم العربي؟
– توجد الكثير من المراكز البحرية والمكتبات بالعالم والتي لازالت تحتفظ بالكثير من تراث علماء الجزائر سواء كان عن طريق النهب او التملك او الاهداء أو حتى المتاجرة غير الشرعية بهذه المخطوطات العلمية النفيسة والنادرة على غرار فرنسا وألمانيا وتركيا وإسبانيا وبعض الدول الأخرى.
تزخر الخزائن والمكتبات الافريقية بالعديد من المخطوطات التي تنسب تأليفها لعلماء جزائريين، ولعل من أشهر مراكز المخطوطات الجزائرية بإفريقية مركز ماما حيدرة بمالي، الذي يضم بين جنباته ما يقارب المائتي وعشرين مخطوطا لعلماء جزائريين فقط؟ حدثنا عن هذه النقطة؟
– عرفت الكثير من الخزائن والمكتبات الافريقية إلى غاية اللحظة وجود المئات من الوثائق والمخطوطات القيمة، التي تعتبر رافدا مهما من الروافد التي يعتمد عليها الباحث في توظيف المادة العلمية الدسمة، والتي تعد من أهم المصادر التاريخية المهمة نحو كتابة تاريخ العلاقات بين الجزائر ودول إفريقيا وقد ساهم الكثير من علماء الجزائر في إثراء هذا التراث الثقافي العربي الإفريقي، لذلك استطاع الكثير من علمائنا أن يؤثروا في المجتمعات الافريقية حتى في تسمية أبنائهم. فمثلا نجد في بعض الدول الافريقية كـمالي التي كانت تسمى سابقا السودان الغربي يسمون ابنتهم الأخيرة بالصغرى تيمنا بالعقيدة الصغرى للعالم الجزائري السنوسي صاحب العقيدة الصغرى والمتوسطة والكبرى، وهذا تأثير مباشر ومهم، وقد بقي الكثير من المخطوطات الجزائرية في بعض المراكز الافريقية منها من عُلم ومنها ما ضاع إلى يومنا هذا في ظل انعدام اتفاقيات تبادل وتعاون علمي.
من خلال المعلومات التي قدمتها ما هو تقييمكم لصناعة المخطوط وصناعة التوثيق في الجزائر؟
– يجب تكثيف الجهود للنهوض بهذا الإرث العالمي والإنساني وإتاحته للباحثين، وتعريف العالم أجمع بقيمة ومكانة علمائنا الأجلاء، الذين آمنوا بأن الجزائر في المقدمة بفضل علمائها وشبابها، ولذلك أرى انه بات من الضروري بمكان إعطاء المشعل للشباب المتمكن من المناهج العلمية الدقيقة في صناعة المخطوطات وتحقيق النصوص في ظل الكثير من الندوات العلمية والملتقيات الدولية التي تُعنى بصناعة التوثيق والتراث الجزائري المخطوط.
حدثنا عن إسهام الجزائر في إثراء هذا التراث الثقافي العربي والإسلامي؟
– الجزائر على غرار بعض الدول العربية عرفت حركة واسعة في الآونة الأخيرة في إثراء هذا التراث الانساني من خلال تنظيم الكثير من الندوات العلمية والملتقيات الدولية حول أهمية تراث علماء الجزائر، الذين أينما حلوا وارتحلوا تركوا لنا زادا علميا كبيرا.
اليوم نعيش ثورة الكترونية رهيبة هل فكرتم في إدراج الثقافة الوطنية في مختلف الوسائط الجديدة لمرافقة الشباب الجزائري عبر هذه الفضاءات وقد شاركتم سابقا في ملتقى حول دور وسائل الإعلام والاتصال في حفظ الثقافة الاجتماعية؟
– نعم نحاول من حين إلى آخر توظيف كل ما يتعلق بالثقافة الجزائرية في مختلف الوسائط الإلكترونية الجديدة، ولعل اخر عمل قدمته هو المشاركة في انجاح وإنجاز معجم الثقافة الجزائرية بالمجلس الأعلى للغة العربية تحت رعاية رئاسة الجمهورية، ويعتبر عملا علميا ضخما شارك فيه ثلة من العلماء والخبراء والأكاديميين، وقد ساهمت الكثير من الجهات الوصية في توظيف هذه المادة العلمية عبر تطبيق متاح للجميع يضمن التصفح لكل ما يتعلق بالثقافة الجزائرية عبر مختلف ولايات ومناطق وطننا العزيز، بالإضافة إلى الكثير من الانجازات الأخرى التي يطول الحديث عنها، وللعلم فإن الجزائر تعتبر الدولة العربية الوحيدة صنعت الكثير من المعاجم والموسوعات الجبارة في خدمة اللغة العربية ومشتقاتها.
تحصلتم على المركز الأول عربيا في مجال التوثيق التاريخي في مسابقة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة للشباب العربي المتميز بالتنظيم والتعاون مع جامعة الدول العربية حدثنا عن مشاركتكم في هذه المسابقة؟
– لم تكن مسيرتي حافلة بالشهادات العلمية فقط، بل بالإنجازات الوطنية والدولية كذلك، فقد نلت الكثير من التكريمات على جهودي العلمية والبحثية، ولعل أهمها الجائزة الأولى عربيا في مجال التوثيق التاريخي من مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة للشباب العربي المتميز من طرف جامعة الدول العربية سنة 2018، وهذا عن مجموعة الانجازات التي حققتها من أهمها: كتاب فهرس المخطوطات الجزائرية بخزائن الدول العربية والإسلامية، الذي جمعت فيه ما يناهز عشرة آلاف مخطوط جزائري متناثر عبر مكتبات العالم العربي والإسلامي، كما تم تكريمي من طرف وزير الشباب والرياضة السابق، ونلت تكريما آخر من قبل والي ولاية تندوف ومن طرف العديد من جمعيات المجتمع المدني، على غرار جمعية الهجن لسباق الإبل، وجمعية مالك بن نبي للثقافة.
تحصلتم على جائزة الشيخ العلامة عبد الرحمن الثعالبي للعلوم والمعرفة، حدثنا عن المسابقة؟ وفي نفس السياق حدثنا عن التحقيق والدراسة التي قمتم بها لكتاب “رياض الصالحين وتحفة المتقين للشيخ العلامة عبد الرحمن الثعالبي”؟
– نعم تحصلت على جائزة الشيخ العلامة عبد الرحمن الثعالبي للعلوم والمعرفة لعام 2018، وهي جائزة تأتي في إطار تشجيع الباحثين لخدمة تراث العلامة وتحقيقه واسترجاع مادته العلمية، وقد سعدت بالحصول على هذا الشرف العلمي شاكرا أخي وصديقي العزيز البروفيسور عصام طوالبي، مدير كرسي اليونسكو الأمير عبد القادر الجزائري، ورئيس جمعية سيدي عبد الرحمن الثعالبي لهذه الثقة التي وضعها في شخصي، وللعلم فقد نلت الجائزة نظير تحقيق لمخطوط رياض الصالحين وتحفة المتقين للشيخ العلامة عبد الرحمن الثعالبي بن مخلوف وهي مخطوطة حول الزهد والتصرف وأحوال الصالحين وقد طبعت طبعتين مختلفتين الأولى عام 2011 والثانية عام 2015.
ما هي آفاقكم المستقبلية وماهي المشاريع التي تشتغلون عليها الآن؟
– بالنسبة للآفاق والطموحات، فإنا نسعى لخدمة هذا الوطن الحبيب بكل ما أوتينا من قوة، في مجال تخصصنا وفي مجالات أخرى سواء ثقافيا، علميا أو إنسانيا، لكي نرسم الصورة المشرفة ونبعث الجانب المشرق للجزائر، كيف لا وقد ترك لنا أسلافنا ما نفتخر به من تاريخ عريق وحضارة راقية أعطت للعالم آخر درسا قويا من دروس الحياة، كما نسعى كذلك من أجل أن نسترجع ثقافتنا وروحنا من خلال المحافظة على هذا الكنز الكبير من التراث العلمي المخطوط، وذلك عبر مؤسسات شبانية رائدة في تحقيق وصيانة وترميم كل ما هو تراث مادي جزائري، لننافس به كبريات المؤسسات العلمية في هذا الميدان.
وفي الحقيقة هناك مشروع رائد ولبنة أولى نعمل على بعثه للنور، ويتمثل في صرح علمي وهيكل مؤسساتي يهتم بكل ما هو تراث مادي مخطوط سواء من جانبه العلمي أو التقني، وهي الأكاديمية الجزائرية للوثائق والمخطوطات، التي تعمل على جمع وحفظ وترميم وصيانة ودراسة وتحقيق التراث الجزائري المخطوط، عن طريق مجموعة من المتخصصين في هذا الميدان لنساهم بذلك في حفظ ذاكرتنا، تراثنا وتاريخنا من الضياع والاندثار وإتاحته للباحثين والمهتمين.
شكرا جزيلا بروفيسور، على كل ما تفضلتم به، في الأخير كلمة ختامية قل ما شئت ولمن شئت؟
– شكرا لكل من يؤمن بقدرات الشباب وإبداعهم ويسعى لإبراز قدراتهم العلمية والإبداعية والثقافية، شكرا لك فاطمة طاهي على هذا الاهتمام الكبير في إبراز الطاقات الجزائرية الشابة، وانت منهم ولعل هذا يصب في الحس بالمسؤولية المعنوية التي تفرض علينا كشباب لخدمة وطننا العزيز، والمضي به نحو أسمى المراتب العليا.
كل الحب والشكر والامتنان لوالدتي الكريمة حفظها الله، التي رعتني بدعائها ودعمها وتربيتها، ودعائي الخالص بالرحمة لوالدي الغالي الذي لولاه بعد الله عزوجل لما وصلت لما أنا عليه اليوم، الشكر والتقدير موصول لكل أفراد عائلتي كل بإسمه، ولكل من علمني حرفا وسار بي نحو دروب النجاح.