مــــن ملفات الذاكـــــــــــرة الوطنيـــــة ملتقى وطني حول الشهيد الفقيد سي الحواس
بسكرة/سعدي بزيان
تلقيت دعوة من منظمي الملتقيات في جامعة محمد خيضر ببسكرة للمشاركة في ملتقى وطني حول الشهيد سي الحواس رئيس الولاية 6، وقد استقطب هذا الملتقى عدة أساتذة وباحثين ومؤرخين جاءوا من مختلف الجامعات الجزائرية، وكان موضوع مشاركتي في هذا الملتقى بعنوان: “العقيد الشهيد سي الحواس في مذكرات رفقاء السلاح، ومثقفين من الأوراس، وكنت ثاني الشخصيات التي افتتحت هذا الملتقى بعد الدكتور تابليت علي، وكانت قاعة المؤتمر غاصة بالجمهور بالإضافة إلى أسرة الشهيد، وكان ابنه شعبان وهو مهندس في الطاقة الشمسية، وألقى كلمة مؤثرة وسط المؤثرين، وقد نظمت لنا لجنة المؤتمر رحلة تاريخية إلى مدينة مْشُونَشْ قاعدة الإصلاح ومعقل الثورة، ومسقط رأس الشهيد سي الحواس، وزرنا متحفا يحمل اسمه، يجسد حياة ومسيرة هذا البطل الذي دخل التاريخ من بابه الواسع.
وقد آل على نفسه ألا يمسكه الاستعمار حيا، وكان الله عند حُسن ظنه وأمنيته، فاستشهد والسلاح في يده، وقاتل هو ورفيقه الشهيد العقيد عميروش رحمهما الله جميعا ورحم جميع شهداء الحرية والاستقلال، وكانت فرصة لبعض الباحثين والمؤرخين للتعرف على مسيرة الشهيد سي الحواس وأسرته بالصّور، واستفدنا كثيرا من شروح دليل المتحف واغتنمنا فرصة وجودنا في مشونش، بزيارة أول مدرسة أسسها رجال الإصلاح في مشونش، والتي درس فيها الشهيدان: عبد الكريم عباس من مشونش، ومحمد زعروري من غسيرة، والمحامي موساوي زروق “لا يزال حيا” والمرحوم محمد مهدي المحامي الذي رحل مؤخرا، وكان أبرز الأساتذة من جمعية العلماء الذين قاموا بالتدريس في هذه المدرسة: الشيخ واجدي، والشيخ عمار عباس الزراري والد الأخ محمد الشريف عباس وزير المجاهدين سابقا، والشيخ أحمد السرحاني أحد أقطاب الإصلاح في الأوراس والذي قام بالتدريس في معهد بن باديس بقسنطينة، وأثناء وجودي في مشونش أدليت بحديث لمراسل قناة “الشروق” ببسكرة حول أعمال الملتقى وانطباعاتي حول الشهيد سي أحمد بن عبد الرزاق، والخصال التي كان يتمتع بها في حياته الجهادية.
زيارة لمدينة سيدي عقبة وزيارة مسجدها والوقوف على تاريخ هذا الصحابي الجليل، في اليوم الأخير من أعمال الملتقى
زرت بسكرة قبل هذا التاريخ مرتين صحبة الإعلامي الراحل الأستاذ سليمان بخليلي، ففي المرة الأولى كان ذلك بدعوة “جمعية الروافد الثقافية” لولاية بسكرة، وقد شاركنا في أعمالها الثقافية، وفي ختام أعمالها قامت بتكريمنا معا.
أما في المرة الثانية، فقد زرنا عمه المجاهد عبد القادر بخليلي الذي قدم لي مذكراته عن جهاده تحت قيادة الضابط الصادق بوكريشة، والعقيد سي الحواس، إلا أن الرحلة الثالثة كانت للمشاركة في أعمال الملتقى الوطني حول الشهيد سي الحواس، كانت فرصة ثمينة وغنية بالمعلومات التاريخية فقد وزّع علينا في المؤتمر ملصق عن متحف سي الحواس، وكتاب صغير الحجم، ولكنه غني بالمعلومات حول مسيرة هذا البطل، مع تاريخ قادة الولاية السادسة التاريخية، وقد صدر ذلك في كراس بوزارة المجاهدين وذوي الحقوق، يتضمن معلومات عن العقيد محمد شعباني ببسكرة، ومع الأسف لم نزر متحفا يحمل اسمه في مسقط رأسه ببسكرة، معلومات مختصرة عن الولاية السادسة التي أنشئت عقب مؤتمر الصومام، 20 أوت 1956، وحدد لها إطارها الجغرافي، وكان أول قائد للولاية السادسة هو الشهيد علي ملاح المدعو “سي الشريف” إلا أن فترته لم تطل، فحلّ محله العقيد أحمد بن عبد الرزاق المدعو “سي الحواس” ففي فترته كما ورد في هذا الكتاب قام العقيد بتنظيم الولاية وهيكلتها إداريا وعسكريا واستطاعت أن تقف في وجه المشاريع الفرنسية التي ألقى بها دوغول عند عودته إلى الحكم في 13 مايو 1958، وفي عهده واجه الحركة المناوئة للثورة المتمثلة في حركة بلّونيس التي جعلت مقرها حوش لنعاس بدار الشيوخ، ولاية الجلفة حاليا، وذلك بدعم من الجيش الفرنسي الذي كان يزوده بالمال والسلاح، وعند استشهاد سي الحواس مع عميروش في جبل ثامر ببوسعادة، وهما في طريقهما إلى تونس، تم خلال ذلك تعيين العقيد الطيب الجغلالي خلفا للشهيد سي الحواس إلا أن فترة قيادته لم تطل، حيث سقط شهيدا في 29 جويلية 1959، وخلفه العقيد محمد شعباني الذي درس معنا في معهد بن باديس، وظل محمد شعباني على قيادة الولاية السادسة إلى الاستقلال، وقد ورد في كتاب: “قادة الولاية السادسة التاريخية” أنه في ظل قيادة شعباني واجه كل المؤامرات والمناورات التي قام بها دوغول للحفاظ على “الجزائر الفرنسية”.
وقد واجه العقيد محمد شعباني بالإضافة إلى مناورات دوغول الذي عيّن وزيرا خاصا للصحراء وهو ماكس لوجان ليضمن لفرنسا البقاء واستغلال ثروات الصحراء كما واجه العقيد شعبان فلول جيش بلونيس العميل للاستعمار الفرنسي، والقوات الفرنسية المرابطة بالصحراء، والحفاظ على الأمن وليس ذلك بالأمر الهين في بلد خرج من معركة دامت 7سنوات ونصف تقريبا.
إن قراءة كتاب “قادة الولاية السادسة التاريخية” استرجاع لذاكرتنا التاريخية وتعميق لمفهوم الذاكرة الوطنية والإبقاء على تواصل الأجيال عبر سيرة هؤلاء الذين خلفوا لنا إرثا تاريخيا تتغذى منه الذاكرة الوطنية عبر الأجيال.
وأعد القارئ بأنني سوف أعود به إلى رحلة في زيارة للتاريخ كل مرة، كلما قمت بمشاركة أو بزيارة معلم من معالم تاريخنا، وكم سررت هذه المرة وأنا أزور سيدي عقبة ومسجده، ومقامه، وقبره، وأنا أستمع إلى دليل هذا المسجد وهو يحدثنا عن تاريخ سيدي عقبة ورجالاته، منهم الشهيد أحمد رضا حوحو الذي تعلّم القرآن في هذا المسجد، فإلى مرة أخرى حديث آخر إن بقي في العمر بقية.