قُطـــــــــاع الطــــرق
عبد العزيز كحيل/
لا عجب في احتراف أهل الأهواء والشهوات صد الناس عن الهدى والاستقامة لكن لا ينقضي العجب ممن يتولى هذه المهمة وهو مسلم ملازم للمساجد بل يحتكر هو وطائفته صفة أهل السنة والفرقة الناجية، صنيعهم لا يخفى عمّن له علاقة ببيوت الله وبالدعوة والعمل الإسلامي، ولم يعد الأمر أفعالا شاذة ولا حالات معدودة بل غدا منهجا متبعا نذر هؤلاء الناس أنفسهم له، يتحمسون له ويخدمونه بكل ثقة، همّهم صد المسلمين – وخاصة الأطفال والشباب – عن المساجد وحلقات القرآن والعلم والعلماء والأئمة والشيوخ، هم معروفون بشكلهم الذي انفردوا به دون بقية المسلمين حتى أصبح علامة عليهم أي أصبح لباس الشهرة الذي نُهينا عنه شرعا، لا يتحركون في اتجاه العصاة لهدايتهم، ولا يشتغلون بردّ الشبهات حول الإسلام، ولا بالدفاع عن المقدسات بشكل من الأشكال لأنهم يبدؤون – كما يرددون – بالعدو القريب: العلماء والمصلحون والدعاة، لماذا؟ لأنهم جميعا مبتدعة أئمة ضلال لا يجوز الاستماع إليهم ولا الأخذ عنهم ولا الاقتراب منهم ومن مجالسهم وكتبهم بل ومساجدهم…هذا ما يفعله منذ سنوات من يسمون أنفسهم سلفيين و«الفرقة الناجية»، وهو عمل لا تخطئه العين لأنهم يجاهرون به ولا يكتمونه، بل يتقربون إلى الله به لأن محاربة البدعة والمبتدعين مقدمة عندهم على كل أنواع البرّ والعمل الصالح، والبدعة هي ما ليسوا عليه، والمبتدعة هم جميع العاملين للإسلام من غير الوهابية.
ماذا يفعلون بالضبط؟
– يهتدي شاب بعد ضلال ويلازم المسجد ويأخذه الحماس لحفظ القرآن على يد المعلم أو الإمام باللوح فيحاصره قاطع الطريق «هذه بدعة، القراءة الجماعية لا تجوز، هذا المعلم صوفي»، ولا يزالون يحاصرونه حتى ينصرف عن القرآن للاشتغال بالطعن في العلماء والانتقاص من عُمار المساجد.
– يلتزم شاب ويُكبّ على تعلم أمور الدين فيأتيه قٌطاع الطرق: لا يجوز أن تقرأ للقرضاوي والغزالي وسيد قطب لأنهم إخوان ضالون مضلّون، ولا تقرأ للبوطي فهو أشعري صاحب عقيدة فاسدة، ولا لأمثلهم القدامى: ابن حجر والنووي عياض وابن العربي…العلماء هم هؤلاء فقط: ابن باز، الألباني، العثيمين، الفوزان والمدخلي، وفركوس…الباقي على ضلال.
– يواظب شاب على حضور الدروس والمواعظ في المسجد فيفسد قٌطاع الطرق نيّته بتوزيع الإتهامات على الأئمة والأساتذة بالكذب والبهتان وشهادة الزور لإبعاد الشباب عنهم وعن المساجد لأن هذه الدروس تبث – في نظرهم – العقيدة الفاسدة، وهي مخالفة للسنة شكلا ومضمونا.
– ينظم شاب إلى جمعية خيرية لمساعدة الفقراء والمرضى والمحتاجين فيفتيه قٌطاع الطرق أن هذه بدعة، ولا وجود للعمل الجماعي في الإسلام، والمطلوب هو الاعتناء باللباس واللحية والسواك والعبادات الفردية لأن هذا ما كان عليه السلف !!!
– كم من شاب ترك دراسته في الثانوية وفي الجامعة (أعرف من توقف في السنة الخامسة طب وهندسة) بعد أن أفتوه أن ذلك لا يجوز بسبب الاختلاط في الأقسام والمدرّجاب، وخاصة إذا كانت امرأة تدرّسه ولو كانت محجبة، فينصرف عن طلب العلم إلى بيع الجوارب أو قارورات العطر من النوع الردئ…ومما أذكره من المعايشة الواقعية فتواهم بوجوب ترك الدراسة في الشعب العلمية لأن ذلك يقتضي تصوير أجسام ذوات الأرواح وهذا لا يجوز.
هكذا يقطعون طريق الطاعة وطريق العلم فيرتد كثير من الشباب إلى السلبية والدروشة وحياة الفراغ بينما يرتدّ آخرون إلى حياة الضلال والمعاصي…أفليس هذا قطعا لطرق الاستقامة؟…إنهم لا يجلبون المنحرفين إلى المساجد بل ينفّرون الملتزمين من بيوت الله.
ومما جعل منهم قطاع الطريق إلى الله:
– ارتكاسهم في السلبية إلى أبعد حد، فلا يجتمعون مع المسلمين في أي عمل خير، من تنظيف المسجد والحي إلى إغاثة اللهفان مرورا بالمساهمة في خدمة المجتمع سياسيا ونقابيا واجتماعيا.
– سوء أخلاقهم حيث لا يصدر منهم إلا الطعن في المسلمين وعبارات التبديع والتضليل والتفسيق والتكفير والطعن في الأعراض (أعراض المسلمين المتمسكين بدينهم تحديدا بينما «يطهرون» ألسنتهم عن ذكر مساوي أعداء الإسلام من صليبيين وصهاينة وهندوس وطغاة ظالمين).
– ومن أبشع سلوكهم لزومهم للغلظة والشدة وعدم تورعهم عن الكذب والبهتان عند الخلاف، أي تمسكهم بكل ما تنهى عنه السنة النبوية.
– الانقطاع الكامل عن المسلمين من غير جماعتهم، فلا يفرحون لفرح المؤمنين ولا يحزنون لحزنهم، ولا يتألمون لما يجري للمسلمين في فلسطين والصين وبرمانيا وغيرها، فهي قضايا لا تعنيهم في قليل ولا كثير بل يرفضون فكرة الجهاد والمقاومة ورد الظلم والتصدي للطغيان، ويؤصلون للجُبن والخنوع والانهزام بغير معركة والتسليم للأعداء .
وبعد، رغم تحفظي الشديد وخوفي من رمي المسلمين بما ليس فيهم إلا أني أرى هذا الحديث النبوي يشير إليهم «دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها، قلتُ (أي حذيفة بن اليمان): يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: (هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا)، قلتُ: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم»… فنحن نلزم جماعة المسلمين في بيوت الله وفي أي صعيد لنعمل على إعادة الإمامة والخلافة، لا نقصي مسلما فضلا عن تكفيره بسبب خلاف فقهي أو عقدي جزئي.