أضواء على حديث افتراق الأمة إلى 62 فرقة
عبد العزيز كحيل/
إن ما يسمى السلفية تنكر وجود الاختلاف في الفروع وترى أن في كل مسألة قولا صحيحا واحدا هو قول شيوخها، وما دونه فأقوال مخالفة للسنة وبالتالي مرفوضة نهائيا، ومعلوم أن الصحابة اختلفوا في المسائل الفرعية في حياة الرسول صلى الله عليه وسله وبعده، لكن الواقع أن هذه السلفية تقدّس الاختلاف وتبني عليه كيانها الفكري والسلوكي، وترفض التوافق بين المسلمين والاتفاق بين مكوناتهم، فالحق – في نظرها – محصور في رؤيتها، أما غيرُها فهو على باطل حتما، لذلك لا يدخل الجنة مسلم إلا إذا كان على مذهبها…من أين أتت بهذا؟ من حديث افتراق الأمة إلى 62 أو 72 فرقة.
تتشبث بهذا الحديث كأنه قرآن كريم وكأنه أصل الأصول وقاعدة القواعد في العقائد الإسلامية، وجعلته مستندها في إخراج المسلمين من دائرة الإسلام، تتلذذ بذلك وكأنها تنصر الدين وتخدم الأمة، وهي في الحقيقة تُشبع رغبتها العارمة في تضييق الواسع وتكفير المخالف، وتبين بذلك عن مرض نفسي خطير يعتري شيوخها وأتباعها.
فما حقيقة هذا الحديث وما وزنه؟
– هو حديث رواه أبو داود والترمذي، ولم يرد في الصحيحيْن، وهذا أمر يحتاج إلى توقف ونظر، فالحديث في العقيدة ويتناول مسألة خطيرة جدا لا تخفى على البخاري ومسلم، فلو صحّ عندهما لأورداه، وما إغفالهما له إلا لعلّة تعتريه.
– حتى الترمذي الذي رواه في سننه كأنه أشار إلى عدم قوة سنده بقوله: «حديث غريب»، أي لم يرد إلا عن راوٍ واحد.
بعض روايات الحديث لم تذكر أن الفرق كلها في النار إلا واحدة وإنما ذكرت الافتراق والفرق، لكن الوهابية متمسكة تمسكا شديدا بعبارة «كلها في النار إلا واحدة» على أساس أنها هي المقصودة بهذه الواحدة، وقد قال العلامة ابن الوزير اليماني: «وإياك والاغترار بـ«كلها هالكة إلا واحدة» فإنها زيادة فاسدة، غير صحيحة القاعدة، لا يُؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة» (العواصم والقواصم 1/186).
أما الإمام ابن حزم – وهو خبير بالفرق – فقد جزم أن هذه الزيادة موضوعة أي مكذوبة لم يقلها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما متن الحديث (أي مضمونه ومحتواه) فهو مخالف لمحكمات القرآن والسنة، قال العلماء: «وفي متن هذا الحديث إشكال من حيث أنه جَعَل هذه الأمة التي بَّوأها الله منصب الشهادة على الناس، ووصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس، أسوأ من اليهود والنصارى في مجال التفرق والاختلاف حتى أنهم زادوا في فرقهم على اليهود والنصارى.
هذا مع أن القرآن قال في شأن اليهود «وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة» – سورة المائدة 64 .
وقال في شأن النصارى: «فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة» – المائدة 14.
ولم يجئ في القرآن عن أمة الإسلام شيء يشبه هذا, بل فيه التحذير أن يتفرقوا أو يختلفوا كما اختلف الذين من قبلهم.
على أن الخبر عن اليهود والنصارى بأنهم افترقوا إلى هذه الفرق التي زادت على السبعين غير معروف في تاريخ الملتين، وخصوصا عند اليهود، فلا يعرف أن فرقهم بلغت هذا المبلغ من العدد».
وللعلماء كلام كثير عميق في معنى الحديث، كله تأويل يليق بخير أمة اخرجت للناس، ما عدا شيوخ «السلفية» الذين يؤولونه أسوأ تاويل ليحكموا على جميع المسلمين بالنار كأن الجنة خُلقت لهم وحدهم، وقد زاد من جرأتهم تصحيح شيخ الإسلام ابن تيمية للحديث رغم أن كثيرا غيره ضعفوه، وحتى الذين حسّنوا سنده حاكموه إلى محكمات الدين فخرجوا به من ظاهره إلى مخارج حسنة، لأن الفهم الظاهري يجعل المسلمين أسوا من اليهود والنصارى، وما أسوأ هذا الوصف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن من مطعن في الحديث سوى هذا لكفاه.
وما أجمل ما قاله شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق: «كل ما يجب على المسلم اعتقاده والعمل به التمسك بالدين عقيدة وشريعة، والبعد عن الأهواء والبدع وزيغ العقيدة وتأیید شريعة الإسلام وإباحة ما أباحه الله ورسوله وتحریم ما حرم الله ورسوله ، فمن كان على هذا الفريق كان من جملة الفرق الناجية إن ختم الله له به».
وللشيخ محمد زكي ابراهيم رسالة لطيفة بعنوان: «أهل القبلة كلهم موحدون، وكل مساجدهم مساجد توحيد،ليس منهم كافر ولا مشرك ولا وثني ولا مرتد وإن قصّر أو أخطأ أوتجاوز».
تعليقا على هذا أوردت تحفظا أو تقييدا هو: إلا من أعلن كفرَه بوضوح أو أتى من الأقوال والأفعال ما لا تأويل له إلا الكفر.
إذًا – إذا سلمنا بصحة الحديث – فكل مسلم متمسك بدينه هو إن شاء الله من الفرقة الناجية مهما كان الزمان الذي عاش فيه أو الجهة الفكرية أو الفقهية التي ينتمي إليها، يدخل في هذا المفسرون وأهل الحديث والفقهاء والمجاهدون والدعاة وطلبة العلم وعامة المسلمين.
ختاما أقول نحن نفرح بتكثير سواد المسلمين لا الكافرين، ويسرّنا دخول المسلمين الجنة لا النار، ونبتهج بالاجتماع لا بالتفرق وندعو إلى التقارب لا التباعد وندعو الله للأمة كلها بحسن المآب لا بالخلود في جهنم.
ولنا أن نقارن بين حالنا وحال السلف رضي الله عنهم، فقد كانوا يطبقون قوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة» بحذافيره لا يفرقون في ذلك بين مهاجري و أنصاري، أما سلفيو هذا الزمان فلا يؤمنون إلا بأخوة من هم على مذهبهم، وينظرون إلى مخالفيهم على أنهم مخالفون للسنة، وهذا ناقض من نواقض الأخوة في نظرهم، ووسع السلف الناس بأخلاقهم أما سلفيو هذا الزمان فينحون في علاقتهم بالآخرين منحى فيه كثير من العنف والتطرف، وكان السلف أشداء على الكفار رحماء بينهم أما سلفيو هذا الزمان فتجد أكثرهم أشداء على إخوانهم وفي غاية اللين مع الكفار والعصاة، وكان السلف يعملون بحديث «سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر»، أما سلفيو هذا الزمان فقد اتخذوا من سباب مخالفيهم ديدنا لهم ونصرة لله ورسوله بزعمهم.
كان السلف لا يكفرون أهل القبلة و أما سلفيو هذا الزمان فالتكفير من صلب مذهبهم و اعتقادهم، وكان السلف يؤمنون بنجاة كل من اتبع الهدى ولم يلبس إيمانه بظلم أما سلفيو هذا الزمان فيعتقدون أنهم وحدهم الفرقة الناجية.