البعد العالمي للتربية وضرورة رقمنة التعاملات التربوية
د. خالد شنون */
المتتبع لواقع الحياة والمحلّل لسلوكات الأفراد في الوقت المعاصر يجد صعوبة في ضبط محددات هذا الأخير ودوافه لدى الأفراد والجماعات حسب أخصائي دراسة السلوك، ويذكر أن البعد العولمي أوالعالمي والتكنولوجي والمتغير الثقافي العالمي لعب دوراً كبيراً في التنفير من هذا السلوك من جهة، والتمسك بهذا السلوك من جهة أخرى، رغم أنّ الأمر يتعلق بتلبية حاجات ودوافع في هذا السلوك على غرار السلوك الآخر.
ويذكر أنّ معرفة هائلة تجتاح الأذهان ومواقع التواصل الاجتماعي تصقل العقول بتصورات حديثة لا تقف عند حدود الأقليم أو الدين أو الانتماء المحدود، بل تمتد إلى جعل الفرد يشعر بالوجود العالمي أكثر من الوجود المحلي كما كان عليه النشء في الماضي.
ولعلّ توصيات الهيئات العالمية بخصوص الحق في التعلم والمعرفة وديمقراطية التعلم للأفراد.. كلّ ذلك يعبر عن مفاهيم وتصورات أعطت للتنمية الاجتماعية ونمو الأفراد أفكاراً مغايرة ومتجدّدة للحياة تتماشى والتغير الثقافي والعولمة.
مما أضحى ضروريّ وأكثر من أي وقت مضى إدخال هذه المتغيرات في التربية والمجتمع كأبعاد أساسية في منظومات التنشئة الاجتماعية وإدارة السلوك العام.
كما أن الطابع العالمي للوجود طغى على الحياة المعاصرة، وجود أضحى فيه صعب الترتيب على أساس أخلاقي أو عرقي.. أو غيره. بل وجود يعنى بالمشاركة وقوة فرض الذات تبعا لدوافع المجتمع الدولي والعالمي سواء بالمواكبة أو بالانتباه إلى ما يفرضه الآخر (وهنا إشارة إلى ضرورة الانتباه للعولمة في شقها غير البريء) وينشره باسم الوجود العالمي والحقوق المتساوية حيث يذكر أنّه صعب الحكم عليها بأنها عادلة.
هذا ما يدعونا اليوم إلى إعادة مراجعة سلم الأولويات في البعد العالمي للتربية والتعليم، صحيح أنّ الوجود في نظام العالم يتطلب اليوم رجل العالم ومثقف العالم ومعارف العالم بنصب اللام، ومن ثمّ وجب تهيئة النشء على التحدي العالمي في التربية ونقل العلوم والبحث وتقصي الحقائق في عالم اليوم ببراعة وبوعيّ كبير. حتى لا نكون ضحية ثقافة الآخر الذي يأبى أن تكون مرآته حقيقية وعادلة بين الشعوب.
وإذا كان الوجود عالمي والتربية تحمل بعداً عالمياً بالتسيير لا بالتخيير فوجب أن نعلم جيل اليوم أنّه لا مناص من دخول العالم، ولكن بمرجعية عادلة تؤمن بأقدار الوجود وتتحدى الآخر بناء على عدالة وتوازن الوجود الذي ظلّ طُموحاً كبيرًا يأمل فيه جيل الأمس وجيل اليوم.
ومنطلق العولمة في التربية والمؤسسات الاجتماعية اليوم ينطلق من تصورات رقمنة الوجود التربوي، حيث تعطي هذه الأخيرة فرصاً كبيرة وسريعة في معالجة بيانات ومعارف الثقافة والسلوك، وبيانات ومعارف حول السلوك السوى وتصحح التصورات التي ظلّت عقودًا كبيرةً حول التربية بأنّها تجعل الفرد يركن إلى ضوابط ونظام عام فقط. بل عولمة التربية كرقمنة المؤسسات في عالم اليوم ولنا أن نتصور ما الاستثمار الكبير الذي حققته مؤسسات رقمية وآلية في إدارة المعلومات والتواصل بين المؤسسات في ما بينها وبين الأفراد داخل المؤسسات.
عولمة التربية هي بناء إنسان حرّ يفقه بأنّ التغير الثقافي ليس دائما هو الحل للخروج من الأزمة، بل يجعل نفسه أمام خيارات عاقلة للاختيار بين بدائل السلوك بطابع ينافس على المكانة في مؤسسات العالم الذي يضمن به ردّ الاعتبار لمجتمعات، أملها أن تتحقق شروط البداية العادلة في المنافسة على أن يكون العائد الكبير لمن يلحق أولاً.