من أدباء وكتاب المهجر: سعدي بزيان ومسائل الثقافة والذاكـــرة – قراءة في مقالاتـــه من باريس إلى جريــــدة البصائر-
د.وليد بوعديلة*/
يعد الباحث والكاتب سعدي بزيان من أبرز الأسماء الثقافية والإعلامية التي كتبت عن قضايا المهجر وأحوال الجزائريين والعرب والمسلمين في الدول الأوروبية، وبخاصة في فرنسا، بحكم شغله لمهنة الإعلام لسنوات، وبحكم اهتماماته الفكرية والأدبية والاجتماعية بالمهاجرين.
وسنتوقف في هذا المقال عند بعض مقالاته التي نشرها في جريدة البصائر بين 2020 و2022، وكان يرسلها من مدينة باريس، حيث يحددها لجانب اسمه أعلى المقال، وقد اهتم فيها بموضوعات الثقافة الجزائرية والإسلامية في المهجر، وبالتعريف بأعلام الفكر والإصلاح، وبمسائل الذاكرة بين الجزائر وفرنسا.
أولا- سيرة الرجل وأعماله:
هو من واليد 1931، قرية غوفي، دائرة أريس، باتنة، تعلم القرآن وعلمه بالقرية، والتحق بمعهد ابن باديس بقسنطينة سنة 1950، ثم بجامعة الزيتونة، ليتجه نحو المشرق العربي ويتحصل على البكالوريا الجزء الأول ثم الجزء الثاني بالقدس. كما درس الحقوق ببغداد، وعندما عاد للجزائر درس بمعهد ابن باديس 1963، وعمل بجريدة الشعب بداية من1964، وكان مراسلا لها من باريس انطلاقا من 1976، وانضم للهيئة العلمية للمعهد الإسلامي ومسجد باريس مع الشيخ عباس بن الشيخ الحسين والدكتور هدام، كما نشط في معهد العالم العربي بباريس، وكتب في مختلف الصحف الجزائرية، ونقل انشغالات المهاجرين وكتب عن قضاياهم الثقافية والدينية.
من أعماله ومؤلفاته نذكر:
– كتاب دور الطبقة العاملة الجزائرية في المهجر في ثورة نوفمبر 1954(التاريخ السياسي والنضالي للعمال الجزائريين في المهجر).
-كتاب الصراع حول قيادة الإسلام في فرنسا في ظل التطورات الجديدة.
-كتاب جرائم موريس بابون ضد المهاجرين الجزائريين في 17 أكتوبر 1961.
-كتاب الإسلام والمسلمون في الغرب.
– كتاب الشباب الجزائري في المهجر والبحث عن الهوية الثقافية.
-كتاب معركة الحجاب الإسلامي في فرنسا، أصولها وفصولها، وغيرها من الكتب والكثير من المقالات في الصحف والمجلات..
ولقد أنجز مجموعة من الباحثين كتابا مشتركا عنه هو «الأستاذ سعدي بزيان بمناسبة بلوغه التسعين عاما»، تنسيق أ.د ناصر الدين سعيدوني، أ.د مولود عويمر، أ.د علي تابيليت عن منشورات البصائر، ولكننا لم نحصل عليه، ونتمنى الحصول على نسخة منه.
يقول عنه الدكتور عمار بوحوش (أستاذ العلوم السياسية جامعة الجزائر): «مختص في قضايا العمال المهاجرين، وإنه يكاد يكون أنسكلوبيديا متحركة في قضايا العمال المهاجرين، الأستاذ سعدي بزيان باديسي لحما ودما، ومن قال إنه حاد عن أصله فقد كذب. إن من لم يعرف الأستاذ سعدي عن قرب لا يمكنه أن يصدر حكما في حقه، لو نظرت إلى تواضعه وعزته بنفسه وإلمامه بكل صغيرة وكبيرة في كل شيء تناقشه فيه، فإنك ستصاب بالحيرة والذهول». مقال في موقع عمار بوحوش، بالأنترنت: سعدي بزيان الرجل البارع في الكتابة والتحليل).
ثانيا_ قضايا الثقافة الجزائرية في المهجر:
نشر مقاله «من دفتر الثقافة الجزائرية في المهجر، حديث عن أول مدرسة ثانوية جزائرية في باريس»[البصائر، عدد 1126،7-13 أوت 2022، صفحة 17].
بدأ المقال بالحديث عن تجربة جمعية العلماء المسلمين بإرسال الشيوخ والمعلمين لتعليم العربية والثقافة الإسلامية في فرنسا، وقد أسند الشيح ابن باديس المهمة سنة 1936 للشيخ الفضيل الورتلاني، فتكفل بتأسيس نوادي التهذيب في المدن(باريس، مرسيليا، ليون…).
ويذكر كاتب المقال أن البعثات توقفت عام 1956، بعد غلق معهد ابن باديس بقسنطية، والتحاق التلاميذ بالثورة، كما تحدث الباحث عن اتفاقية التعاون الجزائري الفرنسي في عهد الرئيس الشاذلي (1جوان 1981)، وافتتاح المركز الثقافي الجزائري 1983. وعن التحاقه بالمدرسة الدولية موسم2002-2003، وتدريسه لمدة عامين في عهد الدكتور فريد جبايلي أول مدير للثانوية، التي افتتحت 2001.
وكتب مقالا آخر عنوانه «مشروع ثقافي في معهد العالم العربي بباريس يساهم فيه باحثون جزائريون» [البصائر، عدد 1104، 26-20 فيفري 2022، صفحة16] تحدث فيه عن فكرة ومبادرة «كرسي المعهد»، تبنته ونفذته جائزة الملك فيصل بالرياض ومعهد العالم العربي بباريس، قصد التعريف بمائة عالم وباحث من العرب والفرنسيين الذين ساهموا في تقديم الثقافتين (عربية وفرنسية) للآخر، وقد أسهم الجزائريون في المشروع، وهم:
-الطيب ولد العروسي، كلف بالتنسيق بين اللجان العلمية.
-إبراهيم صحراوي، كلف بإعداد كتاب عن المستشرق الفرنسي دانيال ريغ.
– الطيب بودربالة، كلف بإعداد كتاب عن المستشرق الفرنسي ايتيان ديني.
-مصطفى شريف، كلف بإعداد كتاب عن المستشرق الفرنسي جاك بيرك.
وفي هذا السياق المعرفي نذكر أن الكاتب والإعلامي سعدي بزيان قد كتب مقالات أخرى هامة بالبصائر عن مسائل الهوية والثقافة والاستشرق، وقد قرأنا فيها متعة الأسلوب والحكي ونقل الحقائق وتقديم المعلومات، مازجا جمال التعبير برسائل ثقافية وفكرية عميقة، تفيد الأجيال وتحفظ الذاكرة.
ونذكر من مقالاته مقال: «غوستاف لوبون نموذج الاستشراق المنصف النزيه» [البصائر، عدد1109،27 مارس 2 أفريل2022، ص7]. وقد تحدث عن مواقف هذا المفكر ونظرته للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس وإشعاعها الثقافي على اسبانيا. وكذلك مقاله «صفحات من ذكرياتي كطالب وأستاذ في معهد بن باديس بقسنطية (البصائر، عدد 1127، 20-14 أوت 2022، ص17)
ثالثا-التعريف بأعلام الفكر والإصلاح:
اهتم الأستاذ سعدي بزيان بمسألة تعريف الأجيال بأهل النضال الوطني والثوري، كما اهتم بأهل الفكر والثقافة والتعليم والإصلاح، فنقل أخبارهم ومشاريعهم الفكرية ومجهوداتهم في حفظ الهوية والدين والأخلاق والفكر، في سياق انشغاله الإعلامي والعلمي بالدفاع عن المسألة الثقافية الجزائرية، بخاصة في المهجر، لما تتعرض له الجاليات والأقليات الثقافية والدينية من تحديات، وتأثرات بتغير المشهد السياسي في كل حين بفرنسا وبغيرها من الدول.
كتب مقال «الشيخ عبد الرحمان بركات (1901-1957) قطب الحركة الإصلاحية في عاصمة الأوراس»، بجريدة البصائر عدد 1120،19-25 جوان 2022، ص16. وتوقف عند النقاط التالية:
– دور الشيخ في الحركة الإصلاحية في مشونش وبسكرة -الشيخ بركات العالم الشهيد الحركة الإصلاحية -جهوده في الإصلاح وجهاده في ثورة 1954.
وكتب مقالا عن المفكر علي مِراد، عنوانه:»صدور أول كتاب عن المفكر الأستاذ علي مِراد ( 1930-2017)»، [البصائر 1106،12-6 مارس 2022، ص20] حيث عرف بكتاب صدر في باريس عن المسيرة الثقافية والجامعية للمفكر علي مراد، ألفه حاج دحمان عنوانه: «علي مراد مفكر إصلاحي رائد الحوار بين الديانات»، وهو بالفرنسية. علما أن علي مراد قد أنجز أطروحة دكتوراه عن الفكر الإصلاحي في الجزائر 1940-1925، وصدرت في كتاب عام 1967 بالفرنسية، وقد عاش ومات في المهجر، وكان يشارك في ملتقيات الفكر الإسلامي ويكتب في مجلة الشاب المسلم.
وكتب مقالا عن زيارته لجامعة المسيلة، وعاد فيه لتجربة الكتابة في جريدة الشعب والتخصص في قضايا المهجر، ولقب «عميد الصحفيين الجزائريين في المهجر» الذي أطلق عليه، كما تحدث عن حياة وأفكار اتيان ديني (جريدة البصائر، عدد1115،15-21 ماي 2022، ص7).
رابعا- محطات من التاريخ الجزائري:
كتب الأستاذ سعدي بزيان كثيرا من الدراسات والأبحاث التي تقرأ وتحلل تاريخ الجزائري، وشمل اهتمامه الأبعاد الثقافية والحضارية، كما شمل تتبع جرائم الاستعمار وممارسته اللا إنسانية ضد الجزائريين، وكذلك محاولات مؤرخيه وإعلامييه وسياسييه تشويه الأحداث والوقائع وتزييف الذاكرة.
فمن يقرأ مقالات الأستاذ بزيان في جريدة البصائر سيجد صوت الصدق الوطني والوهج الفكري، وسيرتبط هذا القارئ بروح الأرض وعطر الشهداء، كما ارتبطت بها تراكيب المقالات وأفكارها ومشاعر صاحبها، وقد وجدنا في مقالاته القدرة على التعبير الصادق والواعي عن الأحداث، وبراعة تأويل الوثائق، وجودة الربط بين مواقف الحاضر والماضي، مع البحث الدائم- عبر كل حرف ومعنى- عن لحظة يتحقق فيها الوفاء الجزائري لدم الشهداء وأمجادهم.
فقد كتب الباحث عن قضايا الذاكرة وحرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وأنجز الكتب المتخصصة، ونقل للأجيال الجديدة الأخبار والمعلومات التي تكشف جوانب مجهولة من ممارسات الاستعمار ومواقف الفرنسيين العدائية. ونقل كذلك بعض المواقف الفرنسية والأوروبية المساندة للثورة الجزائرية، وصفحات جريدة البصائر تشهد على مجهوداته وأبحاثة في خدمة الذاكرة الجزائرية.
كتب مقال «حرب الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، ومواقف قادتها- فرانسوا ميتران الاشتراكي نموذجا» [البصائر عدد1074،25-31 جويلية،ص8]. تضمن النقاط التالية:
-قرارات وزارة العدل الفرنسية عندما كان ميتران وزيرا للعدل بإصدار أحكام إعدام ضد الجزائريين (45 حكما).
-علاقات ميتران باليهود، وقد كان صديقا ليهودي في وهران، قبل 1954، وكان يقضي عنده العطلة.
-بعض مواقف الحزب الاشتراكي الفرنسي وتصويته لمنح سلطات لغي موللي قصد تصفية القضية الجرائرية (غي موليه/موللي هو سياسي اشتراكي فرنسي ولد 1905، توفي 1975، كان زعيم القطاع الفرنسي في أممية العمال من 1946 إلى 1969، ورئيس الوزراء 1957-1956).
ويدعو سعدي بزيان في مقاله للإطلاع على كتاب إتيان ماكوينن الذي عنوانه «الحزب الاشتراكي الفرنسي وحرب الجزائر 1954-1958»، كما تحدث مقال الأستاذ عن كتاب المؤرخ الفرنسي بن جامان ستورا وفرانسوا ماليلي «فرانسوا ميتران وحرب الجزائر».
وكتب الصحفي القدير بزيان مقالا عنوانه «من تاريخ جهاد المهاجرين الجزائريين في فرنسا مجلة L HISTOIRE الفرنسية تنشر معلومات جديدة عن مجزرة 17 أكتوبر 1961 بباريس»، ونشر مقاله بالبصائر عدد1098،9-15 جانفي 2022، ص18. وقد تحدث المقال عن نشر المؤرخين الفرنسيين لمعلومات عن جريمة 17 أكتوبر1961، وسياق ظهور مقال المجلة الفرنسية وارتفاع أصوات تعادي الإسلام في أوروبا (اليهودي الصهيوني إيريك زمور ومارين لوبان ابنة جان لوبان مؤسس الجبهة الوطنية -حزب يميني متطرف).
علما أن ملف المجلة جاء في غلاف الواجهة بعنوان 17 اكتوبر 1961 مذبحة استعمارية في باريس UN MASACRE COLONIAL A PARIS
كما تحدث المقال عن مبادرة بيرتراند دولانوي (من الحزب الاشتراكي) سنة 2001 بوضع لوحة تذكارية تخليدا لشهداء 17 اكتوبر 1961، من المهاجرين الجزائريين على جسر سان ميشال في الحي اللاتيني، كما أقام ساحة موريس أودان والأمير عبد القادر ومحمود درويش.
وأحالنا مقال الأستاذ بزيان على مشهد جثث الجزائريين في نهر السين وظهورها لأيام، وعن وفاة الشابة فاطمة بيدار التي كانت عائدة من المدرسة، ويتساءل: «هل بادرنا نحن بالمساهمة بقسطنا في هذا الميدان ونحن أولى من غيرنا، ولا نترك تاريخنا رهينة في يد المؤرخين الأجانب وخاصة الفرنسيين، ثم بعدئذ نتهم بعدم الموضوعية والإنصاف وتارة التزوير والبهتان المبين». كما درس الكاتب في مقاله بعض أفكار المؤرخ الفرنسي الشاب إيمانويل بلانشار (أستاذ التاريخ في جامعة فرساي بباريس)، وله كتاب «البوليس الباريسي والجزائريين 1944-1962»، وكتاب عن تاريخ الهجرة الجزائرية إلى فرنسا، صدر عام 2018.
ويعود الأستاذ بزيان للمجلات الفرنسية المهتمة بتاريخ الجزائر، فيكتب مقالا بجريدة البصائر يناقش مقالات المجلات الفرنسية المهتمة بالتاريخ ويكشف اختلاف المصطلحات المستعملة في مقالاتها، فنجد: حرب الجزائر، المآسي الجزائرية…)، وكشف الباحث محاولات بعض الكتاب والمؤرخين الفرنسيين تغليط الرأي العام الفرنسي باعتبار أن ما جرى في الجزائر مجرد نزاع أو حرب (مقال من ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا-عدد1131،11-17 سبتمبر 2022، ص9).
ويكشف سعدي بزيان في مقاله هذا المواقف النزيهة الموضوعية لبعض الفرنسيين، مثل الأستاذة سيلفي ثينولث المختصة في تاريخ استقلال الجزائر، وكتبت عن الميز العنصري ضد الأهالي، كما كتبت الأستاذة كارول رونو بالغوت عن مسألة وضعية التعليم لدى الأهالي…
وقد اهتم الباحث بزيان بمواقف الأحزاب الفرنسية من القضية الجزائرية، فكتب مقاله «الأحزاب السياسية الفرنسة والحركة الوطنية الجزائرية وثورة نوفمبر 1954، الحزبان الاشتراكي والشيوعي نموذجا»، بجريدة البصائر، في حلقتين، بالعدد 1099،16-22 جانفي 2022،ص7، وفي العدد1100،23-29 جانفي2022،ص7.
يختصر المقال بعض التصريحات المعبرة عن مواقف الحزبين والتي تتأرجح بين:
1- معاداة ومواجهة الثورة والقضية الوطنية، مثل موقف أدموند نيجلان حاكم الجزائر الاشتراكي الذي واجه حركة انتصار الحريات الديمقراطية وزور الانتخابات.
2- الاعتراف بالجرائم الفرنسية الاستعمارية ومساندة الاستقلال، وهنا يقدم بزيان موقف ميشال روكار الاشتراكي، وهو مؤيد للاستقلال ونشر سنة 1957 تقريرا عن المحتشدات الفرنسية والظروف اللا إنسانية فيها. كما وقف رئيس بلدية باريس الاشتراكي بيرتراند دولانوي الذي وضع لوحة تذكارية تدين جريمة 17 أكتوبر. ويذكر مقال سعدي بزيان أسماء ساندت ودعمت الثورة والاستقلال الجزائري مثل: موريس أودان وحرمه، هنري علاق، فرانسيس جانسون…
وتأسف الباحث والصحفي المخضرم بزيان لغياب دراسات جامعة جزائرية عن الأحزاب الفرنسية، وختم مقاله بالدعوة لـ «فتح ملفات كثيرة عالقة بين الجزائر وفرنسا، تحتاج إلى جرأة كبيرة إلى معالجتها، ومنها الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر خلال الاحتلال وخلال ثورة نوفمبر 1954».
أخيرا…
هذه بعض المقالات التي تحصلنا عليها وقرأناها في النسخة الورقية للجريدة، وهي تبين جانبا هاما من شخصية الأستاذ سعدي بزيان واهتمامه بالبحث في قضايا الثقافة والهوية وعناصر الذاكرة وأرشيفها، لفضح الممارسات الاستعمارية ولتحريك الهمم الجزائرية العلمية والسياسية والإعلامية، قصد إعادة الأرشيف من فرنسا والبحث في الكثير من الوثائق المتعلقة بفترة الحضور الاستعماري الفرنسي، فلا يمكن السير للمستقبل على جراح وأوجاع وجرائم الماضي.
ونتمنى أن يجمع الأستاذ بزيان مقالاته بجريدة البصائر في كتاب جامع، ونتمنى من الطلبة والباحثين إنجاز المذكرات الأكاديمية عن مضامين مقالاته.
كلية الآداب واللغات-
جامعة 20 أوت 1955- سكيكدة