د/ توفيق جعمات/
ما وصف به الشيخ عبد الرحمن شيبان -رحمه الله- لجنة التعليم العليا بأنها «وزارة تربية شعبية» لم يعد الحقيقة وهو ترجمة صادقة لأعمالها وتأثيرها في تنظيم عملية التعليم الحر، وقد جاء في نص القرار المنشئ لها ما يلي: «تتولى كل ما يتعلق بالتعليم من برامج ولوائح ومراقبة وتفتيش وتلقي شكايات وتعيين معلمين تحت إشراف رئيس الجمعية ومراجعته في أمهات المسائل» لقد لخصت هذه الفقرة المقتضبة كل مهامها، لذلك سوف نتناولها بشيء من التفصيل فيما يلي:
1- وضع مناهج التعليم وتحديد الكتب المقررة للتدريس:
أ- المناهج: من ذلك البلاغ الذي أصدرته لجنة التعليم ونشرته في «البصائر» إلى شيوخ الجمعية ومعلميها جاء فيه إعلان بصدور الطبعة الأولى من منهاج التعليم محدودة النسخ بعدد المدارس قصد الإسراع بتمكينها من مفتتح السنة الدراسية كما جاء في البيان «ووجهنا إلى كل مدرسة نسخة واحدة …» وهذا البلاغ ممضى من رئيس اللجنة الشيخ العربي التبسي. (عدد 206/1952).
وقد طبع المنهاج طبعة ثانية منقحة وأرسلت إلى المدارس بعدد المعلمين في السنة الموالية.
ب: الكتب المدرسية المقررة: بينت لجنة التعليم في منشور لها الكتب المقررة للسنوات الدراسية الست للتعليم الابتدائي، وأوعزت في هذا المنشور إلى مديري المدارس والمعلمين والتلاميذ أن يطلبوها من المكتبات، لعدم قدرة الجمعية على اقتناء كل الكتب بعدد المعلمين والتلاميذ، ولا يمكن إيراد كل الكتب المبرمجة ولكن نشير إلى أهمها لأخذ فكرة عامة عن مقررات الدراسة في التعليم الابتدائي الحر.
مبادئ القراءة المصورة – الحساب العربي – الإنشاء العربي – المحفوظات المدرسية – المطالعة العربية – النحو الواضح بأجزائه الثلاث مقسما على السنوات الست- التاريخ الإسلامي – محمد المثل الكامل – الفقه الواضح – جغرافية القطر الجزائري (توفيق المدني) مختارات من الشعراء الجزائر- الشوقيات للمداس (مختارات من ديوان أحمد شوقي)- مختارات من الألفاظ الكتابية للهمذاني – المحادثة المصورة – الخط الواضح…
2- اختيار المعلمين وتعيينهم في أماكنهم:
قبل عام 1951 كان تعيين المعلمين يخضع لاعتبارات عدة منها أن يكون من المتخرجين من الزيتونة أو جامع القرويين أو الأزهر، أو ممن درس على ابن باديس أو أحد المشايخ الكبار للجمعية كالإبراهيمي أو مبارك الميلي أو العربي التبسي…، أو ممن شهد له بالعلم ولو لم يتخرج من معهد عال، ولكن في سنة 1951 أصدرت لجنة التعليم العليا بحضور الشيخ الإبراهيمي بيانا تشترط فيه أن يكون المترشح للتعليم في مدارس الجمعية حائزا على شهادة التحصيل من جامع الزيتونة على الأقل، أو ما يعادلها من الشهادات في المعاهد والجامعات العربية، فكان المترشحون الحاصلون على شهادة التحصيل (وهي أدنى من شهادة العالِمية)، يقدمون طلباتهم للجنة التعليم العليا قبل الدخول المدرسي وتقوم اللجنة بدراسة الطلبات وتعين المعلمين حسب ما لديها من مناصب في المدارس وبعد أن كثر عدد الحائزين على شهادة التحصيل من جامعة الزيتونة، تقرر إجراء مناظرة لكل ناجح حتى يرسم معلما في مدارس الجمعية، والمناظرة « مصطلح كان يستعمل في الجمعية آنذاك بمعنى امتحان الترسيم، فمن نجح يرسم ويرفع راتبه، ومن لم ينجح ينتظر دورة ثانية بعد سنة، وهذا يعني أن شهادة التحصيل أصبحت تؤهل التوظيف المؤقت إلى حين القيام بالمناظرة أمام لجنة التعليم العليا في مكتبها، وتنشر أسماء الناجحين في البصائر وكان ممن قرأت أسماءهم من الناجحين في المناظرة من المشهورين: أبو القاسم سعد الله وعبد الله ركيبي ولمين بشيشي في عام 1955.
3- انتقاء المفتشين:
في أول تأسيس للجنة التعليم العليا كان أعضاء المكتب الدائم هم من يقومون بالتفتيش، حسب منطوق قرار إنشاء لجنة التعليم العليا، وهم إسماعيل العربي وأبو بكر الأغواطي ومحمد الغسيري لديمومتهم، وقد ذكر الشيخ أحمد حماني أن الشيخ محمد الغسيري هو أول من مارس التفتيش، ولم يشر للعضوين الآخرين، ثم اعتمدت بعد ذلك اللجنة اختيار المفتشين من مديري المدارس الأكفاء كما ورد في خطاب تكليف الشيخ أبو بكر الأغواطي بالتفتيش الممضى من الإبراهيمي عام 1950 وقد نشرناه في مقالنا عن الشيخ أبي بكر الحاج عيسى الأغواطي في العدد 1119 من البصائر، وبعد رئاسة الشيخ العربي التبسي للجنة التعليم العليا تقرر إجراء مناظرة امتحان كتابي وتطبيقي لاختيار المفتشين، ومواد المناظرة كما وردت إعلان لجنة التعليم هي:
1- موضوع إنشائي في التربية والتعليم.
2- تفتيش قسم أمام لجنة المناظرة وتقديم تقرير عنه.
3- إلقاء محاضرة في فنيات التعليم على اللجنة بحضور جمع من المعلمين برغبتهم دون إجبار.
4- سؤال شفوي حول جمعية العلماء وتطورها العلمي.
5- سؤال تطبيقي في الثقافة العامة.
وليس كل معلم يؤهل للمناظرة ، بل المعلمون المصنفون في الرتبتين «أ» و «ب» في بطاقية لجنة التعليم العليا. (البصائرعدد139/1953).
4- حل المشكلات الواقعية التي تواجه المعلمين وتؤثر على المدارس:
كوّن الشيخ العربي التبسي إبان رئاسته للجنة التعليم العليا لجنة لحل مشكلات التعليم سميت «لجنة مشكلات التعليم والمدرسة» في 1953 وقد صدر بلاغ بشأنها في البصائر في 4سبتمبر 1953 وعمل اللجنة هو الفصل في المشكلات والتظلمات التي ترد إليها وعملها يقتضي النزول إلى عين المكان للإحاطة بالقضية من كل جوانبها وسماع كل الأطراف، ومن أوائل مهامها النزول إلى سكيكدة لدراسة مشاكل الدراسة والتعليم فيها وقد مكثت اللجنة أياما في عين المكان وتكللت أعمالهم بالنجاح حسب ما جاء في البصائر (عدد241/1953).
5- تنظيم الامتحانات الوطنية (شهادة التعليم الابتدائي العربي):
اعتمدت جمعية العلماء المسلمين في مدارسها الامتحانات الرسمية سبيلا للانتقال من مستوى لآخر منذ الثلاثينيات، وكثيرا ما كان الممتحنون مشايخ من ولايات أخرى للمصداقية، وقد أنشئت الشهادة الابتدائية للتعليم العربي رسميا ، لتتيح لمن يريد مواصلة التعليم الالتحاق بمعهد ابن باديس وتكون الحظوظ متساوية للجميع، وقد تم تنظيم أول شهادة ابتدائية على المستوى الوطني عام 1952، من طرف لجنة التعليم العليا، حيث حددت أربعة مراكز جهوية للامتحان ينتقل إليها التلاميذ من العمالات وهي مركز العاصمة ومركز تلمسان (دار الحديث) ومركز وهران(مدرسة الفلاح) ومركز قسنطينة، و في دورات أخري قد تضاف مراكز أخرى حسب عدد التلاميذ مثل مركز الأغواط مركز بسكرة مركز تبسة مركز الوادي… ويشرف على الامتحان في كل مركز جهوي مجموعة من المشايخ أو المفتشين تعينهم لجنة التعليم من خارج إقليم مركز الامتحان، يسهرون على المراقبة والتصحيح، وبعد الانتهاء من كل ذلك تعلن النتائج في جريدة البصائر مفصلة، وتمنح للناجحين الشهادة الابتدائية للتعليم العربي.
6- تحديد موعد الدخول المدرسي والعطل المدرسية:
يكون الدخول المدرسي في 1 أكتوبر من كل عام، و رزنامة العطل المدرسية التي أقرتها لجنة التعليم العليا كالآتي:
– العطلة الصيفية تبتدئ من 1 أوت إلى آخر شهر سبتمبر (60 يوما)
– يومان كل أسبوع (80يوما).
– رأس السنة الهجرية (يوم واحد).
– عاشوراء (يوم واحد).
– المولد النبوي ( 7 أيام).
– يوم بدر (يوم واحد).
– عيد الفطر ( 7 أيام ثلاثة قبله وثلاثة بعده).
– عيد الأضحى(7 ايام ثلاثة قبله وثلاثة بعده).
ذكرى وفاة ابن باديس 16 أفريل (يوم واحد).
مجموع أيام العطل 165 يوما والحد الذي بنبغي أن يحضره التلميذ 200 يوما،
الحجم الساعي اليومي6 ساعات، والحجم الساعي اليومي السنوي 1200 ساعة، والتلميذ الذي تنقص أيام حضوره بعشرة أيام دون أعذار مقبولة مؤيدة بشهادات لا يحق له في الامتحان، ولا في الانتقال.(البصائرعدد11/1947).
وقد وجدت بلاغا للجنة التعليم العليا ممضى باسم الكاتب العام الشيخ باعزيز بن عمر يحدد موعد عطلة الربيع بست أيام ابتداء من 16 أفريل 1951 إلى 22 أفريل 1951، ولعل عطلة الربيع استحدثت فيما بعد (البصائر عدد 150/1951).
7- تنظيم الملتقيات لمديري المدارس:
اعتمدت لجنة التعليم هذه المنهجية للاطلاع على واقع التعليم ومشكلاته عن كثب، وقد انعقد أول الملتقيات في عهد رئاسة الشيخ العربي التبسي للجنة التعليم، حيث برمجت اللجنة ثلاثة ملتقيات في يوم واحد، ملتقى في كل عمالة تسهيلا على المديرين، ملتقى في عمالة قسنطينة وملتقى في عمالة الجزائر وملتقى في عمالة وهران وكان ذلك في 11 ماي 1952 وهذه الملتقيات عوضت ملتقيات المعلمين الأحرار التي كانت تعقد في الثلاثينيات والأربعينيات.
8- تيسير السبل للراغبين في مواصلة الدراسة في الدول العربية ضمن بعثات الجمعية إلى الشرق:
فقد صدر بلاغ عن لجنة التعليم العليا يحدد شروط الالتحاق بهذه البعثات، نجتزئ منه ما يتعلق بالشروط.
– شروط الالتحاق:
– لا يقبل إلا خريجو مدارس الجمعية والمعهد
– أن يكون خريج المدرسة الابتدائية متحصلا على الشهادة الابتدائية وألا يتجاوز سنه 16 سنة.
– يلحق بخريج المدرسة تلاميذ السنتين الأولى والثانية من المعهد الباديسي، على ألا يتجاوز 16 سنة.
– أن يكون خريج المعهد متحصلا على الشهادة الأهلية غير متجاوز لـ 20 سنة.
أن يعد الطالب 90 ألف فرنك مع جواز السفر.
هذه بعض الأعمال الجليلة التي كانت تضطلع بها لجنة التعليم العليا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي تدل على العناية المبكرة بالغايات التربوية وأهداف التعليم وتعكس مدى المجهودات التي تبذلها رجالات الجمعية من أجل تكوين رأي عام متمسك بالثوابت الوطنية رافض للاستعمار، محب للعلم، وتكوين قاعدة صلبة من الرواحل التي اضطلعت بعملية التعليم أثناء الاحتلال وبعد الاستقلال، وحملت على كاهلها هم ملايين الأطفال الذين كانوا فريسة الأمية والجهل.
