هل يجوز لعن شخص بعينه من بلد غير مسلم؟
الشيخ محمد مكركب أبران
Oulama.fatwa@gmail.com
الفتوى رقم:593
الســــــــــــؤال
قال السائل: كنت في سفر في بلد أوربي مع رفيق، وأثناء الحديث عن العمل في ذلك البلد، ذكرت له أحد مواطني ذلك البلد فقال رفيقي عنه: (لعنه الله) يقصد الشخص الذي ذكرت له من ذلك البلد. فقلت: ماحملك على لعنه؟ قال: كلهم كافرون ملة واحدة. قلت له: هل أذاك أو أكل حقك؟ قال: لا، بل معاملته طيبة، قلت: ومادام أنه مسالم معك، ومعاملته طيبة كما تقول، كان الواجب أن تعامله بالقسط، وتترك أمر قلبه لخالقه، ومن المعاملة بالقسط أن لا تشتمه، فضلا عن لعنه. قال السائل: فهل يجوز لعن شخص بعينه، وهل يحكم على مواطني بلد مشهور بالكفر أنهم كلهم كافرون؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: ما معنى اللعن؟ ثم إن المسلم لا يكون لَعَّاناً ولا سبابا ولا شتاما، ولا يتمنى الشر للناس، بل يتمنى لهم الخير، ويسأل الله الهداية. اللعن هو الشتم، والدعاء على المشتوم بالخزي والإبعاد من الخير. وكأن اللاعن بِلَعْنِه الآخر يحكم عليه بأنه مطرود من الرحمة. وفي كتاب العين: {واللَّعْنَةُ في القرآن: العذابُ. وقولهم: أبيت اللَّعْنَ، أي: لا تأتي أمراً تُلْحَى عليه وتُلْعَنُ. واللّعنة: الدّعاء عليه. واللُّعَنَةُ: الكثيرُ اللّعن، واللُّعْنَةُ: الذي يلعنه النّاس.} العين.2/142) فمعنى اللَعْنُ: الطردُ والإبعادُ من الخير. ولعَنَه اللهُ يَلْعَنُه لَعْنا: عذَّبه.
وفي الحديث. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: [لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»] (البخاري:6031) ومما رواه مسلم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: [إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً] (مسلم:2599) ثانيا: نقول للسائل: لايجوز لعن إنسان بعينه، وإنما يجوز إطلاق اللعنة على من ورد لعنهم بصفتهم في القرآن أو الحديث، عند قراءة النص، ولا يلعن من اتصف بصفتهم، أو ظهرت عليه صفة أو سلوك. ومثال ذلك، ورد في الحديث. عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ] (البخاري:5933) فإذا رأيت أحدا به وشم، مثلا، فلا تلعنه، وتقول: جاء اللعن في الحديث.!! قد يكون ابتلاه الله تعالى، وفعل ذلك عن جهل، أو فعل ذلك وتاب إلى الله سبحان، ثم إنك لست مطلعا على قلوب عباد الله، وليس حتما أن كل من يسكن بلاد الكفار كافر. ومثال ذلك أيضا. لا تلعن سارقا بعينه، أي: من تسمع عنه أنه سرق، وتقول سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن السارق؟ كما جاء في الحديث. [لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» قَالَ الأَعْمَشُ: «كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الحَدِيدِ، وَالحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يَسْوَى دَرَاهِمَ] (البخاري:6783) فَيُلْعَنُ السارق المحترف المتعمد، كالذين يسطون على البيوت والدكاكين، ويلعنون بالصفة لابعينهم، فانتبه. مثل ما ورد عن الواشمات. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: يُنْصَحُ السائل وغيره بأن لا يحكم على الناس بظاهر بعض أعمالهم. هناك أحكام تخص المعني، ولا تخص من يراه ليحكم عليه، فانتبهوا لهذا. ومثال ذلك.. قال الله تعالى:﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (سورة النساء:140) فالخطاب هنا لكل المؤمنين بأن لا يحضروا مجالس الكفر والفسوق والمعاصي، ولكن قد يُرَى عَالِمٌ في بعض مجالس اللهو ليدعو إلى الله، ولينهى عن المنكر، فإذا رآه الناس لايتهمونه بمجالسة الفاسقين أو العاصين، فإذا رأيت عالما مع منحرفين فلا تحكم عليه بأنه مثلهم، فعمله الوعظ والإرشاد، فانتبه لهذا. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.