في طريق الإخاء والصفاء نبني جمعية السلم والعلم والعلماء
أ. محمد مكركب/
كم هي كلمة الإخاء حلوة، وكم هي كلمة الهجران والعداء مرة! ولا أظنك تدري شدة الألم الذي يمزق الوجدان من داخلي، بسبب ما آلت إليه أحوالنا، في جمعية الأمة والتاريخ والبناء والإصلاح؟؟!! كانت الرمز الكبير العظيم لوحدة الخلافة التي سقطت بجهل وعناد وغرور الزعامات بين المسلمين.
بهذه المقدمة بدأ محاوري عتابه اللطيف، ونقده الظريف، قال وزفرات الأسف تسابق الكلمات من بين شفتيه: ظُلِمْتُ، ونال الظلم مِنِّي إصابة المقتل، فتجاوز الأذى شخصيتي إلى آمال أمتي، إذ ما يصيب جمعيتي وجماعتي، يصيب أمتي!!، وغاضني أن صديقي هو عدوي، وأن ظلمه لي هو: أنني أحبه!!! فقلبي لنداء الأخوة معه مستجيب، ووجداني لايزال يحتفظ بمقام الحبيب، وعلى كل ما يقتضيه حُبُّ الحبيب.
قلت: تعال إلى طريق الوفاء والصفاء، لتجديد بناء جمعية السلم والفصاحة والإخاء. قال: ولكن.. قلت: لاتقل شيئا، واحفظ قول المجرب.{بلادي وإن جارت علي عزيزة… وقومي وإن ضنوا علي كرام.} إن أكبر انتصار، وأكبر بطولة، وأعظم إنجاز في بناء المجتمعات الإنسانية، هو تصالح إخْوَةٍ فَرَّقَ بينهمْ نَزغُ الشيطان. قال الله تعالى:﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ هكذا يدعو ربنا سبحانه وتعالى، ويأمر بتذكر نعمه، على الصحابة، وأعظمها نعمة الإسلام، واتباع النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فبالإسلام زالت العداوة، وغابت الفرقة، ونسي المسلمون العصبية القبلية، فجمعتهم مودة الإيمان ورحمة الله تعالى بالقرآن. والمراد الأوس والخزرج، وما كان بينهم من العدوان والشنآن، والآية عامة لكل بني الإنسان. فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فأصبحتم بنعمته إخوانا. أي صرتم بنعمة الإسلام إخوانا في الدين.
فالْتَفَتُّ إلى مُحاوري وقلتُ: هل أنت أفضل من يوسف عليه السلام؟ تفاجأ وقال: ما علاقة هذا السؤال بالذي نحن فيه؟ قلت وما الذي نحن فيه؟ قال: كيف نجدد السير والدعوة والإصلاح في طريق الإخاء والصفاء مع كل إخواننا بلا حقد ولا إقصاء، بعدما تعكرت القلوب، وتباعدت الدروب، وشَحَّتِ الجيوب! وبدأت تظهر العيوب،؟ قلت: ألم تذكر ما الذي وقع بين يوسف عليه السلام، وإخوته، ألم تذكر شدة ما أصاب يوسف من إخوته؟ وما أصاب والده يعقوب عليه السلام من غلطات وخطيئات أولاده؟ هل تظن أن تلك المكابدات كانت أهون مما أصابك من حب أخيك؟؟!! ويوم أن التقى يوسف مع إخوته ذَكَّرَهُم، ملاطفة لامحاسبة. ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ثم أخبرهم بأنه لايحمل عليهم حقدا ولا عداء، ولا كراهية، بل دعا لهم بالمغفرة والرحمة. هكذا يبدأ طريق الإخاء والصفاء وتجديد البناء. ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.﴾ وعندما التقى بأبيه وكل عائلته واجتمع الشمل من جديد. قال: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ. وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.﴾
قال محاوري: كلام جميل، والقصة أوضح وأجمل، وكلام الله أتم وأكمل، ولكن؟ قلت: ما زلنا في{ولكن…} قال: ولكن يوسف وأباه نبيان عليهما السلام، فأين نحن من أخلاق الأنبياء، وصبر الأنبياء، وإيمان الأنبياء؟؟ قلت: هذه هي أمراض الإخوة الأعداء، أعداء الإخاء والصفاء، أعداء الإصلاح والبناء، قال كيف؟ قلت يعلمون الحق ولا يتبعونه. ألم يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى باتباع الأنبياء؟ ألم يأمرنا ربنا تبارك وتعالى أن نأتسي ونقتدي بالأنبياء، ونرضى لأنفسنا ما رضوه لأنفسهم عليهم السلام، ونقتدي بهم، في مثل أحوالهم؟؟. قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:21) أفلا تتذكرون ما حدث للرسول عليه الصلاة والسلام، في أُحُدٍ وغيره؟ فلقد شُجَّ وجهُهُ، وكسرت رَبَاعِيَتُهُ، وقُتِلَ عمه، واشتد عليه الجوع، ولم يكن إلا صابرا محتسبا، وحامدا شاكرا. وقال عليه الصلاة والسلام، لَمَّا شُجَّ: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يعلمون] فهل حقد على قومه، فهل قال لهم: مستحيل أن نتعامل معكم، وهل منعهم من أن يبني معكم دولة الإسلام؟ لا، أبدا، بل عندما فتح الله له مكة، ومَكَّنَهُ في الأرض، ونصره نصرا عزيزا. قال لهم: [أَقُولُ لَكُمْ مَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ﴾ اذهبوا، فأنتم الطلقاء] أي: أحرار بالأمان. فتعاونوا مع إخوانهم المهاجرين والأنصار، وأخلصوا دينهم لله، فنصرهم الله تعالى. قال أبوسفيان يوم الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم:{بأبي أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأوصلك}
قال محاوري: هل يمكن لكل إخواننا الذين ظلمونا بحبنا إياهم، أن يُطْلِقُوا حرية حبنا، ويحرروا أخوتنا وآمالنا، ونرفع معا راية الإخاء والصفاء، ونواصل البناء؟ في جمعية السلم والعلم والوفاء،؟ قلت: هذا الذي أراه، وندعو الله أن يسدد خطانا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. كيف لا؟ ومبادئنا في جمعيتنا وجماعتنا ووطننا ودولتنا، كلها مبادئ تجمع ولا تفرق، وتوحد ولا تمزق. إذا عملنا بالأصول التالية:
1 ـ العمل بالقرآن الكريم. عملا بقول الله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ.﴾(الأعراف:3)
2 ـ العمل بالحديث النبوي الشريف. عملا بقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة آل عمران:31)
3 ـ عدم الخروج عن الإجماع. عملا بقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (سورة النساء: 115
4 ـ التزام الأخوة الدينية: عملا بقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (سورة الحجرات:10)
5 ـ التزام التعاون والتكافل: عملا بقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:71)
6 ـ القيام بالقسط والعدل: عملا بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (سورة النساء:135)
7 ـ العمل بخلق الرفق والقول الحسن: عملا بقول الله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا.﴾ (الإسراء:53)