أدْوَاؤنا هل لها من علاج؟
أ. لخضر لقدي/
أما أدْوَاؤنا فكثيرة؛ غيبةً للوعيِ، ونومًا للضمير، وفُرقة، وشتاتٌ، وتنازُعٌ، واختلافٌ، وجهل، وتخلف، وفقر، وإفلاس، وإهدار للكرامة، وسفك للدماء، ودعوات عنصرية، ونزعات طائفية، وتبديل دين، واجترار عداوات، وحُمَّى تصنيف، وكثرة انتِسابات، ولو عددت لزدت…وزدت.
ولكن أهمها جميعا داءان عضالان، هما الاستبداد، والتخلف.
وهذان هما الأصل والجوهر وما عداهما فرع وعرض.
هما داءان لا يحب الكلام عنهما أصحاب القوة في الداخل وحماتهم في الخارج.
والاستبداد يستعين بأذرع كثيرة بدءا من السلطة السياسية، والعسكر، والمال الفاسد، والإعلام المأجور الماجن، ورجال الفن الهابط، وبعض رجال الدين الذين باعوا وقبضوا، وأصحاب الرؤى الدينية والفلسفية ونخبة المعرفة أو الجامعيين، وما يسمى ظلما مؤسسات المجتمع المدني، وما يسمى تجاوزا في كثير من الأحيان معارضة.
والسلطة الفعلية هي بيد الأولى والثانية والبقية لهم تبع.
وحين طال زماننا أصبح لدينا ميل للاستبداد، نبرره سياسا ودينيا وغابت عنا قيم الحرية وعزة النفس ورفض الظلم ونصرة المظلوم والضعيف وحب العدل.
وهي قيم أساسية وأصيلة في ديننا نطق بها الكتاب، وتكلم عنها سيد الأحباب، وهتف الفاروق عمر بن الخطاب فى وجه عمرو بن العاص حاكم مصر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.
وذات يوم صرخ عبد الرحمن الكواكبي فقال في مقدمة كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد): «هي كلمة حق وصرخة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، لقد تذهب غداً بالأوتاد».. وها نحن نراها قد ذهبت بالأوتاد.
و(الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، جعل الرعية خادمة للرعاة، فقبلوا وقنعوا.. وأصبح طالب الحقِّ فاجرا، وتارك حقّه مطيعا، والمشتكي المتظلِّم مفسدا، والنّبيه المدقق ملحدا، والخامل المسكين صالحا أمينا.
وقد اتَّبع الناس الاستبداد في تسميته النصح فضولاً، والغيرة عداوة، والشّهامة عتوّاً، والحمية حماقة، والرحمة مرضاً، كما جاروه على اعتبار أنَّ النِّفاق سياسة، والتحيُّل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة)[طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ص: 97].
أما التخلف فإنه عدوّ الأمة الثاني، وقد استعُمل بعض أبناء الأمة للبقاء فيه، وعدم النجاة منه.
ومن أجل ذلك رسمت السياسات وحددت الضوابط، ونسجت الشرنقة للبقاء فيه، وكلما جاءت محاولة للخروج من التخلف، أو استرجاع الثروات، أو التحرر من التبعية وئدت في مهدها.
والتجارب في أكثر بلداننا خير دليل لمن كان له بصر أو استعمل البصيرة.
وليس التخلف مرتبطا بالجغرافيا، ولا هو مربوط بالجنس والعرق، وليس له علاقة بالدين، فقد شهد التاريخ وتحدثت الجغرافيا: أن الدنيا استقرَّت حين سادَ الإسلام، ونعِمَ الناس بالعدل حين حكَمَت الشريعة، وهُدِيَ الناس لخالِقِهم، واتَّصَلَت الأرضُ بأسباب السعادةِ إلى السماء، وكان المُسلِمون حينَها العالم الأول بلا منازع، إليه يفد أبناء الحكام والأغنياء ورجال الكنيسة من الأمم الأخرى يتعلمون ويتداوون، ويأخذون زي المسلمين، ومن شاء قرأ (شمس العرب تسطع على الغرب) ومن روائع حضارتنا، وفضل الحضارة إلإسلاميه على النهضة الأوربية من كتاب (الحضارة) لحسين مؤنس.
وليس التخلف قدرا محتوما، ومن شاء نظر في البُلدان الصناعية الجديدة: اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة.. وأخيرا إندونيسا، وماليزيا وتركيا.. وكلها استطاعت في وقت وجيزٍ أن تخرجَ من دياجير التخلُّف إلى نور التقدُّم والتصنيع.
ورغم ما نحن فيه فأنا متفائل بغد مشرق يزول عنا فيه كابوس الاستبداد وتختفي من حياتنا مظاهر التخلف.