الرياضة الحركية، مقاربة من المنظور الإسلامي
ابن ادريسو مصطفى */
إن حاجة الإنسان إلى الحركة كحاجته إلى الغذاء، فكلاهما متطلبات أساسية لصحة الجسم والنفس، وإن الرياضة تُعوِّد البدن الخفةَ والنشاط، وتُصلِّب المفاصلَ، وتُقوِّي الأوتارَ والرباطات، وتُبعِد جميعَ الأمراض المادية وأكثرَ الأمراض المزاجية، وتُخلِّص الجسم من رواسب الطعام وفضلاته، من غير احتياج إلى أدوية، ومن دون اللجوء إلى المواد الكيماوية.
ولقد كان أجدادنا في غنىً عن الرياضات المتعارف عليها في عصرنا، ذلك أنهم كانوا يأكلون ألذَّ الطعام وأنفَعه، يحرثونه في مزارعهم، ويرعونه بأيديهم الشريفة، وكانوا يمارسون حركيةً دائمة أملتها عليهم ظروفُ معيشتِهم؛ كالعمل في الفلاحة، وتسلق النخيل، والسير الحثيث بالأقدام لمسافات طويلة، أو امتطاء الدواب التي تهزهم وتحركُ كلَّ أطراف جسدهم، تلك هي الأسباب التي جعلت أجسامَ أجدادنا وآبائنا صحيحةً، وأنفسَهم قوية، فسلِموا من كثير من الأمراض والحمد لله، وجسدوا قوله تعالى:{يَآ أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إِن كُنتُمُ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
ولكن للأسف، قد اختلف الأمر حاليا عما كان عليه في الماضي، حيث صار الإنسان يأكل من إنتاج غيره، ويتقوت مما حُشي بالمضافات والملونات والمواد الكيماوية الضارة في أغلبها، وصار الكثير منا يعمل في وظائف تستدعي الجلوسَ على الكرسي للساعات الطوال، أو يتنقلُ بوسائل لا تكلِّفه غير حركة يسيرة، فتكاسلت العضلاتُ، وتراكمت الأغذية، فخمدت بذلك الأبدانُ، مما ولد أمراضا متنوعةً، وطابوراتٍ كبيرةً في العيادات الخاصة فضلا عن العامة، فهذه معاناة الإنسان المعاصر رغم الرفاهية الحديثة، يقول تعالى{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}.
لقد باتت الحركةُ ضروريةً لحياة الإنسان، وبات التفكير في ممارسة النشاط الرياضي فريضةً دينيةً، وواجبًا حضاريًّا لا يحق لنا أن نتهاون فيه، حتى ننظف أجسادَنا، ونزيلَ الأوساخَ من أحشائنا، ومما يؤكد هذا الواجبَ أن العلماء صنفوا حفظ النفس ضمن الكليات الخمس، ومن مقاصد الشريعة السمحة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالاعتدال في التعامل مع صحتنا فقال لعبد اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، يَا عَبْدَ اللهِ: صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.
هناك فرق شاسع بين الرياضة الحركية، وبين مشاهدة الرياضة في التلفاز أو المذياع أو أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، لأنَّ الإسلامَ يحث على الرِّياضةِ التي تسعى إِلىَ إيجَادِ الإنْسانِ الفاضِلِ المتميِّزِ بجِسْمِهِ القوِيِّ، وخُلُقِهِ النَّقِيِّ، وعَقْلِهِ الذَّكِيِّ، ويدعو إلى الرياضة الهادفةِ النَّظيفةِ |
ويَروِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ».
ولم يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم بلهو قط إلا إذا كان في ترويض الجسم، فقال: «كُلُّ شيءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ باطِلٌ، إلاَّ ثَلاثًا: رَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ، وتأدِيبَه فَرَسَهُ، ومُلاعَبَتَهُ أهْلَهُ، فإنَّهُنَّ مِنَ الحَقِّ».
وقال أيضا لحنظلة: ولَكِنْ يا حَنْظَلَةُ: سَاعَةً، وسَاعَةً، وكَرَّرَ هَذِه الكَلِمَةَ: «سَاعَةً وسَاعَةً»، ثَلاثَ مَرَّاتِ.
فالله يريد من المسلم أن يكون قوياً في جسمه، وفي عقله، وفي روحه، وفي أخلاقه، لأن الحق يحتاج إلى القوة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف. وكان سيدنا موسى عليه السلام أنموذجا حيا للمؤمن القوي، فقال الله عنه:{فَوَكَزَهُ مُوسَىا فَقَضَى عَلَيْهِ}.
لذلك علينا أن نعيد النظر في حساباتنا مع الرياضة؛ فينبغي على من يؤديها أن يواصل فيها، ويستحضر نيةَ العبادةِ لله، وعلى من لا يؤديها أن يختار نشاطا رياضيا يناسب عمرَه، وينسجم مع حالة جسمه، وعليه أن يبتعد عن الخمول والراحة، ويقومَ بأي حركة ولو كانت مشيا يوميا على الأقدام لمسافة معتبرة.
وينبغي أن نسعى لتشجيع العاملين في الميدان، ونعملَ لجلب مؤطرين أكْفاءَ لتنظيم عدة رياضات ولمختلف الأعمار، ونجتهد في هذا السبيل تطييبا لأنفسنا، وطلبا لصحة أجسامنا، وخروجا من دائرة التهلكة، يقول تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وينبغي أن نراعي حق الله في الرياضة، وأن نلتزم بالضوابط الشرعية التي فرضها علينا ربُّنا تبارك وتعالى، وعلمنا إياها رسولُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم:
1- ألا تلهي الرياضةُ عن الواجب الشرعي كصلاة الجماعة مثلا: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾، فيجب على اللاعبين أن يدخلوا إلى المسجد عقب الانتهاء من مباراتهم حتى لا يفوتوا على أنفسهم صلاة المغرب. وعلى الرياضي الذي يعدو بين المغرب والعشاء، أن يصلي المغرب جماعة في المسجد، وألا يفرط في صلاة العشاء جماعة في المسجد أو مع إخوانه العدائين بعد الانتهاء من تمارينهم.
2- الالتزامُ باللِّباسِ الإسلامي السَّاتر من السُّرة إلى الرُّكبة، والحذرُ من ارتداءِ الرسوم والكتابات المنهيِ عنها شرعا.
3- لا ينبغي أن تكون الرياضة سببًا لإيذاء النفس، أو إلحاقِ الضرر بالمنافس، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:» لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ». وكل رياضة تلحق ضررا محققا بأحد الطرفين، فهي من الرياضات المحرمة شرعا، ولا يجوز الانخراط فيها، بناء على حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق: «لا ضرر ولا ضرار».
4- الابتعاد عن كل المكاسب المحرمة في الرياضة، كالمراهنات والقمار.
5- التزام روحَ الأخوة والتعاون مع جميعَ اللاَّعبين، وعدم نسيان المسَامحةَ عقب كل حصة تمرين أو منافسة، والتحلي بالتَّواضع والخلق الرفيع.
6- المنافسةَ جائزة في الإسلام، لأنها تظهر قوةَ الرجال، وتبرز مواطنَ الضعف عند الرياضي، فقد صارع رسولُ صلى الله عليه وسلم رجلاً اسمُه رُكانة فصرعه، وكان عليه السلام يمُرُّ على أصحابِهِ في حلقاتِ الرَّمْيِ فيُشَجِّعُهُمْ ويقولُ لهم: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ. لكن إياك أخي الرياضي والسَّب والفجورَ والغضبَ في المنافسة والمصارعة لأن ذلك يجر إلى المخاصمةِ، وهي من خِصالِ أهل النفاق.
7- نظم وقتك، وخصص زمنا لواجباتك المنزلية، ووقتا لوظائفك الاجتماعية، واعتبر الرياضة تنفيسا لقلبك من مشقة العمل في سبيل الله، وتقوية على العمل الخيري وليست سببا للتنفير منهما.
8- لا ينبغي لك أيها التلميذ النجيب أن تشغلك الرياضةُ أو المنافسة عن دراستك وتعليمك، أو أن تُخيَّر بين الدراسة القرآنية والرياضة فتختار الثانية، فذلك عين الضلال، وطريق الشيطان، يقول تعالى: {وَمَنْ يَّعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} ومن ضيع الفرض تجرع الغصص.
9- واظب أيها الرياضي على الحضور المستمر لحصص التمرين، وابتعد عن الشعور بالملل والسأم، وخذ نفسك دائما بالصبر الجميل.
10- لا داعي أن تشغل بالك أثناء اللعب أو التمارين الرياضية بالموسيقي الهادئة أو الصاخبة، لأن ذلك يرهق أعصابَك، وأنت في موطن الاسترخاء التام للأعصاب، كما لا يخفى عليك أن ذلك من تقاليد الغربيين المستهترين بالدين وبالقيم النبيلة.
وأخيرا هناك فرق شاسع بين الرياضة الحركية، وبين مشاهدة الرياضة في التلفاز أو المذياع أو أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، لأنَّ الإسلامَ يحث على الرِّياضةِ التي تسعى إِلىَ إيجَادِ الإنْسانِ الفاضِلِ المتميِّزِ بجِسْمِهِ القوِيِّ، وخُلُقِهِ النَّقِيِّ، وعَقْلِهِ الذَّكِيِّ، ويدعو إلى الرياضة الهادفةِ النَّظيفةِ، التي تُتَّخَذُ وسيلةً لا غايةً، واسْتِمْتاعاً لا تَعَصُّباً، وتحركا لا تفرجا، وتقوية للجسم وتأهيلا له، لا ديناً آخر يعبد من دون الله، يقول تعالى:
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّـيِّـبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ﴾، فالله حرم علينا الخبائث وما ينجر عنها كهدر الأوقات الطوال للتفرج على الرياضة في التلفاز، وإثارة الأعصاب والشحناء، والدعاء بالنصر والفوز بحماسة وغيرة لفرق غربية لا يعرفون حالنا، ولا يهتمون لأمرنا.
لقد أصبح أمرُ هذه الأمَّةِ عجباً، فأثناء دوريات كرة القدم الأوربية مثلا تُعلن حالةُ الطوارئِ في مجتمعاتنا، ويتنافس الناس على اقتناء بطاقات القنواتِ الرياضية المشفرة بأثمان باهضة، ويسمح بعضنا لنفسه بالتفرج على ثلاث مباريات إلى أربعٍ دون كلل وملل، بمعدَّل خمسٍ إلى ستِّ ساعاتٍ في اليوم الواحد، يضافُ إليها التعليقاتُ والملخَّصاتُ، ويصبح حديثُ الشباب والرجال وحتى النساء في الشوارعِ والبيـوتِ تحليلَ مجريات المقابلات واجترار ما شاهدوه وعاينوه باهتمام شديد، وكل ذلك لهوٌ في لهوٍ..
إن تفرجك أخي المشاهد على مباريات فرق رياضية من خارج وطنك ليس برياضة ولا بترفيه، إنه تضليل وتحقير لعقلك، وإنه إرهاق لعينيك وأعصابك..، فحاول أن تستفيق من سباتك وغفلتك، وتبعد عنك عادة الإدمان على التفرج بكل حزم ومروءة، وأن تشغل نفسك بالحق، وإن بقي شيء من وقتك فاقضها في خير العمل، فإن ذلك مما يفتح عليك أبواب الخير كلها.
وليس من شيم المروءة بتاتا أن يخرج بعضُ الشباب إلى الشوارع فرحين أو غاضبين لأجل نجاح فريق كرة القدم من خارج بلدهم، ويُشعلَ بعضُهم أبواق سياراتهم انتصارا لفريق ما يبعد عنهم مسافة تقدر بآلاف الكيولومترات، أولا يعد هذا من الجنون، ومن الضياع الشباني، واستهتارا بقداسة الإنسان وأهمية عقله، ألا يخشى هؤلاء ومن انساق معهم أن يتحقق فيهم قوله تعالى: ﴿الذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِئَايَاتِنَا يَجْحَدُونَ} . أو قولُه جلا وعلا في سورة الأنبياء: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {اَقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَاتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ اِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمُ أَفَتَاتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾.
جامعة غرداية
msutapha_bendrissou@yahoo.fr