أبناؤنا ومناهجنا التربوية والتعليمية
أمال السائحي
التربية والتعليم الحضاري هو النهوض بالأمة ومحاولة تحسين وتطوير قدرات الفرد وتدارك ما يمكن أن يكون قد شاب تربيته من نقص بفعل تقصير الأسرة أو بفعل ثغرات موجودة في النظام الاجتماعي الذي يحيا في كنفه، للوصول به إلى أقصى ما يمكن من الكمال الذي تؤهله له قدراته الذاتية، لتمكينه من القيام بدوره ووظيفته في الأسرة والمجتمع وفقا لما يقتضيه النظام السياسي والاقتصادي والمستوى الحضاري والتقني الذي بلغه مجتمعه ذلك، وتبعا لمعتقده الديني والثقافة المهيمنة عليه.
والتعليم عبارة عن جهد يستهدف تنشئة الفرد وتهيئته لا مفاهيم صحيحة بالنسبة وقيم فاضلة تجعله يتبوأ مكانة مرموقة في مجتمعه، فالتعليم لا يرمي إلى تمكين الفرد من الحصول على وظيفة يعتاش منها، بل هو أكثر من ذلك بكثير…
المعلم يمكن أن يحول النص إلى حركة، ويشتق منه المعاني التي تخدم قضايا حياتنا، بعيدًا عن التجريدية والمثالية الحالمة، وهذا الواجب لا يقوم به إلا مَن أعد لهذه المهمة وعرَف أبعاد رسالته، وقبِل صعوباتها طلبًا للأجر من الله سبحانه..
التعليم كذلك مادة معرفية تسهم في بناء الإنسان، عقديًّا كي يستقيم فكره، وعلميًّا كي يعرف كيف يفكر وكيف يستنبط، وعمليًّا كي يعرف كيف يفيد أمته والبشرية كلها، من خير ما عنده وما تعلمه.
والتعليم طريقٌ لتقديم هذه المعلومات بأنسب الطرق، وفي أنسب الأحوال؛ لذا حين نريد أن نضع منهجًا دراسيًّا، سواء في المستوى الأدنى أو الأعلى في التعليم، فإن علينا أن نطرح عدة أسئلة تفيدنا فيما نحن مقدمون عليه، هل المعلم الذي أسندت إليه مهمة تربية وتعليم النشئ مهيء للقيام بهذه المهمة؟ لأن ما وصلنا إليه من تمزق في التفكير، وفي المنهجية، وفي الرؤى المستقبلية، لأن الذي يحدث لنا ولأطفالنا لا يخفى على الأسرة المربية اليوم.
فالأمة اليوم تحتاج رجالا في جميع المواقف وليس ذكورا، كما تحتاج إلى نساء كذلك في جميع المواقف وليس إلى إناث فحسب، وكما قيل يعرف الرجال بالمواقف ولا تعرف المواقف بالرجال.
في الآونة التي نقرأ ونسمع ونستمتع بالتكنولوجيا وما وصلت إليه من تطوير برامج المنظومات المعلوماتية وفي المناهج المدرسية والتربوية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، قررت منظومتنا التربوية أن تضع لبنة من لبنات التقدم التكنولوجي في المدارس وذلك بإدخال اللوحة الالكترونية، وهذا جميل جدا، لكن، هل طرحت المنظومة التربوية على نفسها سؤالا هو أن أبناءنا في حاجة ماسة إلى عدم اكتظاظ الأقسام؟ وهل تعرف أن أبناءنا في حاجة ماسة إلى الوجبة المدرسية والنقل المدرسي، فالكثير يقطن بعيدا عن بيته ولا يتسنى له أن يأخذ وجبة غذائية ساخنة وملائمة؟ وهل تدرك منظومتنا التربوية أن أبناءنا بحاجة إلى التخفيف من كثافة المناهج التعليمية؟ وهل تدرك أن تلامذتنا أحوج إلى إعادة الاعتبار إلى لغتهم العربية في مجال الدراسات العلمية كمادة الرياضيات والفيزياء؟
وهذا الدكتور عمار جيدل يقول أوقفوا هذه المهازل التي تنم عن احتقار المجتمع ودينه ولسانه وعاداته وتقاليده، فاللغة العربية لسان تواصلي ومنطق تفكير ومسلك تدبير، لو كان لي من الأمر شيء، ما قبلت استعمال غير الحرف العربي في الرموز الرياضية وعلوم الفيزياء و…، ذلك أنّ عدم استعمالها، فيه احتقار للغة العربية، وتشويش على ذهن الطالب والتلميذ ومنطق التفكير، إذ الجملة العربية تبدأ من اليمين إلى اليسار، والرموز المستوردة تقلب المنطق فتكتب من اليسار إلى اليمين، وفيه تشويش مكثّف على ذهن الطالب.
كثيرة هي الإصلاحات لمنظومتنا التربوية ومازلنا لحد الساعة لم نقطف ثمارها لا تربويا لا أخلاقيا ولا علميا على المستويات الثلاث، والسبب في ذلك أن هذه الإصلاحات المزعومة هي إصلاحات تغلب عليها المجاملات السياسية ولا ترتكز إلى مقتضيات المناهج التربوية العلمية الصحيحة الصارمة.
هذا وضع لا ينبغي السكوت عنه، لأن العبث بلغة التلميذ ومعارفه، هو عبث بمقومات المجتمع بكامله، وذلك يضر بانسجامه وتوافقه، كما يحد من قدرته على التطور والازدهار، فهلاّ كنا أكثر حزما في مجال التأليف التربوي، فإنه إذا كان تزييف العملة يضر بالاقتصاد الوطني، فإن تزييف المعارف واللغة أشد إضرارا بحاضر ومستقبل المجتمع كله، فهلا استوعبنا ذلك وأدركناه؟
ومن هنا نقول من الجميل أن تكون الأفكار المطروحة من طرف المنظومة التربوية تناسب كل الفئات المجتمعية وليس فئة معينة والتي ينقصها اللوحة الالكترونية فقط؟