الدخــــول الـمدرســـي الجديـــد ورهــــان ترقــيـــة الـمنظـــومة التـربــويــــة
أ. عبد الحميد عبدوس/
شهد يوم الاربعاء الماضي (21 سبتمبر 2022) افتتاح الدخول المدرسي 2022-2023 والتحاق قرابة 11 مليون تلميذ وتلميذة بمقاعد الدراسة في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، المتوسط، الثانوي) موزعين على 30 ألف مؤسسة تربوية، وبلغ عدد المتعلمين في الاطوار التعليمية الثلاثة وفي المستويات الجامعية ومعاهد التكوين المهني ما يعادل أويفوق عدد سكان الكثير من الدول، ولأن التعليم بمختلف مستوياته هو الركيزة الأساسية لبناء المجتمع وتطوره فقد وفرت الدولة الجزائرية إمكانيات كبيرة وأنفقت أموالا طائلة على قطاع التربية والتعليم والتكوين على مدى العقود المتلاحقة من عمر استعادة الاستقلال الوطني.وقد وصف وزير التربية الوطنية، عبد الحكيم بلعابد، الموسم الدراسي لهذه السنة، بأنه أحسن من كل السنوات السابقة.
أهم ما ميزهذا الموسم الدراسي الجديد أنه وضع الإجراءات العملية لعصرنة المدرسة الجزائرية بإدخال اللغة الإنجليزية كمادة أساسية في التعليم الابتدائي، وكذلك اعتماد اللوحات الرقمية والكتاب الالكتروني في التعليم ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي لتخفيف وزن المحفظة على الاطفال المتمدرسين. واستعمال النسخة الثانية من الكتاب الموسوم بكتابي الذي يبقى محفوظا في المؤسسات التربوية لتلاميذ السنوات الثالثة والرابعة والخامسة. يأتي هذا القرار التربوي الصائب لتحسين المردود البيداغوجي ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي في العالم ورفع مكانة المدرسة الجزائرية ، وإن كان هذا الإجراء الجديد لرقمنة التعليم لايشمل في البداية إلا 1626 مدرسة لتكون عينات نموذجية على أن يتم ترسيخ هده التجربة وتعميمها مستقبلا على المدارس الجزائرية.
من بين الإجراءات الجديدة في هذا الموسم الدراسي التي أثارت الاهتمام والجدال كان الإجراء المتعلق بإدخال اللغة الانجليزية في البرامج الدراسية ابتداء من هذا الموسم الدراسي تطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية الذي أمر في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في شهر جوان الماضي (2022) باعتماد اللغة الإنجليزية، بدءا من الطور الابتدائي، والذي قال عنه أنه جاء «بعد دراسة عميقة، للخبراء والمختصين».، لكن بعض المستلبين فكريا المرتمين تحت الهيمنة الفرانكوفونية جندوا اقلامهم لمعارضة إدخال اللغة الانجليزية في المدرسة الجزائرية، ومنهم الروائي أمين الزاوي الذي اعتبر قرار تدريس اللغة الانجليزية كلغة أولى في الجزائر قرارا شعوبيا سيحدث فتنة لغوية بين الجزائريين ـ كما قال ـ ،كما اعتبر في مقال صحفي قرار تدريس اللغة الانجليزية بأنه «تهريجي ومتسرع». وبغض النظر عن ترحيب اولياء التلاميذ والاسرة التربوية وابتهاج التلاميذ بهذا القرارالتربوي المتمثل في تدريس اللغة الانجليزية الذي يوفر لهم الفرصة لتعلم هذه اللغة العالمية السائدة في عالم البحث العلمي والتطور التكنولوجي والتواصل الحديث، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته عام 2019 وزارة التعليم العالي بشأن تعزيز استخدام الإنجليزية في الجامعات الجزائرية، تأييد أكثر من 93.6% من المصوتين (عدد الأشخاص 94 ألفاً و741 صوتاً) لاعتماد الإنجليزية على جميع المستويات الدراسية في البلاد.
من جانبه أكد وزير التربية الوطنية عبدالحكيم بلعابد أن قرار تدريس الانجليزية هو «مسعى استراتيجي سيلتف كل أفراد الجماعة التربوية لإنجاحه لكونه يعد مكسباً كبيراً للنظام التربوي الجزائري في مرحلة التعليم الابتدائي، كما أن تدريس هذه المادة سيسند إلى أهل الاختصاص الذين سيستفيدون من عمليات تكوينية مركزة». ولدعم هذا القرار سعت وزارة التربية الوطنية إلى توسيع آفاق التعاون مع السفارة الانجليزية في الجزائر لترقية مكانة اللغة الانجليزية، لاسيما في ميدان تعزيز الكفاءات المهنية ومضاعفة التكوين، وتطوير الموارد البيداغوجية باللغة الإنجليزية. وقامت وزارة التربية الوطنية في هذا الموسم الدراسي الجديد بتوظيف بصفة تعاقدية 5 آلاف أستاذ في اللغة الإنجليزية، وتزويد أكثر من 20 ألف مدرسة بكتاب الإنجليزية وإصدارطبعة منه بتقنية البراي للمكفوفين وتوزيعه مجانا عليهم.
أمين الزاوي الذي تعلم وعلم باللغة العربية ونال شهادته الجامعية (الدكتوراه) من جامعة دمشق أقدم جامعة حكومية في العالم العربي والجامعة الوحيدة في العالم التي تدرس كل علومها في كل فروعها باللغة العربية. ويحرص على عدم ذكر اسم الجامعة في بطاقة معلوماته الشخصية المنشورة عنه في الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا). يدعي ان «اللغة الفرنسية هي بمثابة النافذة التي يطل بها الجزائريين على العالم»، ويعتبر قرار تدريس الانجليزية في المدارس الجزائرية «قرارا متسرعا»
هل يعلم أمين الزاوي أن اللوبي الفرانكوفوني الذي زادت سطوته في زمن حكم العصابة قد أخر تنفيذ قرار تدريس اللغة الانجليزية لمدة أكثر من عقدين كاملين، ففي عام 2000، اوصت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية بإدراج اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي، ولكن التوصية ظلت حبرا على ورق بعد أن تم إجهاضها من قبل اللوبي الفرانكوفيلي.
من أتفه المبررات التي ساقها أمين الزاوي للطعن في قرار تدريس اللغة الإنجليزية في الجزائر هي أن الدول العربية التي سبقت الجزائر في تدريس الانجليزية لم تقدم أدبا راقيا باللغة والانجليزية قائلا: «حين نتساءل عن حصيلة ما قدمه المبدعون العرب في باب الأدب أو في باب الثقافة بشكل عام باللغة الإنجليزية في البلدان العربية التي تدرسها منذ قرن، فإننا وبكل وضوح نقول، لا يوجد هناك كاتب عربي واحد يكتب بالإنجليزية استطاع أن يحقق اختراقاً ثقافياً وأدبياً عالمياً».وكأن الناس تدرس اللغة الانجليزية فقط من أجل إنتاج روايات أوكتابة الأدب.مع ما للأدب وفن الرواية من قيمة ثقافية، ولكن الزاوي لم يتجرأ على اتهام الانجليزية بالتخلف في مجال العلم والتكنولوجيا،كما فعل ذلك في مهاجمته للغة العربية وتفضيل اللغة العبرية عليها في هذا المجال!
وفي سياق التضليل ومحاولة التميز ولفت الانتباه وإثارة المشاعر أدعي أمين الزاوي أن قرار تدريس اللغة الانجليزية في الجزائر جاء لسد الباب أمام تدريس اللغة الأمازيغية، إذ يقول في مقاله المنشورفي شهر سبتمبر الجاري في موقع «اندبندنت عربية» (إحدى مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والإعلام في المملكة العربية السعودية): «تدريس اللغة الإنجليزية في الجزائر هو تهريج ليس المقصود منه «محاربة الفرنسية»، لغة المستعمر كما يردد بعضهم، بل الغرض الأول منه قطع الطريق أمام تعميم تعليم اللغة الأمازيغية، فلن تخسر الفرنسية أي شيء في هذه المعركة الأيديولوجية البعيدة من كل مقاربة تربوية صادقة، إنما بقرار تدريس اللغة الإنجليزية بدءاً من السنة الثالثة ابتدائي أصبح من المستحيل الآن التفكير في تدريس لغة رابعة هي اللغة الأمازيغية التي من دون شك هي الضحية في هذه المعركة الأيديولوجية اللغوية.» ولعل الزاوي يراهن بهذا الافتراء على القرار السيادي للدولة الجزائرية الرامي إلى تطويرالمنظومة التربوية على نقص اطلاع أغلب قراء المطبوعة السعودية على حقيقة الوضع التربوي في الجزائر، وعلى عدم معرفتهم بأن قرار إدراج اللغة الأمازيغية في مناهج الأقسام الابتدائية، قد اتخذ من طرف وزارة التربية الوطنية في عام 2005 ، إذ يتم تدريسها بداية من السنة الرابعة، أي ان قرار تدريس اللغة الأمازيغية في الطور الابتدائي بالمدارس الجزائرية سبق قرار تدريس اللغة الإنجليزية ب17سنة، فكيف يستطيع قرارتربوي لاحق أن يسد الباب أمام قرار تربوي سابق؟