إشكالات فهم النصوص الدينية وتأثيرها على المرأة المسلمة
ليلى جوادي/
كانت بعض المجتمعات السابقة للإسلام تنظر للمرأة نظرة دونية كأنها كائن غير كل الكائنات، ووصل بهم الأمر لاعتبارها متاعا وشيطانا وليس لها حقوق مثلها مثل الإنسان؛ بل لم ترتق مكانتها عندهم إلى مكانة بعض الحيوانات التي كانت تُعبد عند أتباع بعض الديانات الوضعية، بيد أنه لم يثبت في أي رسالة سماوية أن الله دعا إلى ظلم المرأة أو استثنائها من المجتمع، ودليل ذلك أن الإسلام جاء لرفع الظلم والحيرة عن المرأة وتقنين ما جاء في باقي الرسالات والشرائع من أمور وحقوق للمرأة، رغم ذلك؛ هناك من فهم النصوص الخاصة بالنساء فهما خاطئا، فنتج عن ذلك صراع في فهم الدين، منهم يميل لما كانت عليه المرأة قبل الإسلام إتباعا لهواه، وهناك من ذهب في رأيه إلى ما ذهب إليه المجتمع الغربي في حقوق المرأة، وفئة قليلة ترى أن حقوق المرأة ثابتة بنصوص القرآن والسنة وتعديلها بالنقص أو الزيادة تأويل وتقوُّلٌ على العادل سبحانه؛ فضاعت المرأة المسلمة بين التشدد والميوعة، فنتج عن ذلك نساءٌ يبحثن في النصوص ويسألن أسئِلة لم يجدن لها إجابة، والسبب في ذلك: الخلاف الذي حصل في فهم النصوص وتعصب البعض للرأي والأهواء وتحويل الإسلام إلى دين ذكوري-ما أنزل الله به من سلطان-على حساب مكانة المرأة.
إن هذا الإشكال نتج عنه فهم خاطئ للدين من طرف النساء لما تحمله النصوص-في رأيهن- من تقصير تجاههن وتجاهل لحقوقهن، وهذا جعل بعضهن ينزوي بنفسه والبعض أنشأ فِرقًا لنصرة المرأة، منطلقات من خلفية خاطئة كانت نتيجة الفهم الخاطئ والتحليل الناقص والذي كانت خلاصته:
1- أن المرأة في الإسلام ليست سوى متاع ومتعة ولا يجوز لها الخروج أو العمل أو التعبير عن رأيها.
2- أنَّ الإسلام منح المرأة نصف ميراث الرجل ومنعها من قول رأيها حتى في اختيار شريك حياتها.
3- الإسلام الذكوري أجاز للزوج أن ينكح زوجته الميتة نكاح وداع بدلا من أن يبكي عليها وعلى فراقها.
4- الإسلام سمح للأب أن يتزوج ابنته إن كانت من ماء الزنا.
5- الإسلام أمر المرأة ألا ترفض طلب زوجها حتى لا تلعنها الملائكة وبالمقابل لا يحق لها التعبير عن رغبتها.
هذه بعض النقاط التي جعلت المرأة تحس بالانتقاص منها ومن حقها ورؤيتها أقل مكانة من الرجل؛ بل من كل الكائنات.
كل ذلك وأكثر؛ جعل المرأة تنفر من الدين، وجعل الرجل يستغل هذه النقاط للعيش ملكا ذكرا على حساب نساءه اللواتي هنّ أمه وأخته وابنته وزوجته دون أن ينتبه إلى أنّ هناك جهة ثالثة هي المستفيدة من الصراع، بل هي التي تحركه، لأنها أدركت أن فساد المرأة يساوي فساد المجتمع، فجعلت تتدرج في استقطاب المرأة المسلمة تارة بتشكيكها في دينها وتارة بتحبيبها بما يوجد وراء البحار من حرية للمرأة التي أصبحت المغنية والممثلة وعارضة الأزياء وصورها في كل الإعلانات، وضع ما كانت تقبل مثله نساء الجاهلية-التي هنَّ أول نساء صدر الإسلام الأول-مثلما وصلنا من حديث هند بنت عتبة “…فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يزنين، قالت: أوَ تزني الحرة؟، لقد كنا نستحي من ذلك في الجاهلية: فكيف في الإسلام”، لا يعني هذا أن كل المغنيات والممثلات وغيرهن زانيات؛ لكن يكفي أنّ عملهن في الكثير من الأحيان طريق للزنا والفسق والفجور؛ كيف لا والمرأة تسلعت وتشيأت بمصطلح عبد الوهاب المسيري، أي: أصبحت سلعة تباع وتشترى وأصبحت مثل باقي الأشياء ولم تبق في تلك المكانة المرموقة التي كانت فيها، وكما وصف العملية طه عبد الرحمن بكلمة-التفرج- في كتابه دين الحياء، فقد جعل-التفرج- من الآفات التي تقتل المتفرج وتجعله غائبا عن وعيه ولا يدري ما يفعله ويوصل بصاحبه إلى الموت؛ ليس الموت الفعلي؛ بل الموت عن العمل والإنتاج والسير قدما والبقاء أسير الشهوات، فينتج عن موت المتفرج ست نتائج وهي: التوسط بالصور، الرغبة في تملك المصورات، تأذي القدرات، الإغراق في التوهم، الوقوع في التلصص، والتشبع للعنف، فزاغت الأعين وانشقت الصفوف ونتج عندنا جيل النساء لا يعرف من الدين سوى الشبهات والشهوات، فضاعت المرأة بين رغبتها اللامحدودة بدين، وبين تسلط الرجال الغير مقنن من الدين والتطبع الغربي الذي اجتاح بلاد المسلمين، دون أن ينتبه الرجل إلى أن الحياة ليست في الشهوة ولا الزواج وأن همّ الأمة أكبر ورسالة الإسلام أعظم، ودون أن تسأل المرأة نفسها عن سر حب هؤلاء لها، أولئك الذين ينادون بحريتها من وراء البحار في حين عقدوا اجتماعا يوما لدراسة أمر المرأة هل هي انسان أم شيئ آخر؟ “ففي عام 586م عقد الفرنسيون مؤتمرًا للبحث: هل تعد المرأة إنسانًا أم غير إنسان؟! وهل لها روح أم ليست لها روح؟! وإذا كانت روحًا فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟! وإذا كانت إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟! وفي النهاية قرروا أنها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارًا في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب «العهد الجديد» أي الإنجيل المحرف؛ لأنها تعتبر نجسة.
ولربما من أخطاء المرأة المسلمة في كل ما ذكر: محاكمتها للإسلام والحكم عليه دون العودة لدراسته بحيادية ومراجعة النصوص التي تعارضها كامرأة، فلو فعلت لوجدت أن نفس الإسلام الذي أخبروها عنه هذه المسائل المسيئة للمرأة هو الإسلام الذي جعل هندا وخولة وغيرهن يقفن ويسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدثن معه دون أن يقول لهما حرام ولا يجوز، سيقول قائل هو رسول الله ويجوز له ذلك، أقول له وعمر رضي الله عنه الذي وقفت له المرأة واعترضت حديثه؛ والحادثة معروفة، فذات يوم؛ خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس ونصحهم ألا يغالوا في مهور النساء، وبيّن لهم أنَّ المغالاة في المهور لو كانت مكرمة في الدنيا أو الآخرة لفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما أعطى أحدا من نسائه ولا أخذ لبناته إلا شيئا قليلا.
فقامت إليه إحدى النساء وقالت في شجاعة: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله سبحانه يقول {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}(النساء: 20) والقنطار هو المال الكثير. فأدرك عمر صواب قول المرأة وحسن استشهادها بالآية الكريمة، فرجع عن رأيه، وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
كيف ذهبت المرأة للمسجد إن كان خروجها حراما وكيف تحدثت إن كان صوتها عورة؟
والشفاء بنت عبد الله التي كانت أمينة على الأسواق، وغير ذلك مما يدل على أن النساء كنَّ يخرجن، أما قضية الميراث فقد بيَّن العلماء والشيوخ والأساتذة أمرها، ولا يخفى على من له مسكة عقل أنَّ نصيب المرأة في الإسلام قد يتعدى نصيب الذكر، فيكفي أن ترث المرأة أباها وتتمتع لوحدها بنصيبها وتفعل به ما تشاء، في حين زوجها إن ورث أباه أنفق منه عليها وعلى أولادها.
أما نكاح المتوفاة فهو سقطة فقيه ولم ترد المسألة في القرآن ولا في السنة ولم يرد في المسألة حكم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة لعدم وجود المسألة ولعدم ورودها في الدين، وكما ذكر جوازه بعض الفقهاء استنكره البعض الآخر وهو الأغلبية، فكيف ننظر لمن أحله ولا ننتبه لمن حرمه مثل القاضي وابن قدامة اللذين حرماه ويريان أن هذا الفعل اعتداء على حرمة الميتة وهو أمر تعافه النفوس السوية والفطرة السليمة، ولذا لم يأت من الشارع نص بوجوب الحد على فاعله اكتفاء بأنه أمر تهرب منه النفس وتكرهه.
قال ابن قدامة في مسألة وطء الزوج لزوجته وهي ميتة: “وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَعَلَّقُ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْوَطْءِ، وَالْمَوْتُ يُبْطِلُ الْمَنَافِعَ” وهو نفس ما ذهب اليه الفقهاء رحمهم الله وهو حرمة وطء الميتة.
أما عن لعن الملائكة المرأة التي لم تلبِ طلب زوجها لها في الفراش فهذا صحيح والاكيد أنه بشروطه، فمن المستحيل أن يعاقب الله من كانت مريضة إضافة مثلا، إضافة إلى أنه يجب على الزوج أن تتحقق فيه صفات الزوج المسلم التي ذكرها الله ورسوله لتقع عليه وله الأحكام الشرعية؛ فلا يعقل أن يكون الزوج بخيلا ولا يطعم زوجته ويتركها تتسول أهلها وجيرانها ثم يدعوها فتأبى وتلعنها الملائكة! فالدين الذي طلب من المرأة تلبية طلب زوجها نفسه الدين الذي حفظ لها حقوقها، ومن الآيات الصريحة في ذلك قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء: 34) ونفس الشيء بالنسبة لباقي الاحكام المتعلقة بالمرأة والرجل.
أما طلب المرأة لزوجها؛ لا نستطيع أن نحرمه لأنه لم يرد أي نص في القرآن أو السنة بالتحريم، لذلك يكفي أنه لم يرد نص بالمنع او التحريم وبمفهوم المخالفة نقول: بما أنه لم يرد النهي والتحريم في المسألة فإن الأمر جائز، إضافة إلى أن ذلك من الفطرة والغريزة والله لن يخلق شيئا في الإنسان ويحرمه، وذلك من المستحيل العقلي كما يعرف في علم العقيدة.
أما مسألة زواج الرجل من ابنته من الزنا؛ ذهب فيه جمهور أئمة المسلمين، إلى تحريمه استدلالا بقول الله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم}[النساء: 23]. فهذه ابنته؛ فإنها أنثى مخلوقة منه، ومنطقيا لو جاز ذلك لما أمر الله بحفظ الأنساب ولتركها تختلط فيما بينها ولما جعل العلاقة بين المرأة والرجل بضوابط منها الإعلان، فكيف يحرم على الرجل الزواج بابنته من الرضاعة ولا يحرم عليه ابنته من الزنا؟ ولماذا شرع اللعان إذن؟
واللعان في اصطلاح الفقهاء هو ما يكون بين الزوجين من الشهادات والأيمان المؤكدة في حالة مخصوصة، وهي إذا شهد الزوج على زوجته بالزنا، ولم تكن له بينة على ذلك، وأنكرت الزوجة ذلك، أو قال الزوج أن ولد زوجته ليس منه، وأنكرت هي تلك الدعوى دون أن تكون لها بينة، فإنهما يلجآن وقتها للملاعنة، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}(النور: 9-6).
إن الكثير من المسائل المختلف فيها في الأمة الإسلامية ليست سوى خلافات لفظية أو فقهية تحتاج إلى دراستها من خلال معرفة تاريخ الفقه وتطوره وكذلك الظروف والبيئة التي قيلت فيه تلك الأقوال والفتاوى، وكذلك البحث في حقيقة المسألة الواحدة: هل هي من الأقوال الراجحة أم أنها سقطة عالم أو انفراد أحد الفقهاء بها ويجوز البحث فيها أو ردها، والبحث في القرآن والسنة عن حقيقة المسألة.
ويكفينا مثالا على ذلك مذهبا الامام الشافعي: القديم والجديد؛ ولو بحثنا المسائل وعالجناها على المستويات الأكاديمية لما نزلت الخلافات إلى العامة وشكلت مشاكل ومسائل تطرح عن الإسلام على طاولات البحث الغربية.