الرَّجاء ما قارنه عمل وإلاَّ فهو أُمنيةٌ
مداني حديبي/
حبر القرآن عبد الله بن عباس ورباني الأمة، جاءه رجل فسأله سؤالا، حول كبيرة من كبائر الإثم، فقال لا شيء عليك والتوبة تجبُّ ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ثم جاءه شخص ثان وسأله نفس السؤال فقال له: لا توبة لك.
فسألوه عن سرِّ التناقض في الإجابتين، فقال: الأول نظرت في عينيه فرأيت الانكسار والندم فأفتيه بالتوبة، أما الثاني ففي عينيه الإصرار والإقدام على فعل الذنب، فلم أفتح له بابا يقتحم منه ولا مبررا يشجعه ويستند إليه.
هناك من تمسك بنصوص الرجاء والمغفرة والرحمة وأسماء الجمال وهذا شيء طيب عذب جميل لكن إن زاد عن حده فهو يشجع على الانغماس في الذنوب والفتور والترهل والانتكاس.
قال ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن حسن الظن بالله إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه، أنه يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في الشاهد، فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبداً، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له، كما قال الحسن البصري: «إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وأن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل».
وهناك من تمسَّك بنصوص الخوف والوجل وأسماء الجلال وهذا أمر جيِّد، لكن إن زاد عن حدِّه تحوَّل إلى تشدد مع النفس وتطرف ومبالغة وتكلف وجفاف، وقد يؤدي إلى انقطاع..لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.. ذلك لأن هناك خطوط متقابلة في النفس البشرية: الخوف والرجاء والخيال والواقع والفردية والجماعية.
و لينا أن نعزف عزفا متوازنا على كل خط فتفيض النفس بلحن جميل جذاب.. يرجون رحمته ويخافون عذابه..
حينما نتعثر ونضعف ونذنب لا ينبغي أن نستحضر آيات الخوف والعقاب بل آيات الرجاء والعفو والرحمات.. وفي الحالات العادية نميل إلى الخوف المعتدل وعدم الرضا عن النفس.. وهناك من يعزف على خط الحب والرضا، فذاك مقام رفيع سامق يختصر المسافات ويسبق أهل الخوف والرجاء سبقا..