“عن مشروع الجمعية المستقبلي … أتحدث”/ د. حسن خليفة
على مسافة أشهر تعقد ـ بحول الله تعالى ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعيتها العامة (المؤتمر)، ومن الرائع والمفيد أن يكون اجتهاد أبناء وبنات الجمعية على مدار هذه الأشهر على طريق التهيئة لمؤتمر جامع قوي يكون محطة دفع للجمعية نحو آفاق جديدة من التميز والبناء والانتشار والتمكين، ولا ريب في أن أكثر أعضاء الجمعية يتوقون إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوى، للبناء على ما تم وتحقق ـ حتى الآن ـ وهو كثير ومتنوع ووفير النتائج، ولكن بالنظر إلى التحديات الكبيرة والضخمة، وأيضا بالنظر إلى التحولات التي يعرفها مجتمعنا، ويعرفها العالم أجمع، فإن المنتظر ـ في المستقبل ـ من الجمعية أكبر بكثير مما تحقق.
فما الذي يمكن تقديمه في هذا المجال؟
أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال مما ينبغي أن نحرص ـ جمعيا ـ على السعي لتحصيله وتسجيله ونشره وتعميمه، في سياق حراك فكري ثقافي ديني في أوساط وبيئات الشعب الولائية والبلدية، وأيضا في المحيط الاجتماعي العام. وحتى تتضح ملامح السؤال بشكل أفضل يمكن أن نضيف إليه ما يجعله على هذا النحو :
ما الذي يمكن تقديمه لتكون الجمعية أقوى وأكبر؟ ما الذي يمكن تقديمه حتى تكون الجمعية أم الجمعيات حقا، وتكون فضاء جميع الجزائريين والجزائريات؟ وتكون الخيمة التي تسعُ الجميع، وتكون الجمعية صاحبة الكلمة المسموعة في مختلف قضايا الوطن والمجتمع؛ باعتبارها جمعية القيم الرفيعة والمقاصد النبيلة، وبالنظر إلى أنها جسدت ـ باستمرار ـ حقيقة كونها “مرجعا” جامعا لأبناء وبنات المجتمع استوعب كل الألوان الفكرية والثقافية والحزبية، وليس ذلك بخاف على أحد؛ فإن الجمعية “جامعة” لكثير من الأطياف في المجتمع الجزائري، وحريّ بها أن تكون كذلك، لتكون قاسما مشتركا كبيرا. وقد سبق أن شهدنا جميعا ذلك الحضور المتعدد الأوجه والمتنوع المشارب في فعاليات الجمعية الكبرى (المؤتمرات ـ الملتقيات الدولية ـ الجامعة الصيفية ـ الخ …)، من يسار ويمين ووسط، كما أن حضور فعاليات الجمعية من طرف مثقفين وباحثين ـ رجالا ونساء ـ من مختلف الحقول الفكرية هو مظهر كثيرا ما تمت الإشادة به من هؤلاء وأولئك. وكما هو معروف فإن الجمعية لا تضيق برأي ولا تضيّق على رأي أو فكر، وتعرف فضاءاتها أطروحات متنوعة إلى حد التناقض أحيانا، ويمكن وصف ذلك بأنها واحدة من خصائص الجمعية الجامعة نعني به “رحابة الرأي” واتساع مدى الحرية واستيعاب أكبر للرأي المتعدد المنتوع .
ليسمح لي الإخوة من هذا المنطلق الثابت (اتساع فضاء الجمعية) للتأكيد على أهمية أن تبقى في ذلك المستوى الرفيع، بل إنني أدعو إلى نقاش حقيقي حرّ ومسؤول وبنّاء بين كل من يعنيهم الأمر في مجال مشروع الجمعية المستقبلي، والمطلوب هو تقديم البرامج الكفيلة بجعل الجمعية في أعلى المقامات، وفي أحسن المراتب، وفي أجمل الصور، فيما يتعلق بخدمة الدين والمجتمع والوطن .
لينطلق النقاش، ويندلع كأحسن وأقوى ما يكون، وعلى أبهج صورة يمكن أن يكون، ولنجتهد جميعا في تقديم أفضل الأفضل، وأحسن الأحسن في المشاريع والبرامج والمقترحات والتصوّرات، في كل المجالات التي تحتاج الجمعية إلى أن تكون فيها “فضاء مميزا” ومؤسسة فائقة الإشعاع، ومنبرا استثنائيا، وجامعة حقيقية في مناحي التربية والتكوين والتوجيه والإرشاد والفُتيا، والثقافة والإعلام والتراث، وأداة من الأدوات الفريدة في مجال التأصيل والترسيخ.
لا ينبغي أن تضيق صدورنا، ولا ينبغي أن نتبرّم من أي “رأي” أو فكرة، بل ينبغي أن نرحب بذلك، على أن يكون ـ بطبيعة الحال ـ في الإطار الشرعي والقانوني؛ في سياق أدبيات وقوانين الجمعية.
إنني أتوجه لكل الإخوة والأخوات بالقول: “إنها فرصة لتقديم الأفضل والأجمل من الآراء والتصوّرات والمقترحات، بعيدا عن الحسابات الضيقة، وبعيدا عن الإقصاء، وبعيدا عن كل ما يمكن أن يسيء إلى هذه الجمعية الرائدة التي قدمت على مدار تاريخها كل مفيد ورائع وجميل ونافع لمجتمعنا في دينه، وفي صلاح حاله، وصلاح أبنائه وبناته.
نستشعر رقابة الله تبارك وتعالى ونستشعر المسؤولية الأخلاقية والدينية الضخمة فيما يتصل بهذا الميراث الأنيق المتأبّي على الزوال، وأعني بها ميراث الجمعية كلها، ولنستشعر أيضا الأخطار المحدقة والتحديات المطروحة في أفق الوطن، ولنستصحب كل ما يمكن أن يجعلنا في موقع “المسؤول” بشكل كامل عن كل ذلك، ولنقبل ـ ولا ندبرـ في سياق التمكين لهذه المؤسسة الحيّة المتحركة النافعة الفاعلة الدالة على الخير والصانعة له، ولنشحذ قلوبنا وعقولنا في سبيل أن تكون أفضل وأقوى، جمعية ليس في الوطن فحسب، بل في كامل أرجاء الوطن الإسلامي الشاسع، فلديها ـ والحمد لله ـ مناهج قويمة وأسس أصيلة وأصول متينة في مجالات العمل الكبرى: الدعوة والإرشاد والتربية والتعليم والثقافة والفكر، ولديها هذه الجموع الغفيرة ذات العلم والمعرفة والغيرة والتقوى والصلاح، ولها هذا الوطن الكريم فضاء جامعا إيجابيا، ولها هذا القَبول الطيب الكريم في قلوب ونفوس وعقول الناس، ولها ـ ولله المنّة والفضل ـ ميراث من المصداقية الناصعة والتاريخ الأثيل والجهاد العلمي والديني الساطع الباذخ ، ولها ـ ولله الحمد والمنّة ـ كل هذه المجاميع من الأنصار والمحبين وأهل الخير الذين رفدوها بدعم وعون حققت بها ما حققت، وستحقق المزيد بعون الله. فلنرتق إلى مستوى المسؤولية في تحقيق مشروع الجمعية الجامع الجادّ في مستقبل الأعوام بحول الله تعالى. نعم إن مشروع الجمعية المستقبلي هو ما ينبغي أن نستحثّ العقول والأنفس في مشروع قويّ قويم موحّد ثابت مكين.