شؤون تربوية

دورات التنمية البشرية بين الحقيقة والمغالطة

أ. أمال السائحي/

 

عرفنا الإسلام منذ ظهوره بأهمية تطوير الإنسان، ودعم تقدمه نفسيا ومعنويا، ووضع لذلك أسسا ومعايير لمراعاة نفسية المسلم، وبصرنا بكيفة الاعتناء بها، على أسس سليمة وصحيحة، وقد تقدم الوقت، وتغيرت المصطلحات، وحتى التقنيات، وتمت تسميتها اليوم بالتنمية البشرية، وأصبح علما يدرّس ويؤخذ على شكل دورات تدريبية..
إذن ما أساس التنمية البشرية في الإسلام؟
كان الإسلام وما زال الأول في تطوير ودعم الإنسان والمساعدة على رفعته وتطوره، فقد ركز الإسلام على تطوير الإنسان، لأن هذا الكائن في الإسلام، هو محور الوجود، وأساس عمران الحياة، فاتزانه النفسي والمعنوي من أهم ركائزه الحياتية في هذه الدنيا،أي أنّ الأساس الذي تنهض عليه التنمية البشرية اليوم، هو الأساس نفسه الذي انبنت عليه رعاية الإسلام للإنسان والاستثمار فيه، ولكن بطرق قد تلتقي أو لا تلتقي بالطرق والأساليب التي تعتمدها التنمية البشرية اليوم..
فقد علّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل فيما يلم بالإنسان في معترك الحياة، من حزن، ويأس، وتعب، ومشاكل، وعلمنا كيفية تربية النفس البشرية، على التعامل مع الأمور التي تعكر صفو الحياة، وفقا لما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
علّمنا كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع من يسيء إلينا، وفي هذا تربية رائعة لنا على أساليب التعامل مع الطرف الأخر، رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا، بما يتفق والمرحلة العمرية والحالة النفسية لكل واحد منهم.
أما في الميدان الذي نراه اليوم عبر كل شبكات التواصل من يوتيوب، وانستجرام، وفايسبوك فهي طريقة، وهي مع كونها كذلك، إلاّ أنها في الحقيقة الطريقة السريعة للفشل..
وبات اليوم كل من يعاني من عدم وجود وظيفة، أو مشكلة عاطفية، أو طامع في تحقيق ثروة لا بأس بها، تجده يحاول بكل السبل أن يقطع تذكرة إلى دورات التنمية البشرية، حتى اكتظت هذه الدورات بأصحابها وتزايد مروجوها، لكسب المال بأي طريقة، فهل يعقل أن العقل البشري، بمجرد دورة تدريبية، ممكن أن تنقله هذه النقلة العجيبة، من الفقر المطبق إلى الغنى المطلق من العناء والشقاء، إلى السعادة والهناء هل تلك الشقشقة اللفظية، في تلك الدورات ستكفل للفرد الوظيفة التي كان يحلم بها؟ أو ما يقترح عليه فيها ممارسته من أنواع الرياضات ولو تعارضت مع عقيدة المسلم مثل اليوجا، قادر على أن يغير في حياته شيئا؟
نعم في نهاية الدورة يأخذ المتدرب شهادة، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل حقا استطاعت تلك الدورات أن تحوله إلى إنسان آخر غير ذلك الذي كان عليه قبلها؟ والجواب الذي لا يختلف حوله اثنان،أنه عاد منها بخفي حنين فقط، ولم تضف إليه شيئا يرفعه، أو حرفة تشبعه، إن هذه الدورات لا تعدو أن تكون متاجرة بالكلام، وبيعا للأوهام، وأداة هامة للنصب والاحتيال على شباب اليوم، المحروم من كل شيء، والذي لو عاد إلى صحيح عقيدته، لوجد فيها ما يطمئن له قلبه، وتسكن إليه جوارحه، ويساعده على مقاومة الإحباط، ويفتح له أبواب الأمل على مصراعيها، ولأغنته عن حضور مثل هذه الدورات التدريبية التي تبيع الأوهام، والتي ينطبق عليها المثل الشعبي القائل ((يبيع الريح ويقبض في الصحيح)) ولعاد رقما إيجابيا في مجتمعه يحتذى به.
تقول الأستاذة فاطمة عبد المقصود: ولعل أبرز العناصر التي يمكن القياس عليها وتحديد مدى قبولنا لها ما يلي:
ألا تضع الإنسان أولًا قبل الله، فكل فكرة تؤكد للإنسان أنه قادر ومتمكن لا يُعجزه شيء، وتتجاهل أقدار الله التي قد يقدِّرها لحكمة ما، أو تنسى أن أمر الإنسان كله بيد ربه، وأن دعاء الله بالتوفيق وقبول حكمه، يأتي قبل كل حركة أو شغل هي فكرة لا تتفق معنا.
أن يكون البعد الغيبي حاضرًا متمثلًا في التسليم، والتوكل والرضا، فليس بالضرورة أن تأتي النتائج كما توقعنا أو موافقة لتطلعاتنا بل لله الأمور أولا وآخرا.
ألا تكون دائرة السعي مرتبطة بعمران الدنيا ونيل الدرجات فيها، مع الغفلة عن الاختبارات التي تأتي لتقيس إيماننا بالأجر المؤجل والعاقبة في الآخرة، لذلك تكون كل فكرة تستبعد الله واليوم الآخر في تعاملها مع النفس هي فكرة بعيدة عنا، ولا يصح اعتمادُها أصلًا ندورُ حوله.
إن ضعف الإيمان الذي يشكو منه إنسان اليوم، هو الذي حوله إلى فريسة لأهل الدجل ممن تستروا بالألقاب الجامعية الفخمة. ليكسبوا قوتهم بطرق ملتوية جدا، ومنها ما يطلق عليه اسم التنمية البشرية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com