تعديل حكومي جديد يفتح آفاقا جديدة لفاعلية الجهاز التنفيذي
أ. عبد الحميد عبدوس/
قبيل أيام من الحدث الوطني الهام المتمثل في الدخول الاجتماعي والدخول المدرسي، وقبل أقل من شهرين على الحدث الدولي الهام المتعلق باحتضان الجزائر للقمة العربية، أجرى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تعديلا حكوميا جزئيا أعلن عنه الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في بيان بثّه التلفزيون العمومي مساء الخميس8 سبتمبر الجاري (2022). يأتي هذا التعديل الحكومي الذي يعد سادس تعديل حكومي جزئي في حكومة أيمن بن عبد الرحمن التي تشكلت في جوان من العام الماضي (2021) ليعطي دفعا جديدا للعمل الحكومي.
في شهر جويليه 2021 أجرى رئيس الجمهورية تعديلاً حكوميا كان أبرز ما ميزه هو إضافة حقيبة المالية إلى الوزيرالأول أيمن بن عبد الرحمن، مع عودة رمطان لعمامرة إلى وزارة الخارجية خلفا لصبري بوقادوم، وتولى عبد الرشيد طبي وزارة العدل خلفا لعبد القادر زغماتي الذي عين في منصب سفير،كما عين عبد الرزاق سبقاق في منصب وزير الشباب والرياضة خلفا لسيد علي خالدي، وعينت وفاء شعلال في منصب وزيرة الثقافة خلفا لمليكة بن دودة. في نوفمبر 2021 أقال الرئيس تبون خلال تعديل وزاري جديد وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر، وعين محمد بوسليماني خلفاً له مع التخلي عن صفة الناطق الرسمي باسم الحكومة في التشكيلات الحكومية اللاحقة، كما عين يوسف شرفة والي العاصمة السابق في منصب وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي خلفاً لعبد الرحمن لحفاية، كما تمت إقالة وزير الزراعة عبد الحميد حمداني وتعيين محمد عبد الحفيظ هني بدلاً منه. أما في فيفري الماضي (2022) فقد وقع تعديل حكومي جديد انهى بموجبه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عملية جمع الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن بين منصبه كوزير أول للحكومة ووزارة المالية، وتم إعادة تعيين عبد الرحمن راوية وزيرا للمالية، بعد أقل من ثمانية أشهر من مغادرته المنصب نفسه، ثم في شهر مارس الماضي (2022)تمت إقالة وزير النقل عيسى بكاي وتعيين عبدالله منجي بدلاً منه، كما عينت صورية مولوجي وزيرة للثقافة، خلفاً لوفاء شعلال. في جوان الماضي (2022)جرى تعديل حكومي جديد تضمن تعيين جمال كسالي في منصب وزير المالية بعد إقالة عبد الرحمن راوية للمرة الثانية في أقل من سنة. أما في التعديل الحكومي الأخير (سبتمبر 2022) فقد تم تعيين ابراهيم مراد وسيط الجمهورية السابق، في منصب وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية الذي كان يشغله كمال بلجود الذي نقل إلى منصب وزير النقل، و نقل عبد الله منجي من منصب وزير النقل ليشغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية خلفا للراحل محمد الامين مساعيد الذي انتقل إلى رحمة الله في شهر أوت الماضي.
التعديل الحكومي الأخير تضمن تجديد الثقة في الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن في منصبه كوزير أول للحكومة، كما تم الإبقاء على أغلب الوزراء في مناصبهم وخاصة الوزراء الممثلين لأحزاب الموالاة في الحكومة، وهي حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب جبهة المستقبل، وحزب حركة البناء الوطني. في المقابل تم إنهاء مهام خمسة وزراء ووزير منتدب هم: زيان بن عتو وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، وعبد الباقي بن زيان وزير للتعليم العالي والبحث العلمي، وكمال ناصري وزير الأشغال العمومية والري والمنشآت القاعدية، وكريم حسني وزير الموارد المائية والأمن المائي، وعبد الرحمان لطفي بن باحمد وزير الصناعة الصيدلانية، ونسيم ضيافات الوزير المنتدب المكلّف بالمؤسسات المصغّرة. بينما تمت ترقية ياسين المهدي وليد من وزير منتدب مكلف باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة إلى وزير لاقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة. أما الدكتور عبد الرحمن بن بوزيد وزير الصحة فقد تم استدعاؤه لمهام أخرى. ولم يتم الإبقاء في التشكيل الحكومي الجديد على الوزارات المنتدبة.
لقد رأى بعض المتابعين أن هذه التعديلات أو التدويرات الحكومية المتتابعة التي مست حكومة أيمن بن عبد الرحمن خلال مدة زمنية لم تتجاوز السنة ونصف السنة من تنصيبها يعد بمثابة تهرب من مواجهة مشكل الجهاز التنفيذي، والبحث عن المخرج الأصوب بالتوجه نحو الانفتاح الحقيقي على كل الطاقات والكفاءات الوطنية القادرة على المساهمة في ترقية مسار الجزائر لبلوغ أهداف الرقي التنموي والرخاء الاجتماعي ،وفي المقابل هناك من اعتبر التعديل الحكومي أمرا لا يحتمل التأويل والتفسير لأنه تم في إطار الدستور وضمن صلاحيات الرئيس الذي يعين من يراه مناسبا لخدمة الدولة الجزائرية في مرحلة معينة لتحقيق أهداف معينة، وأنه لا يمكن إنكار الانجازات العديدة التي حققتها حكومة أيمن بن عبد الرحمن في وقت قصير على المستوى الاجتماعي والاقتصادي خصوصا بعد فترة العسر الاجتماعي والانكماش الاقتصادي وتآكل الاحتياط النقدي نتيجة انتشار وباء كورونا والإغلاقات المتكررة وتراجع أسعار المحروقات في سنة 2020.
لقد سبق لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن أوضح منهجه في إسناد الوظائف الحكومية، فقال: «هناك بعض الوزراء يجب أن نعطيهم فترة للتدرب على العمل الحكومي، كل الوزراء جامعيون وبعضهم يحملون أكثر من شهادة جامعية، لكن بعضهم تنقصهم التجربة، والتجربة تكتسب، سيكون هناك تعديل حكومي حسب نتائج كل وزير قريباً، وحسب تطبيقه للقرارات التي تتخذ في مجلس الوزراء». كما كشف في تصريحات إعلامية أن: «الإقالة ستكون عقاباً لأي وزير فشل في مهامه وأن الشعبوية أمام الكاميرات لا تنفع». هذا المنهج في إسناد المسؤوليات الحكومية يفسر ربما عدم تأثر رئيس الجمهورية بما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال، فكلما حدثت ندرة أوزيادة في سعر سلعة من السلع الاستهلاكية ارتفع منسوب المطالبات في مواقع التواصل الاجتماعي بإقالة وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق. أما المطالبة بإقالة وزير الصناعة احمد زغدار فهي راجعة بالدرجة الأولى إلى فشله في إيجاد حل لمعضلة انتاج أو استيراد السيارات التي لم تتحقق رغم الوعود الحكومية المتكررة بشأنها.فليس من المعقول أن تبقى معضلة استيراد السيارات وتمكين المواطن الجزائري من اقتناء سيارة نفعية بسعر معقول هاجسا ينغص حياة الجزائريين.
إن تجديد ثقة الرئيس عبد المجيد تبون في الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن لتنسيق العمل الحكومي يجعل من المرجح أن يقدم هذا الأخير عما قريب عرض بيان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان، حتى وإن أصبح هذا الحدث مجرد إجراء شكلي لاحترام تقاليد ممارسة الرقابة التشريعية والشعبية على عمل الجهاز التنفيذي، ولا يؤثر على التشكيل الحكومي بعد التعديل الأخير.
يعتبر من أبرز الوافدين الجدد إلى الحكومة إبراهيم مراد وسيط الجمهورية السابق، الذي عيّن كوزير للداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية.وهو ابن القطاع ويعتبر من المسيرين المحنكين ذوي الخبرة الكبيرة والكفاءة العالية، حيث نجح في المهام التي أسندت إليه بصفته مستشارا لرئيس الجمهورية مكلفا بمناطق الظل، حيث استطاع في هذه المهمة أن يوصل قطار التنمية إلى عدد معتبر من المناطق التي ظلت مهمشة ومحرومة منذ استرجاع الاستقلال، ويرفع بالتالي الغبن والحرمان عن ساكنيها،كما حقق نتائج مثمرة من خلال مهمته التي كلفه بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كوسيط للجمهورية واستطاع في هذا المنصب أن يذلل العقبات البيروقراطية التي كانت تعترض أصحاب المشاريع المجمدة مما أدى رفع التجميد عن العديد من المشاريع الانتاجية في القطاعات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية الشيء ساهم في خلق العديد من مناصب الشغل وانعاش سوق العمل الوطنية وبذلك غادر الكثير من العمال الجزائريين مستنقع البطالة والحرمان الاجتماعي و نتج عنه تحسن في رصيد الثروة الوطنية. كما التحق بالطاقم الحكومي الجديد علي عون، في منصب وزير الصناعة الصيدلانية وهو من الإطارات الكفؤة المتخصصة في هذا الميدان، حيث تولى في سنة 1996 مهام مدير عام لمجمّع صيدال الذي تأسس سنة 1982 لتزويد الجزائر بصناعة صيدالانية وطنية تغني الجزائر عن صرف العملة الصعبة في عمليات الاستيراد، لقد استطاع علي عون أن ينقذ مجمع صيدال من الإفلاس في سنوات التسعينيات ،ورفع عدد عمال المجمع في مختلف وحداته في وقت اتسم بالتسريح الجماعي للعمال إلى أكثر من 4300 بعد ما كان عددهم لا يتجاوز 2150 عامل في سنة 1996. هذا النجاح في تطوير الصناعة الوطنية جعل حكم العصابة يستهدف تحطيم علي عون مما اضطره إلى تقديم استقالته من منصبه في سنة 2008 بعد 12 سنة من توليه المسؤولية في أكبر شركة وطنية للصناعات الصيدالانية. في سنة 2016 كشف علي عون في تصريحات لجريدة (النهار) أن ابنة مدير المخابرات الفرنسية الأسبق (إيف بوني) طلبت منه إبرام صفقة بين مجمع صيدال وشركة فرنسية خاصة كانت تديرها،ولما رفض طلبها بسبب مخالفة القوانين توالت عليه المشاكل وأصبح يتعرض بشكل مستمر إلى ضغوط ومضايقات من طرف مسؤولين جزائريين نافذين مما اضطره إلى تقديم استقالته من منصبه، وبعد 14 سنة من بقائه خارج الخدمة تم تنصيبه في مارس 2022 من طرف وزير الصحة السابق عبد الرحمن بن بوزيد مديرا للصيدلية المركزية للمستشفيات، وشغل هذا المنصب إلى تم تعيينه هذا الخميس وزيرا للصناعة الصيدلانية.كما التحق بالحكومة المعدلة كل من وزير الصحة عبد الحق سايحي الذي كان يشغل منصب الأمين العام لوزارة الصحة، ولخضر رخروخ وزير الأشغال العمومية والري والمنشآت القاعدية، الذي شغل منصب الرئيس المدير العام لمجمّع كوسيدار، والعالم الجزائري كمال بيداري كوزير للتعليم العالي والبحث العلمي الذي كان يشغل منصب مدير جامعة المسيلة.