سورة البقرة والعنوسة والجنّ
عبد العزيز كحيل/
هذه القضية العجيبة طرحتها عليّ الفتاة الأولى ثم الثانية ثم العاشرة ثم …تقول إنها تقرأ سورة البقرة كاملة يوميا فيحدث لها كذا وكذا من الأعراض، تسأل علامَ تدلّ هذه الأعراض؟ حيّرني الأمر: لمَ سورة البقرة بالذات كل يوم دون غيرها من سور القرآن؟ تحرّيت ووجدت عددا كبيرا من الفتيات لا يتركن قراءة البقرة مع أنهن لا يصلّين ولا يقرأن غيرها من السور، وعثرت على الرد الصاعق والحقيقة المذهلة: لأن المداومة عليها تجلب العريس لمن لم يتقدم أحد لخطبتها !!!وهذه الأعراض: الصداع والدموع وضيق التنفس؟ وجدتُ عندهنّ إجابة واحدة: إنه مسّ من الجن!!! مَن قال هذا؟ لقد قرأنَه ألف مرة في الصفحة الدينية للجرائد الفنية على لسان شيوخ رقاة!!! هل نبكي أم نضحك من هذه المآسي؟ سورة البقرة مفتاح حلّ العنوسة ولها علاقة بالجن؟ الذي أعرفه أنها طاقة لتكوين الرجال الأفذاذ، فحين وقع المسلمون في كمين العدوّ وفرّ الصحابة من هول المفاجأة والضربات القوية نادى الرسول صلى الله عليه وسلم «يا أصحاب البقرة» فرجعوا وانتصروا، وأما البكاء فإما يدلّ على الخشوع أو – وهذا هو المحتمل هنا – على حالة نفسية بسبب الهوس بالجن والسحر والعين وسوء الحظ.
أهكذا نتعامل مع كتاب الله؟ هذا تحريف وتخريف، فالسنة أن يختم المسلم القرآن كله مرة كل شهر لا أن يقتصر على سورة واحدة، ثم هو يتلو ليتدبر ويعمل وينال الأجر، أما حكاية جلب الزوج فهي خرافة واضحة تدل على التخلف الذهني والتديّن المغشوش…إنه التوظيف المصلحي السيئ لكتاب الله تعالى…وتبلغ المأساة ذروتها لأني أتحدث هنا عن مثقفات فضلا عن غيرهن..بل هي مجموعة من المآسي كل واحدة أكبر من أختها، تبدأ بالتعامل مع المسائل الدينية بواسطة الجرائد الفنية واستقاء الثقافة الإسلامية والفتاوى الشرعية منها كأنها مرجع معتمد مع أن الجميع على علم بأنها وكر لمن لا علاقة لهم بدين ولا خلق وإنما «تطعّم» صفحاتها الصفراء المتهالكة بركن ديني لزيادة عدد القراء واصطياد المغفلين، ألا يدل هذا على التخلف والجهل وترك عالم الشهادة للخوض في عالم والاعتقاد بالجن والرقية أكثر من الإيمان بالله والتوكل عليه؟ ألا يدل هذا على خلل واضح في العقيدة؟
والذي لا يختلف حوله عاقلان أن هذه التصرفات المأساوية لا تصدر إلا بسبب الفراغ الروحي الرهيب الذي يعاني منه كثير من المسلمين، بل أكثر من ذلك هو الخواء المعرفي والروحي معا الذي ينتج مثل هذه الظواهر الخرافية بين مسلمين يعيشون في فضاء كله قرآن وسنة ومواعظ، فأين في كتاب الله أو في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك السورة أو الآية بالذات تعالج حالة العنوسة؟ هو – فقط – المتاجرة بالدين من جهة والقابلية للاستحمار والاستغفال من الجهة الثانية…ويحدث هذا مع «شيوخ» و«رُقاة» يبيعون دينهم بثمن بخس، لا يتقون الله، يقابلهم جيش من النساء المثقفات – وحتى غير قليل من الذكور – لا يملكون إيمانا يحصّنهم، سحقتهم ظروف الحياة، فبدل أن يواجهوها بحسن التوكل وحسن التدبير اختاروا الخرافة والشعوذة والدجل لأنها ميدان للعجائب والغرائب، تسوّق أنواع الأوهام وتغذيها وتؤججها، أي هن يستجرن من الرمضاء بالنار…لو سترت هؤلاء «المثقفات» أجسادهن والتزمن الطريق السوي لجعل الله لهن من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية ولفتح لهن أبواب الخير ولتهافت الخُطاب عليهن بإذنه تعالى…بدل سورة البقرة يوميا بلا نية صادقة ولا قصد شرعي يكفيهن ورد قرآني يومي يرفع الإيمان ويمتن الصلة بالله ويريح النفس ويستمطر الثواب والمدد والسكينة، فالقرآن هدى، هو كتاب هداية وصحة نفسية يحفظ أصحابه من كيد شياطين الإنس والجن خاصة إذا كانت معه أذكار الصباح والمساء وخاصة بنية التعبد والفهم والعمل، لكن كثيرا من المسلمين اليوم كأنما يعبدون الله على حرف، فالقرآن مصدر للعلم والإيمان أما هم فقد اتخذوه طلسما سحريا، وهذه نتيجة الشهادات الجامعية الفارغة، وسنوات التبرج والسفور باسم التقدم والتحرر والرقي، وفي النهاية نجد هذا التفكير الساذج الذي تترفع عنه المرأة المؤمنة الأمية….يحدث كل هذا عندما يضعف إيمان الشخص، ويفقد الثقة بربه، يتعلق بأي شيء تافه، ويصدق كل الخرافات والترهات، ويرى السبيل والنجاة فيها، وقد انتبهت الأوساط المعادية للإسلام – وهي ترصد حياتنا الروحية والاجتماعية ومستوانا الثقافي – إلى حالنا فحاربتنا بسلاح فتاك يتمثل في التحريف والتشويه والتشكيك، واستخدام المرأة – ولم ينجُ الرجل – لأنهم يعرفون مواطن ضعفها وقابليتها لتصديق الأوهام واتباع السراب حتى لو كانت أستاذة جامعية أو طبيبة مختصة أو خريجة العلوم الدقيقة، فطال التحريف والتزييف والتخريف والترييف (نسبة إلى الريف) القرآن و أهدافه و المعتقدات الدينية وتخريب عقول الأجيال، وعاد جزء من الأمة إلى تدين الدراويش والقصبة والبندير… لذلك تجد جرائد تخصصت في ثقافة الجن والعين والسحر والمس، تبدئ فيها وتعيد، وتستعين بـ«شيوخ» ومدعي الرقية يخوضون في هذه الأمور ويحكون عن «تجاربهم» في مصارعة المردة والعفاريت وتخليص الأجساد من الأرواح الشريرة، ويبالغون في الأمر إلى حد يتخيل فيه المتابع أن جميع المسلمين – وليس غير المسلمين – مصابون حتما بهذه الأمراض الروحية…والنساء المثقفات يصدقن أنهن لم يتزوجن بسبب سحر صُنع لهن (من طرف الأقارب بطبيعة الحال)، وجني عاشق، وعين شريرة، والعلاج يبدأ بملازمة سورة البقرة حتى ولو كن تاركات للصلاة، متبرجات، منحرفات.. مع أنهن يعرفن قطعا أن العنوسة ظاهرة اجتماعية لها تفسير اقتصادي واجتماعي معروف.
والعجيب أيضا أن الكثيرات يطلبن العريس بقراءة سورة البقرة فإذا جاء هذا الزوج يتمردن عليه وينشزن وينتهي الأمر بالطلاق.