اتجاهات

الغايات الخفية للحرب المشتعلة في الشرق الأوسط/ محمد العلمي السائحي

يتسائل الكثير من الناس في عالمنا العربي، بل حتى في العالم أجمع، عن الأسباب التي كانت وراء اشتعال الحرب الضروس في الشرق الأوسط، وعن تلك التي تقف وراء استمرارها إلى اليوم، والجميع يتطلع بشوق لليوم الذي تضع فيه هذه الحرب أوزارها، ويعود الأمن إلى المنطقة ويعمها السلام من جديد، غير أن ذلك اليوم وللأسف لا يزال بعيدا جدا، ولذلك سيظل الدم العربي يستنزف في هذه المنطقة وبغزارة، إلى أن تنقطع أسباب هذه الحرب، وتتحقق الأهداف المرسومة لها. فما هي الأسباب المفجرة لها؟ وما هي الأهداف التي ترمي إلى إنجازها؟

أسباب الحرب الدائرة في الشرق الأوسط:

لعل من أهم الأسباب التي أدت إلى تفجير الحرب في الشرق الأوسط، هو الرغبة الخفية لتجريد العراق من ترسانته العسكرية، وتفكيك قواته المسلحة، وفرملة طموحه في تطوير صناعته العسكرية، وقد كان الغزو العراقي للكويت هو الذي ولد هذه الحاجة ودعا إليها، مخافة أن يؤدي السكوت عن تلك العملية إلى تفجير طموح العراق إلى التوسع في المنطقة ويتحول إلى قوة إقليمية يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها فيما بعد.

ولعل من الأسباب الجوهرية الأخرى لهذه الحرب، هو القضاء على القوى الحية في المنطقة، المتمثلة في الشباب العربي للهيمنة الأمريكية خاصة والغربية عامة، والذي أسهم بشكل فعال في دحر الغزو الروسي لأفغانستان.

ومن الأسباب الأخرى لهذه الحرب محاصرة الثورة الإيرانية ومنع تمددها إلى المنطقة، والاستئثار بما فيها من ثروات نفطية وغيرها، واحتكار أسواقها، مما يزيدها قوة، ويمكن لها من اكتساب قدرات اقتصادية، تكفل لها تطوير قدراتها العسكرية، التي ستكون عونا لها على تحقيق طموحاتها السياسية؛ ومن الأسباب التي لا تنكر تأمين وجود إسرائيل وحمايتها من الأخطار المحتملة التي قد تتولد عن تعاظم القوة العراقية، بفعل تنامي قدراتها القتالية كنتيجة لتطوير صناعتها العسكرية الناشئة.

ضمان ولاء السعودية ودول الخليج العربي بفعل تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وافتكاك حق التواجد الأمريكي في المنطقة تحت ذريعة تأمين المناطق النفطية، وحماية دول المنطقة من الغزو الخارجي.

تلك هي مجمل الأسباب التي كانت وراء اندلاع هذه الحرب الشرسة التي تدور رياحها في الشرق الأوسط، وتكتوي بنارها بلدان عربية كثيرة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ولكن هذه الأسباب أضيفت إليها أسباب أخرى تولدت عن تطور الأحداث في المنطقة بفعل هذه الحرب. ومن ذلك:

ــ بروز قوى قتالية أخذت على عاتقها التصدي للغزو الأمريكي للعراق، ممثلة في المقاومة الوطنية العراقية والقاعدة، ثم تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق.

ــ التوغل الإيراني في العراق والشام، وهو الأمر الذي بات يهدد سيطرة المارد الأمريكي على المنطقة، وحليفته إسرائيل.

ــ استغلال بعض الأقليات العرقية الكردية الأوضاع التي أوجدتها الحرب لتنفيذ مطامحهم السياسية في العراق والشام لافتكاك وطن خاص بهم.

ــ انجرار روسيا وتركيا إلى الحرب في المنطقة بسبب الأوضاع التي أوجدها الغزو الأمريكي للعراق، والتي أدت إلى تمدد الحرب إلى الشام، وباتت مصالحهما فيها مهددة بحكم ذلك.

ــ امتداد ما يسمى بالربيع العربي إلى الشام، مما تسبب في تفاقم الأوضاع، وساهم في استباحة قوى قتالية مختلفة لساحاتها، تحت أغطية مختلفة، في حين أن معظمها مكلف بمهمة.

أهداف هذه الحرب وغاياتها:

إن من أهم أهداف هذه الحرب الدائرة في منطقتنا العربية، هو استنزاف قواها البشرية عن طريق القتل والتهجير القسري، أو الطوعي بسبب تخريب البنى التحتية الذي يجعل الحياة مستحيلة، ويقضي على أسباب تشبث الإنسان بوطنه.

ومن أبرز الأهداف لهذه الحرب كذلك، هو تفكيك الدول الوطنية وتجزئتها، وإنشاء كيانات جديدة، على أسس عرقية وطائفية، تضمن تواصل الصراع في المنطقة، وتحول دون توحُّد قواها مستقبلا، وتمنع تشكل مقاومة جدية وفعالة لأي عدوان أجنبي.

ومن أهدافها أيضا وضع اليد على ثرواتها العديدة واستغلال مواقعها الإستراتيجية للسيطرة على منافذ التجارة الدولية.

ومن أهدافها كبح جماح القوى الصاعدة في المنطقة الممثلة في إيران وتركيا، وحتى روسيا…! حيث أن توريطهما في الحرب بطريقة أو أخرى سيعمل على استنزاف قواهم الاقتصادية، وسينعكس ذلك سلبا على أوضاعهم السياسية الداخلية والخارجية، ويحد كذلك من إمكانياتهم لتطوير قدراتهم العسكرية إلى حد بعيد.

ومن أهدافها التمكن من تجربة الطرق القتالية الجديدة، واختبار الأسلحة المطورة، ومعرفة قدراتها على وجه الدقة بما يسهم في تحسين المنتوج الحربي الأمريكي خاصة والغربي عامة.

ومن أهدافها القضاء على قوى المقاومة والتخلص منها نهائيا “إسلامية كانت أو علمانية”، سنية كانت أو شيعية، التي اشتدت شوكتها وباتت تشكل خطرا حقيقيا على المصالح الغربية عامة والأمريكية خاصة كحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر.

 

ومن أهدافها الأخرى التي كشفت عنها الأحداث الأخيرة، الممثلة في الغارات الإسرائيلية على الشام تحت ذريعة إسقاط القوات السورية لطائرة إسرائيلية مقاتلة، هو فتح المجال أمام إسرائيل للتوسع على حساب جيرانها الذين أنهكتهم الحرب وذهبت بقوتهم، فباتوا عاجزين عن الدفاع عن حوزتهم، وصيانة بيضتهم.

تلكم هي بعض من الأسباب التي كانت وراء اندلاع هذه الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وبعضا من أهدافها، والمتأمل فيها يكتشف أنها لا تصب في مصلحة العرب، وإنما بل هي على العكس من ذلك تماما، حيث أنها برمتها تخدم مصالح الغزاة فمن واجب الشعوب العربية في هذه المنطقة أن تأخذ على عاتقها مقاومة هذا الغزو الذي يرمي إلى تمزيق أوطانهم، وإلى إبادتهم واستئصالهم، فليس من الحكمة تجاهل هذا العدوان، بل الحكمة في التصدي له بحزم وصدق وتفان.

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com