في مطار تونس
أ د. عمار طالبي/
لما وصلت إلى تونس قادما من الجزائر وجدت المطار (قرطاج) مكتظا بالمسافرين لا تكاد تجد مكانا للوقوف فضلا عن الجلوس، وسلكت الصفوف الحلزونية، فلم أكد أصل إلى الشرطي حتى أنهكني التعب، مع الحرارة إذ المطار غير مكيف، فلما سلمت جواز السفر للشرطي طلب مني أن أملأ بطاقة المعلومات، فقلت له ما زلتم مع هذه الأوراق دون بقية المطارات في العالم، فما كان الأمر إلا أن تطوع أحد المسافرين فملأ البطاقة، ولما ذهبت إلى قاعة الأمتعة لم أجد الأمتعة القادمة من الجزائر إلا بصعوبة لعدم توفر إشارات ذلك بطريقة واضحة إذ كانت الحقائب تخرج من جهات متعددة فما عليك إلا أن تسأل لتهتدي.
ولما رجعت إلى الجزائر يوم 4 أوت 2022 كان الأمر كذلك، لا ترى إلا الصفوف المتراصة للتسجيل، فاستعنت بابنتي لتقوم بالإجراءات ولم أجد أي مقعد لأجلس عليه مع شيخوختي فجلست على عربة حمل الأمتعة، ثم تقدمت للشرطة وكانت الصفوف متراصة أيضا فأخذ أحد الشرطة يصيح ويطلب من الصف المتجه إليه أن ينظموا أنفسهم، وصل دوري إلى الشرطي فحمدت الله أن أخذ البطاقة التي كتبتها، واتجهت إلى اختبار الأمتعة فوضعت ما معي فخرج سالما، فاتجهت إلى قاعة الركوب رقم 51 فكانت بلا تكييف مع شدة الحرارة، فوجدنا أناسا مسافرين إلى اسطنبول في القاعة نفسها، ولم نعلم البوابة التي نركب منها إلى الطائرة الجزائرية فأخذنا نسأل، وطال بنا الوقت ولم نحصل على أي معلومات واضحة، فنالني من التعب ما نال غيري إلى أن جاء الفرج فركبنا.
في مطار الجزائر كنت طلبت مساعدة بكرسي متحرك نظرا لكبر المطار وشيخوختي فانتظرت في الطائرة مدة طويلة فجاء صاحب الكرسي المتحرك متأخرا جدا فلما سرنا إلى الشرطة وجدناها على وشك الخروج من مكاتبهم ولم يبق أي مسافر أمامهم فأسرعنا إلى أحدهم وهو بصدد الانصراف فأخذ جواز السفر وختمه، فاتجهنا إلى قاعة أخذ الأمتعة فلم نجد أحدا إذ خرج كل المسافرين مع أمتعتهم ولم يبق إلا حقيبتي التائهة قبل وصولي إليها فحمدت الله أن لم تضع أو توضع في خزانة الأمتعة التائهة المفقودة فاتجهت إلى منزلي في سيارة مستأجرة فوصلت بعد مضي هجيع من الليل لا أزعم أن هذه الرحلة لبلاد الغرب ومشاهدة حضارته التي بلغت شأنا بعيدا في التقنية، وعلوم الفيزياء والبيولوجيا وعلوم الفلك والفضاء وأدوات الحرب من النووية، والصواريخ العابرة للقارات، والأساطيل البحرية والجوية، والغواصات ومخابر البحث العلمي والإنتاج لمختلف وسائل الإعلام من الهواتف، والمواقع الإعلامية الصادقة والكاذبة لا أزعم أنها مثل رحلة الطهطاوي أو رحلات الأتراك قبل ذلك ورحلات سفراء المغرب الأقصى ورحلات بعض الجزائريين والتونسيين التي اعتبرت دوافع لنهضة العالم الإسلامي، كما زعموا أن هجوم نابليون بونبارت على مصر، ودعوته لخلافة إسلامية يتزعمها كما دعا نابليون الثالث إلى دولة عربية فرنسية في الجزائر، وهو فيما يبدو صديق الأمير عبد القادر إذ أطلق سبيله من أمبواز إلى بلاد الترك والعرب، إن مشاهدة المسلمين لحضارة الغرب يبدو أنها لم تكن مفهومة بوضوح فقد عنوا بالنظام النيابي التمثيلي كما فعل خير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني، الذي عني بالنظام السياسي ومحاربة الاستبداد، وفعل ذلك غيره كالكواكبي، وحارب ابن باديس وصحبه الاستعمار والاستبداد في الجزائر بالتعليم والوعي العام، وأريد أن أقول كلمة مختصرة مستخلصة من رحلتي هذه ومن رحلاتي قبل ذلك في بلاد العرب والمسلمين من المغرب الأقصى إلى باكستان وإيران وبنغلادش. ماليزيا والسودان، إن التخلف ما يزال يسود، باستثناء ماليزيا، هذا العالم الاسلامي العربي وأن البحث العلمي لا يتجاوز درس بعض ما بلغه الغرب وتلقينه في الجامعات ومن نبغ من علمائهم هاجر إلى الغرب بسبب الاستبداد فلئن كان الغرب يكافح من أجل الحرية والكرامة ثم العدل، ويقصر هذه الحرية والكرامة على الإنسان الغربي، ويشن الحروب الصامتة والناطقة القاتلة للأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين، ويسمح للصهاينة أن يفعلوا ذلك في شعب فلسطين مؤيدا لهم ولعدوانهم، ولا يتردد في أن يجعل حكام هذه البلاد أتباعا له وثروات الأمة تحت تصرفهم، فدار لقمان على حالها عندنا رغم أن الغرب حكمنا وسيطر علينا فلم نستطع أن نكون تلاميذ أذكياء، كما كان اليابان وكوريا مثلا وما نزال في القرن الواحد والعشرين فاشلين في التنمية، وفي النظام السياسي الرشيد الذي ما يزال الظن أن الشعوب قطعان من الأغنام تقاد بالسوط، وتهيئة الهيئات الأمنية لقمع الشعوب لا لدفع العدو، هذا حالنا.