كيف يمكن تحصين الشباب من التيارات والأفكار الهدّامة؟
أدار الندوة: حسـن خليفة/
(حاولنا في جريدة «البصائر»، من خلال حضور ملتقى الشباب الأول الذي نظمته، مشكورة مأجورة، شُعبة سكيكدة ، أن نتوغل عميقا في مسألة تحصين الشباب، وقد لاحظنا كثرة الشُبهات ووفرة المشكلات المطروحة في حياتهم الفكرية والنفسية والعاطفية والدينية، كما أشار إلى ذلك الأساتذة الأفاضل والدكاترة الأماجد الذين ذهبوا بعيدا في التحليل والتفكيك وبيان المخاطر الجمة التي تواجه شبابنا ـ من الجنسين ـ بوجود هذه التيارات المنحرفة الهدامة الكثيرة التي تزرع الشك والإلحاد واللادرية واللامبالاة، وكراهة الدين، والتفلّت الأخلاقي الخ…حاولنا تلمّس الطريق السليم الصحيح لمكافحة تلك التيارات والتصدي لها، ومقاومة جيوش المشاغبين والمشاكسين والمُضلّين الذين يعملون ـ ليلا ونهارا ـ من أجل تحريف الشباب الجزائري خاصة، والمسلم عامة – في كل أقطار الإسلام ـ …
سعيـنا لبناء مقاربة منهجية للمسألة بالتقرّب من الأساتذة وطرح الإشكالات والأخطار، ثم طلبنا إلى عدد من الأساتذة والأستاذات (حتى خارج ملتقى الشباب) تقديم مقترحات عملية تطبيقية قابلة للتنفيذ فيما يتعلق بتحصين الشباب من هذه التيارات الهدامة كالإلحاد والهروب من التديّن والانفلات من الالتزام الديني (العملي)، وتحصين العقول والنفوس الخ…
فكانت الإجابات متنوعة ومتفاوتة، وسنواصل ـ بحول الله تعالى ـ المقاربة بالتواصل مع الأفاضل والفاضلات، بين وقت وآخر، ليعطونا تجربتهم، ويقدموا للشباب مقترحاتهم المفيدة والعملية، سواء في شأن هذه الفتن ومخاطر التيارات الهدامة أو في شؤون أخرى يحتاج الشباب إليها.
أجاب عن أسئلتنا الأساتذة والدكاترة : مرزوق العمري، عزالدين كيحل، نورالدين عداون، عبد الحليم قابة.نورد هنا عددا من الإجابات، بحسب ماتسمح به مساحة الجريدة.
الأستاذ الدكتور العمري مرزوق ..
القراءة أولا..القراءة آخرا
وجاءت إجابة الأستاذ الدكتور مرزوق العمري أستاذ العقيدة والتيارات الفكرية في جامعة باتنة، وقد قدم محاضرة قيّمة في ملتقى الشباب. جاءت إجابته كما يلي:
«حتى يمكننا التصدي عمليا للتيارات الهدامة لتحصين شبابنا منها أقترح التسلح بالعلم؛ فالعلم بهذه التيارات يمكّن الشاب المتعلم من معرفة طبيعة هذه التيارات وإيديولوجياتها وأهدافها ومن ثم يعـرف كيف يواجهها وكيف يحصن نفسه منها، وآلة العلم الأساسية هي القراءة؛ فبالقراءة يتاح للشباب الاطلاع على هذه التيارات وعلى منطلقاتها وعلى أهدافها، وبذلك يتاح له أن يتجنبها أو أن ينتقدها نقدا مؤسسا.
وحتى يمكن أن تكون هذه القراءة فعالة في تقديري يجب الانتباه إلى أربعة أمور أساسية هي:
1ـ السند السياسي: يجب أن يستند فعل القراءة (= طلب العلم) إلى سند سياسي قوي وراشد يحمي القارئ (=المتعلم) وذلك بتيسير طريق المعلومة الصحيحة له، وأول مصدر للمعلومة الأصيلة والصحيحة هو الكتاب ،فلابد من دعم الكتاب بتشجيع الكُتَّاب على إنتاج الكتاب وحماية حقوقهم، وتشجيع الشباب والمتعلمين عموما على القراءة فمما يؤسف له أن الكتابة صارت فعلا لا مردود له فالكاتب لم تعد له حقوق، كما هو في الأصل، بل صار هو الذي يدفع إذا أراد طباعة كتبه؟.. بالإضافة إلى انسداد الآفاق أما الشباب الأمر الذي زهد الشباب في القراءة وفي طلب العلم كفريضة من الفرائض، فلو يجد الشاب المتعلم ما يجده لاعب كرة من سند سياسي لأنتجنا حضارة في جيل واحد.
2ـ الرقمنة: ترتب على غياب دعم الكتاب زهد الكتاب في علمية التأليف، وبانتشار الرقمنة انتشرت المعلومة الإلكترونية التي تسببت في الكسل الذهني، فلم يعد هناك جهد يبذل من أجل امتلاك معلومة صحيحة، بل نجد أحيانا في عالم الرقمنة التحدث في خارج الاختصاص فهو عالم لا يخضع للرقابة وصارت المعلومة تقدم وتؤخذ من الكل فحتى الأمي يدعي تقديم وجهة النظر.!؟
3ـ التعالم: ترتب على التدفق المعلوماتي الكبير الذي وفرته الرقمنة ظاهرة سلوكية ونفسية أخرى هي التعالم فصار الكل يدعي العلم، ويزعم إمكانية الوصول إلى المعلومة دون جهد، بل ويقلل من شأن العلم والعلماء بحجة أنه لو كان هذا الأمر ثمينا أو مهما لما ألقي به في هذا الفضاء الرقمي على هذا النحو غير المراقب غير المضبوط، وبالتالي صار الأمي يتعالم ويظن أنه صار عالما دون قراءة ودون انتساب إلى مدرسة ولا إلى جامعة.
4ـ اللامبالاة: سبب آخر لا بد من القضاء عليه حتى يصبح فعل القراءة مثمرا وهو ظاهرة اللامبالاة التي شاعت كسلوك سلبي في مجتمعاتنا وحتى عند الشباب الجامعي فلا نجد جهدا في التمييز بين الصواب والخطأ، ولا نجد جهدا في الاحتفاء بالمعلومة الأصيلة وترك الشبهة، ولا نجد نداءات إنكار الخلط بين السقيم والصحيح، وهي مظاهر تدل على اللامبالاة التي تم تكريسها كسلوك سلبي نتج عن غياب السند السياسي للظاهرة الجدية، وعن الرقمنة المنفلته، وعن التعالم الذي وافق الأهواء.
الشيخ الدكتور عبد الحليم قابة …
التيارات الهدامة فتـنة تجب مواجهتها.
أما الشيخ الدكتور الفقيه عبد الحليم قابة، والذي ما يفتأ يوجّه نداءاته وكتاباته لفئات المجتمع كلها، من خلال فيديوهاته النافعة، وكتاباته المفيدة… فقد جاءت إجابته كما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد فإن التيارات المنحرفة وهجومها الخطير على الشباب عبر جبهات عديدة أخطرها وسائل التواصل المتنوعة، فتنةٌ عظيمة لا ينبغي الاستهانة بها، ويجب الأخذ بوسائل وقاية وتدابير علاج سريعة وفعالة أحاول تلخيص بعضها في رؤوس أقلام:
أولا: تقوية الصلة بالله والإكثار من ذكره ودعائه بالثبات والهداية لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
ذلك أن القلوب بيد الله والهداية والضلال بيد الله، ولا عاصم من الغواية إلا رضى الله عن العبد المطيع والذاكر. وهو أهم أسباب الهداية إلى الحق والثبات عليها، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من هو كان يكثر من الدعاء بقوله: (يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
ثانيا: التحصن بالعلم النافع، فإنه عاصم وأي عاصم من الانحرافات التي سببها الجهل، وما أكثرها.
والمقصود هنا: التأصيل العلمي، والبناء المنهجي لعقلية طالب العلم بالقواعد والأدلة والأصول، وعلوم الآلة، وما يقوم الموازين، ويسدد الأحكام.
ثم ما كُتب في هذا المجال من طرف الأكفاء والثقات وبعض المؤسسات المختصة في ذلك كمركز تكوين ومركز البيان وغيرهما.
ثالثا: التركيز على البيئة العاصمة من الأخطار والمعينة على مسالك الأخيار، وذلك بالدعوة إلى الصحبة الصالحة، وتكثيف النشاطات التي تيسر ذلك وتهيئ البيئة المعينة على ذلك، فإن الإنسان بمفرده أكثر عرضة لدعاة الفتنة من كونه مع إخوانه يتناصحون بمتابعة الدعاة الهداة، والسماع للعلماء الثقات، وهكذا.
رابعا: تكثيف الندوات التي تناقش هذه الطروحات المنحرفة، واستدعاء الأكفاء القادرين على تفنيد الشبهات، وبيان الحق الأبلج بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن
ثم يضيف واضعا يده على بعض الأمور الملموسة في معرفة الصادق من الدّعي في أصحاب الطروحات المختلفة، فيقول (الشيخ قابة):
إذا اختلطت عليك آراء أدعياء التجديد والطرح العلماني الحداثي للدين، وتأثرت ببعض مقولاتهم؛ فعليك بهذا الميزان:
أولا: النظر في صدق صاحب الرأي وكفاءته وأهليته للاجتهاد في الدين وللتنظير ومناقشة أهل العلم ، وكذا في صلاحه وتقواه ومدى خوفه من الله الخوف العاصم من الافتراء والمغالطات والتعصب والإعجاب بالرأي.
ثانيا: النظر في الدوافع والانتماءات والمقاصد، فإن لها قرائنَ وعليها أمارات، وهي ذاتها قرائنُ وأمارات على صدق صاحبها وإخلاصه، أو على مكره وتعصبه وخيانته.
ثالثا: النظر في طروحاته؛ فإن خالفت ما أجمعت عليه الأمة سلفا وخلفا، حقا وصدقا من مدلولات القرآن وسنة سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم ، فاضربوا بأقواله عرض الحائط، وارموها في مزبلة التاريخ التي تجتمع فيها الضلالات والانحرافات مع أصحابها، والعياذ بالله.
وكذلك إن خالفت ما كادت تجتمع عليه كلمة الأمة ومجتهدوها وعقلاؤها، فأنصحكم بالإعراض عنها، لأنها غالبا لا توافق الحق وإلا ما انصرف عنها جمهور أمة الإسلام من فقهاء ومحدثين وربانيين ومصلحين، ولا يمكن أن يستأثر بها بعض من قال عنهم الله في القرآن: «فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلقَون غَيًّا».
رابعا: النظر فيما عدا ذلك فزنوه بميزان العدل، واقبلوا منه ما ناسب عصركم وتلاءم مع ظرفكم.
ومع ذلك عودوا في كل علم إلى أهله، وتذكروا أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، كما قال سلفنا الصالح.
نسأل الله الهداية ونعوذ بالله من الغواية.
الدكتور عز الدين كيحل
التشديد على تطبيق مواد الهُوية في المنظومة التربوية
الدكتور عز الدين كيـحل (أستاذ بجامعة بسكرة) …يرى الأمور من منظورآخر بعض الشيء؛ حيث يؤكد على وجوب الاهتمام بالنشء منذ الصغر، فإن في ذلك سبيل التحصين الحقيقي لهم ولهنّ، ويرى أن المنظومة التربوية في بلادنا تتحمل المسؤولية فيما تنشأ عليه الأجيال من الفراغ الروحي والديني والمعنوي ..ويقول في إجابته وهو يــقترح عددا من الصيغ العملية لتحصين الشباب من التيارات الهدامة بكل أنواعها:
• لا بديل عن وجود منظومة تعليمية (تربوية) شاملة، تؤكد على تطبيق تعليم مواد الهوية في جميع مراحل التعليم، وفي كل التخصصات.
• تكريس المنظومة الإعلامية بكل فروعها ووسائل لخدمة الثوابت، وتكميل الوظيفة التعليمية، والاضطلاع بكشف الشبهات والرد العلمي عليها، من خلال برامج اعلامية منهجية علمية تخصص لذلك.
• إنشاء نواد ومراكز ـ عبر كامل تراب الوطن ـ تضم أساتذة من مختلف المشارب العلمية، يتابعون ـ عن كثب ـ ما يُتداول من أفكار، وما يجري تنفيذه من مخططات، وما يمكن فعله في سبيل التصدي لتلك التيارات المنحرفة والهدامة.
• التقرّب من الشباب والسعي لجلبهم وجذبهم للنوادي والجمعيات المحلية، والجهوية، والوطنية، وإشراكهم في الأنشطة التوعوية التي من شأنها أن تجعلهم يؤثرون في أترابهم وأقرانهم ويستميلونهم إلى الطريق المستقيم.
• العمل على توسيع رقعة التعليم النوعي الموازي للتعليم العادي الذي يعاني من نقص فادح (المنظومة التربوية)، وذلك بتكليف أساتذة متمرسين رساليين في جمعية العلماء المسلمين.
• إقامة ملتقيات وطنية وجهوية وندوات تستهدف فئات الشباب وتعمل على تبصيرهم وتوعيتهم وتحصينهم.
• الأستاذ الدكتور نورالدين عدوان ….
أزمتنا أزمة خطاب.
• كان سؤالنا للأستاذ الدكتور نورالدين عدوان (جامعة الحاج لخضر ـ باتنة) وهو أستاذ كلية علوم المادة، ولديه ماجستير في الفكر الإسلام ..سألناه:
• «ماهي رؤيتك العملية ـ التطبيقية لمواجهة التحديات التي تواجه الشباب (في ظل ملتقى الشباب سكيكدة)».
• فكان جوابه:
• أرى أننا نعاني من أزمة خطاب مزمنة، فالخطاب الذي يتبناه كثير من الشيوخ والأساتذة لم يعد له مستقبلات عند الشباب، الذي يسبح في عالم لا يعرفه كثير من أبناء الجيل السابق، هذا من جانب الخطاب، أما من ناحية المحتوى المعرفي، فلدى شيوخنا وأساتذتنا كثير مما يمكنهم تقديمه للشباب، ولكن يجب أن يحمله خطاب يتجاوب مع العقلية الحديثة للشباب.
• المشكلة أن الشاب الحديث قد لا يشتكي من خطابك ان لم يفهمك، وإنما ينسحب في صمت ويتركك وحدك مع طروحاتك.
• إننا نعيش عالما معولما على كل المستويات، نحتاج فيه الى أناس يؤهلون أنفسهم بفهم هذا الواقع المعقد، ليستطيعوا بعد ذلك أن يقفوا أمام الشباب قدوات يقتدى بها ومنارات يهتدى بها.