حوار

البصائر في حوار مع الأستاذ محمد الهاشمي: محطات وومضات في مسار جمعية العلماء

حاوره: ياسين مبروكي/

من هو الأستاذ محمد الهاشمي التلمساني؟
– في الجنوب الشرقي من مدينة تلمسان وبين جبلين عظيمين تربض قرية أولاد سيدي الحاج نسبة إلى العلامة أحمد بن الحاج، في هذه القرية المشهورة بأشجار حب الملوك، وفي أسرة عريقة تنتمي إلى الدوحة الشريفة، والتي توارثت العلوم أبا عن جد، في يوم 31 جويلية 1945م ولدت من والدين كريمين مصطفى وفاطمة الهاشميين -رحمهما الله-، وسميت على بركة الله محمدا، وتحت رعاية أب كريم وفي حضن أم متعلمة نشأت، وفي سن الرابعة من عمري استقبلني الكتاب لحفظ القرآن الكريم على يد جدي الفقيه بن الحاج الصديق الهاشمي، وفي سن السابعة فتحت مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقريتنا سنة 1952م، وقد كان يوم افتتاحها مشهودا نقشت مشاهده في ذاكرتي فلا زلت أرى صور المشايخ الذين تعاقبوا على المنصة كالشيخ السعيد الصالحي والشيخ مصباح حويدق والشيخ السعيد الزموشي …الخ- رحمهم الله جميعا -، وكم كانت فرحتي عظيمة يوم التحاقي بصفوفها، فقد وجدت فيها الدفء والحنان عند معلميها، وفيها تشبعت بحب ديني ولغتي ووطني حتى لقبت “بالوطني”، وفيها حفظت نشيد شعب الجزائر مسلم، ونشيد عليك مني السلام ونشيد وطني ونشيد لغتي،ـ ولكن الفرحة لم تدم فبحلول 1956 م هجم جندرمة الاحتلال الفرنسي كالطاعون ونحن داخل الأقسام فألقوا القبض على مديرها الشيخ عمر غريسي تلميذ الإمام عبد الحميد بن باديس وأغلقوا المدرسة وشردوا تلامذتها، وتشاء الأقدار أن أعود إلى المدرسة التي طردت منها ولكن بوجوه غريبة عن وطننا وبحروف أجنبية تحمل السم بين ثناياها، ولكن سنوات الجمر التي حطت برحالها على قريتنا كغيرها من قرى ومدن الجزائر حطت على أطفال الجزائر لأن الرجال إما في السجون أو في المعتقلات أو في الجبال يجاهدون الاستدمار الفرنسي الغاشم أو تحت الإقامة الجبرية فلا خروج ولا دخول ولا سفر إلا برخصة ولأسباب محدودة، فأبي في السجن ومن حين إلى حين ليلا يداهم الاستدمار البيت للتفتيش ولا يغادرونه إلا بعد أن يحولوه إلى حطام ومن فيه إلى رعب فتسرع أمنا إلى احتضاننا مكفكفة دموعنا.
وانتميت لاحقا إلى دار الحديث التي كانت منارة تشع بأنوارها على الغرب الجزائري بأكمله، وفيها تكونت شخصيتي العلمية والدينية، وفي سنة 1965م انتميت إلى التعليم الابتدائي وفي السبعينات التحقت بالمعهد التكنولوجي للتربية فتخرجت منه برتبة أستاذ للغة العربية، وفي هذا المعهد صقلت أفكاري ووضحت معالم الطريق لدي أي طريق الدعوة إلى الله متأثرا بما تعلمناه من أساتذتنا في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين كانوا يرددون على مسامعنا: المعلم الأمين صاحب رسالة وحامل دعوة وقائد فكرة، فرسالته رسالة الأنبياء والمرسلين ودعوته دعوة القرآن الكريم وفكرته تنبع من معين الإسلام، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:” وأجودكم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه يبعث يوم القيامة أمة وحده”، زيادة على مداومتي حضور ملتقيات الفكر الإسلامي التي لا ينكر فضلها على الأمة إلا جاحد، ولكن دوام الحال من المحال فخفافيش الظلام من جراد لاكوست من علمانيين وشيوعيين وشهوانيين وبطنيين ضيقوا علينا ونعتونا بشتى النعوت وحاربوا المدرسة الأصيلة واتهمونا بتهم لا مجال لذكرها.

حدثنا عن بداياتك مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
– جاءت التسعينات لتعود سنون الجمر وتلقي بثقلها على المخلصين من أبناء هذه الأمة فكانت من جديد وفي عز الاستقلال المحتشدات والسجون لأهل الخير، ولكع بن لكع أصبح سيدا مهابا والسيد أصبح محتقرا مهانا والمخلص لأمته ولوطنه ولدينه رجعيا، لكن الظلام لم يدم فكانت البشائر تتوالى ليعود بصيص الأمل على يد كوكبة من رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلى رأسهم الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله، فقلنا هذا بصيص أمل فتعلقنا بأول خيط منه، فكانت الجمعية وعدنا نحن طلبتها وأبناؤها لنحيي مشروعها فأنا الآن عضو في المجلس الوطني للجمعية وعضو في المكتب الولائي بتلمسان مكلف بالإعلام، نحن اليوم على طريقها إن شاء الله تعالى .


ما هي أبرز المحطات التي ستبقى في ذاكرتك مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
– ومن الذكريات التي نقشت أحداثها في ذاكرتي سنة 1953 حين زار مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأولاد سيدي الحاج طلبة مدرسة بني هذيل تحت رئاسة أستاذهم الفاضل رحمه الله الشيخ مصباح حويذق للمشاركة في حفل آخر السنة وقد مثلت مسرحية ” الاتحاد ” مناصفة بين طلبة المدرستين، وكذلك صورة جماعة القرية عندما تصلهم جريدة البصائر يحلقون حول من يقرؤها لهم من أولها إلى آخرها وهم يستمعون وكأن الطير على رؤوسهم، وكذلك رؤية أبي عندما يعود ليلا بجريدة البصائر ليخفيها في كوة في الحائط كان قد أعدها من قبل خوفا من اكتشاف العملاء لها وأنا أتظاهر بالنوم وأسترق النظر، ومن الذكريات الحلوة يوم عودة جمعية العلماء إلى النشاط يوم بعثها الأخيار زرت والدي وأخبرته بذلك ففرح فرحا لا يوصف وقال لي: “من هنا الطريق”، أما الذكريات المرة فصورة الدرك الفرنسي حينما هجموا على بيت جدي الإمام ليقلبوه رأسا على عقب ثم ليجمعوا كتبه وجرائد البصائر والرسالة والمنار وإحراق الكل في فناء المنزل ونحن ننظر ونتألم، وكذلك صور الجندرمة الفرنسيين على المدرسة سنة 1956 لإلقاء القبض على مدير المدرسة وشيخها عمر غريسي ليقيدوه بالحديد ويلقوه في عربة مصفحة ويغلقوا المدرسة ويشتتوا طلبتها .


كيف ترون نشاط شعبة تلمسان في السنوات الأخيرة؟
– نشاط شعبة تلمسان في السنوات الأخيرة وبالخصوص منذ 2019م تأسيس المكتب الجديد تحت رئاسة الشيخ عبد الله غالم الذي كان فاتحة خير على الجمعية في ولايتنا فقد حققنا أمورا كثيرة لصالح الجمعية بالولاية فقد فتحنا أزيد من 15 ناديا بدوائر تلمسان، أما في المدينة فقد كان نادي الشيخ محمد شيعلي للقرآن وعلومه الذي أصبح يستقطب أكثر من ألف طالب وطالبة، كذلك نادي التاشفينية بحي اللوز الكيفان ونادي الاتقان لعلوم القرآن بحي ماخوخ وسنفتتح قريبا بحول الله نادي القرآن بحي البياضة أوزيدان والذي هو هبة من أحد المحسنين، وناديا آخر بباب وهران، إن شاء الله، كما أننا في كل سنة نقيم الأسبوع المحمدي والذي يستقطب أكبر عدد من ساكنة المدينة وضواحيها، كما أننا نحضر لبناء معهد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ببوجليدة وقد اكتملت الدراسات ونحن في انتظار الرخصة للانطلاق في الأشغال، وقد جمعنا بفضل الله وعونه كل نشاط هذه المدة في كتاب أصبح مرجعا في أرشيف الجمعية والقائمة طويلة نسأل الله القبول والتوفيق .

تعمل شعبة تلمسان على أن تكون جميع أنشطتها في دار الحديث، ما السر وراء ذلك؟
-صحيح أننا ننشط في الغالب في دار الحديث كما ننشط بالمركز الثقافي الإسلامي وبقصر الثقافة وبدار الثقافة ولكن بدار الحديث لأنها رمز من رموز تاريخ الجمعية فيها تاريخ آبائنا وأجدادنا وفيها تعلمنا وفيها ذكريات الشيخ البشير الإبراهيمي والإمام ابن باديس وعلماء الأمة، ولا نخفي تعلقنا بتاريخه المجيد ففي كل ركن منها رائحة تاريخ أمجادنا ينشر عبقه لأن التاريخ يحيي الأمم والتاريخ معلم ماهر لمن يحسن الإصغاء إليه، وكذلك حتى نربط الجيل الحاضر بهذا التاريخ وحتى تبقى دار الحديث في الريادة فقد صادف هواها قلبا خاليا فتمكن منه، والخلاصة أن الدم الذي في عروقنا من زمرة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودار الحديث هي ابنة خير جمعية أخرجت للناس .


تحرصون على تغطية مختلف أنشطة ولاية تلمسان ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي وكذا جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ما هو مصدر هذا الاهتمام والحرص؟
– أما حرصنا على نشر نشاطات شعبة تلمسان في مواقع التواصل الاجتماعي وكذا جريدة البصائر فهي أولا لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وثانيا هي وسيلة إعلامية متميزة ملتزمة وصاحبة رؤية تحررية ودعوة إصلاحية شاملة وهي منبر الأقلام الرفيعة وهي رائدة الإعلام المتميز الهادف، فقديما واجهت المشروع الاستدماري التغريبي بمشروع حضاري قارعت فيه الاحتلال وأعوانه ففتحت الأعين العمي والآذان الصم ولم تقتصر على القضايا الوطنية وحدها فقد كان لها اهتمام بالقضية الفلسطينية والعربية والمغاربية والعالمية والدليل على ذلك أنها استقطبت الكثير من أعلام الإسلام وكبار الكتاب في الداخل والخارج نذكر منهم الدكتور سعد الله رحمه الله والأستاذ تقي الدين الهلالي والسيد قطب وعلال الفاسي وإبراهيم الكتاني ومحيي الدين القليبي وبهاء الدين الأميري والأمير شكيب أرسلان، وها هي البصائر اليوم تواصل دربها الاصلاحي وتعيد القطار إلى سكته الأصلية وهي اليوم تسمو وتنمو وتعلو بفضل الخيرين من أبناء الجزائر تفتح الأبصار وتنير العقول والقلوب تحت قيادة الدكتور عبد الرزاق قسوم وبأقلام كوكبة من علمائنا الأخيار وتحت رئاسة الشاب ياسين مباركي وصحبه عبد القادر قلاتي ورغم قلة ذات اليد هي ماضية في رسالتها لإيصال صوتها الملتزم المتميز في معالجة قضايا الأمة بحكمة وروية واتزان وما علينا إلا أن نضم صوتنا لصوت الشاعر عبد القادر العماري حين قال:
حيي البصائر نعمة المشكاة   أقلامها والمشرفون ثقاة
قراؤها هم صفوة من صفوة  ورجالها للحائرين هداة
وذوو البصائر أيقنوا وتأكدوا   خط البصائر حكمة وثبات

فهل عرفتم لماذا ننشر فيها؟


برأيك ما هو السبيل الصحيح والمراحل الناجعة لتحقيق إعلام هادف وفعال لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
– السبيل لتحقيق إعلام هادف وفعال في جمعية العلماء الحقيقة التي لا يختلف فيها اثنان أن عصرنا هو عصر الإعلام بدون مبالغة وقد اعتبر سلطة رابعة إن لم نقل السلطة الثانية، وفي جمعية العلماء تكمن أهميته في الدعوة إلى المبادئ السامية للجمعية كالدفاع عن هوية الأمة وحماية ثوابتها من لغة ودين ووطن، والإعلام ككل سلاح فهو ذو حدين، فإما يوظف في مصلحة الأمة أو العكس، وفي جمعيتنا لابد أن يكون رساليا يسخر في الخير والبناء وتقديم الوعي الشامل لجميع فئات المجتمع وتوجيه طاقات الأمة إلى حيث ينبغي أن توجه إليه دون أن نغفل عن الصورة التي لها تأثير كبير فقد قال أحدهم:” إن سيد الصورة هو سيد البلاد “.

بالحديث عن الإعلام في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كيف ترون الخطوات الأخيرة للجنة الإعلام الوطنية ولقاءاتها الجهوية واهتمامها بالجانب الرقمي الالكتروني؟
– إن ما تقوم به لجنة الإعلام الوطنية من جهود كبيرة لترقية إعلام الجمعية وذلك بعقد لقاءات جهوية واهتمامها بالجانب الرقمي الالكتروني ضروري لترقية إعلام الجمعية إلى مستوى نشاطاتها زيادة على إنتاج الجمعية الورقي الذي لا يمكن الاستغناء عنه فإن الرقمنة أصبحت اليوم ضرورية لمواكبة التطور السريع الحاصل في الإعلام، ولهذا يجب على لجنة الإعلام الوطنية أن تفتح ورشات وتربط علاقات مع أجهزة إعلامية ثقيلة كالأنيس والشروق لتكوين على الأقل ثلاثة إعلاميين في كل شعبة لامتلاك تقنيات الإعلام الالكتروني .

كلمة أخيرة توجيهية لقراء البصائر ولمنتسبي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
–  إن جمعية العلماء كانت ومازالت الرافد الذي يغذي هذه الأمة ويصنع حاضرها كما صنع ماضيها أثناء جهاد الشعب الجزائري بالأمس ضد الاستدمار الفرنسي الغاشم فالجمعية هي الدرع الواقي لحماية الأمة وهي صمام أمنها، وكلمتي الأخيرة التي أوجهها إلى المنتمين إليها الذين أخذوا على عاتقهم هذه الأمانة التي تركها الرواد والذين نحسبهم من الدعاة المخلصين أن يحافظوا على هذا الإرث العظيم وأن يكونوا في مستوى أم الجمعيات وأن يلتزموا بخطها الأصيل، وثانيا لقراء جريدة البصائر التي هي قلب الجمعية النابض المتمثل في أقلام كتابها والذين يرسمون كل ندوات الجمعية ونشاطاتها بأمانة وصدق لأن جريدة البصائر هي أقدم جريدة جزائرية وأغنى جريدة بمحتواها الثري وبأفكارها الملتزمة بخط الجمعية الأصيل والله ولي التوفيق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com