الذكرى الأولى لوفاة الشيخ لطرش ثامر: انتقلت من الوجود وبقيت في القلوب
بقلم بازة الحاج أحمد
مضت سنة ونيف على رحيل الصديق المحب الشيخ لطرش ثامر أحد شيوخ مدينة بوسعادة الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الأحد 2021/07/11 عن عمر ناهز 75 سنة . فهو الرجل المحسن الحامل لكتاب الله المتواضع والمبادر بالإعمال الخيرية، في أكثر من شأن من شؤون البر والإحسان، وسيم تعلو محياه الابتسامة دوما، فهو الإنسان المثابر من أجل التحصيل العلمي والمعرفي المداوم على العمل التطوعي . نال شهادة لسانس في اللغة العربية وآدابها سنة 1980 من جامعة الجزائر المركزية . مارس مهنة التربية والتعليم لسنوات طوال – 1999/1968 في جميع مراحل التعليم بمدينة بوسعادة وببعض البلدات والمدن، عمل بكفاءة وإخلاص وتفان مما مكنه من الفوز بوسام الاستحقاق التربوي الوطني سنة 1996.
انتخب عضوا بالمجلس الشعبي الولائي لولاية المسيلة لعهدة واحدة عن دائرة بوسعادة، الشيء الذي سمح له بنقل اهتمامات سكان الدائرة للمسؤولين رغبة في إيجاد الحلول لها ضمن مشاريع التنمية المحلية، كان مواظبا على حضور ملتقيات الفكر الإسلامي حضر 22 منها من مجموع 26 ملتقى أقيمت على المستوى الوطني بالعديد من الولايات بإشراف وتنظيم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1967و1989 . وكانت تسمى وقتها بوزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية .
يشارك في هذه الملتقيات العديد من فطاحلة علماء العالم العربي والإسلامي والاكاديميين الذين يتناولون بالدراسة والتحليل لمواضيع هامة تتصل على سبيل المثال لا الحصر- بموضوع النهضة – والانفتاح على العصرنة – صيانة الهوية – مقومات الشخصية الوطنية – الجاليات غير الإسلامية التي تقطن ببلاد الإسلام- التنصير وعلاقته بالاستعمار.
ولعل الهدف من هذه الملتقيـــات هو بلورة فكـــر يحقــق الانتصـــار على التخلف المادي والمعنوي للشعوب العربية الإسلامية وكيفية التعامل مع الإرهاصات المتجددة مع الحماية من الغزو الغربي بجميع مجالاته.
ومن حسن الصدف أني التقيت بالشيخ ثامر لطرش بعد انقطاع دام سنوات سبعة بملتقى ولاية بجاية الذي احتضنته قاعة المسرح من 01 إلى 12 ربيع الأول 1384 الموافق لـ 25مارس إلى 05 أفريل 1974 وهو الثامن من نوعه حيث كلفت وقتها بتغطية أشغاله كصحافي لفائدة مجلة الجيش من قبل المحافظة السياسية للجيش الوطني الشعبي في إطار الخدمة الوطنية.
فكان للشيخ ثامر لطرش مساهمات في مثل هذه التظاهرات الفكرية والثقافية تناولت مفهوم الأمة – الوسطية في الإسلام – وبحوث ودراسات أخرى بعث بها إلى وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف وأسبوعية البصائر ويومية الشروق تحت عناوين مختلفة كاللغة العربية، العدالة الاجتماعية في الإسلام، الصلاة وأثرها في تربية الفرد والمجتمع ، الضمير المهني، الرئيس الراحل هواري بومدين، القصاص في الحياة، كما تناولت موضوع جواز قراءة القرآن على الميت بموافقة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
تناول نشأة وآثـــــار العلامة الشيخ الربيع بن عطية الحرزلي أحد أعلام مدينة بوسعادة والذكرى الأولى لوفاة شيخ الزاوية الحملاوية بمدينة برج بوعريريج التي عمل بها الشيخ لطرش ثامر كمقتصد لحوالي 3 سنوات. امتدت نشاطاته إلى إصلاح ذات البين والعمل التطوعي حيث ساهم في بناء 11 مسجدا بمدينة بوسعادة مواظب على الحزب الراتب بمسجد النخلة العتيق ببوسعادة، لا يتغيب عن السير وراء الجنائز ليترحم على الموتي ويعزي ويصبر ذويهم.
ربطني وإياه طلب العلم بالمعهد الإسلامي بمدينة بوسعادة خلال السنة الدراسية 1964/1963. ثانوية أبي مزراق حاليا، بعد تحويله من وصاية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى وزارة التربية الوطنية.
يشترط الالتحاق بها حفظ عدة أحزاب من الذكر الحكيم، أغلب أساتذته من شيوخ الأزهر الشريف المشهود لهم بالكفاءة العلمية العالية والذين تشد إليهم الرحال للتحصيل العلمي والمعرفي ولحسن الحظ إن هؤلاء العلماء هم الذين شدوا الرحال إلى مدينة بوسعادة تلقينا منهم ولمدة 4 سنوات متتالية دروسا في علوم الدين كالتوحيد والسيرة النبوية، الفقه، الحديث، التفسير، علم الفرائض (الميراث) .وعلوم إنسانية كالرياضيات الإحياء -التاريخ الجغرافيا -اللغة العربية وآدابـــــــــها.
احتك الشيخ ثامر لطرش بعالم الإعلام والاتصال مارس الكتابة بأسبوعية البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبيومية الشروق بلغت كتاباته 153 موضوعا، فاز بتكريم هذين النشريتين وبتكريم المكتبة الوطنية بالحامة الجزائر العاصمة وشهادات التقدير والاعتراف قدمت له من قبل العديد من الجمعيات المحلية، كنت أزوره بمدينة بوسعادة قادما من مدينة الجلفة مقر إقامتي.
كان يجيئني عندما كان يعالج بمستشفى الصداقة الجزائرية الكوبية لطب العيون مدة 3 سنوات والتي تمت بنجاح، يحمل معه كما من النسخ لمواضيع نشرت له بأسبوعية البصائر ويومية الشروق ومراسلات ووثائق متنوعة، ومسائل في الميراث، وكأني به يقول إن هذه الأخيرة ستحتاج إليها في يوم ما وهذا ماحدث بالفعل حيث اعتمدتها كمصدر لكتابة هذه الذكرى.
ومن جهة أخرى فإن لطرش ثامر لا يتأخر عن تقديم مساعدته حتى خارج مدينة بوسعادة، وبالمناسبة أذكر أني هاتفته ذات يوم للتعرف على حاله فرد علي بأنه بدائرة بوغني ولاية تيزي وزو لاستصدار وثيقة لفائدة امرأة ببوسعادة .
وفي صورة أخرى تضامنية جميلة أصر الشيخ لطرش ثامر ذات مرة على العمل لمدة 6 أشهر مجانا لفائدة أحد أصحابه تقاعد خطأ عن العمل – بالمركز المالي لمدينة بوسعادة- وكان لزاما عليه أن يعود لقضاء المدة المشار إليها الشيء الذي تعذر عليه حيث فقد بصره، فحال دون تحقيق هذه الرغبة التي أداها الشيخ لطرش ثامر طبقا للقوانين المنظمة للتقاعد.
واضب ولمدة طويلة على زيارة جمعية علماء المسلمين الجزائريين وشيوخ الزوايا العلمية، كما يسجل حضوره بمؤسسة البصائر كل شهر ليسأل عن أحوال صحفييها ومسييريها وبيده اليمنى كما يقول أحد الصحافيين حافظة أوراق يحمل فيها مجموعة جرائد أو كتاب أو قصصات بها مواضيع لفتت انتباهه .
فمن خلال هذه الاتصالات الشهرية تمكن الشيخ ثامر ونظرا لبشاشته من نسج علاقات ودية مع الكثير من العلماء والإعلاميين وخاصة أثناء احتفالات التكريم التي كان يحضرها من تنظيم مجمع الشروق لفائدة شيوخ الجزائر، تدخل في إحداها بكلمة تحدث فيها عن علاقته بجريدة الشروق التي بادلته وفاء بوفاء فكانت منبره الخاص عبر من خلاله عن العديد من المواضيع التي رآها جديرة بالنشر.
جمع تلك التكريمات في مجلد من ثلاث أجزاء تطوعا منه ليكون مرجعا للباحثين والطلاب والأساتذة فكان هذا العمل الجليل محل تنويه مطول من طرف الأستاذ محمد عثماني عن يومية الشروق الصادرة بتاريخ 2019/10/19 جاء فيه: – أن الزيارة الأخيرة للشيخ ثامر لطرش لم تكن عادية – فالرجل وفد إلينا بحصيلة علمية ثقافية وتاريخية هي حصاد الشروق من الاحتفاء بأعلام الجزائر ورموزها واصفا هذه الحصيلة بالشجرة المثمرة التي حان قطافها بتخليد 186 شخصية من أيقونات الجزائر اجتهد المؤرخ لطرش ثامر في تنظيمها وتسفيرها لتكون مرجعا في متناول الباحثين .
كما خصه من جهته الأستاذ عبد القادر قلاتي عن أسبوعية البصائر المؤرخة بتاريخ 08/14 ذو الحجة 1442 الموافق لـ 18-24 جويلية 2021 بمرثية جاء فيها. فقدت أسرة جريدة البضائر أحد أعمدتها الثابتة على الحق والعمل الجاد والالتزام الدائم ألا وهو أستاذنا الفاضل الشيخ ثامر لطرش الذي وفاه الأجل المحتوم يوم 11 جويلية 2021 وبموته فقدنا أستاذا كبيرا وأخا معطاء تشهد عليه خدماته الكثيرة لجريدة البصائر وحرصه المشهود على قراءتها والكتابة فيها فهو بحق صديق البصائر.
وحذا حذوه الأستاذ التهامي مجوري من نفس الأسبوعية بمرثية تحت عنوان – الشيخ لطرش ثامر صديق البصائر والشروق – جاء فيها قد يستغرب الإنسان صداقة بين الإنسان الجريدة ولكن هذه الحقيقة فكان الشيخ لطرش ثامر صديقا لهتين الجريدتين تحديدا وكان يحبهما حب الصديق لصديقه…ذلك هو الشيخ ثامر لطرش بن الساسي البوسعادي.
أحب التربية والتعليم – العربية والعروبة – الإسلام العلم والعلماء. جميعهم بين جوانبه كما جمع بينهما حب أبنائه السبعة عشر.
نوه بما قام به من عمل جليل تمثل في جمع البصائر الصادرة بين سنتي 2006 و2020 وجلدها ضمن 16 جزءا للمكتبة الوطنية بالحامة (الجزائر العاصمة) رتبها وجلدها بيده وذلك لذات الغرض الذي قام به عندما جمع احتفاءات العلماء . وبالاضافة إلى هذه الأعمال كان الشيخ لطرش ثامر يقتطع من منحة التقاعد 1000 دج يصبها في حساب جمعية العلماء المسلمين لصالح جريدة البصير دعما لها وتعبيرا عن حبه لها .
ومما يجدر ذكره من ناحية أخرى فإن الشيخ لطرش ثامر لم يتوقف عن الكتابة بل اهتم أيضا بالتأليف وله في هذا المجال كتاب في أصول الفقه وآخر حول تاريخ جمعية العلماء المسلمسن بعد 90 سنة من تأسيسها منذ 5 ماي 1931 إلى 4 ماي 2020 الموافق لـ 27 ذي الحجة 1349 إلى 11 رمضان 1441 . تنازل عن حقه في التأليف لفائدة الجمعية مساهمة منه في التعريف بدورها وتاريخها في محاربة البدع وتطهير ديننا الحنيف منها وإعداد الشباب لخوض معركة التحرير لاحقا.
هذا هو درب الشيخ لطرش ثامر فهو نموذجافي المثابرة على طلب العلم نقل ما نال منه إلى غيره. مثال في التطوع بجهده وماله في مختلف مجالات الخير، يقضي حاجات المحتاجين دون كلل وملل ولو كلفه السفر، دائم العطاء تناول الكثير من المواضيع التي يراها جديرة بالنشر حيث فتحت له الصحافة أبوابها الواسعة فاتخذ منها وسيلته الإعلامية، خاطب القراء بلغة العقلاء بما فيه فائدة لهم فهو المهتم بالشأن العام يريد الإصلاح الديني والاجتماعي، نال بذلك تكريما كبيرا آخر من قبل كل الذين عرفوه وبادلوه حبا بحب فهم يحملونه في قلوبهم ويدعون له بالرحمة والمغفرة الواسعة . رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه .