أيام بتونس 2/2
أ د. عمار طالبي/
وبعد أن تناولنا إفطار الصباح استرحنا قليلا ثم اتجهنا إلى البحر عن طريق فندق رويال، وهو فندق ضخم تمتد مساحته الخاصة به إلى البحر فسألنا أحد العمال كراسي ومظلة، فوضعنا أمتعتنا، وكان البحر هادئا فرأينا بعض الجِمال مهيئة للسياح، فأخذنا نسبح مع وهج الشمس، وكان الأستاذ نبيل وابنه اسكندر وكمال يحيطون بي حتى لا تأخذني الأمواج فمكثنا مدة ثم استرحنا في ظل تلك المظلة، وأخذ نسيم البحر ينعشنا، ثم اتجهنا إلى المنزل للغذاء وكان هذا المنزل في غاية الروعة من حيث هندسته وغرفه وقاعات الراحة وجميع مرافقه الصحية مع حوض السباحة في غاية النظافة ومساحة خضراء رائعة على قرب من فندق أمبريال، فما اغتسلنا ولبسنا ثيابنا حتى تم نداؤنا لتناول الطعام، وكان طعاما مدهشا لذيذا وهو عبارة عن بايلا الأندلسية مكونة من أرز وسمك أعد بطريقة جيدة بيد ابنة أختي نائلة، ومن ساعدها فاستمتعنا بذلك الطعام مع سلطة تونسية حارة وأخرى معتدلة الحرارة الفلفلية ثم تناولنا كؤوس الشاي مع المكسرات فأخذ النوم يداعبني، ثم قلت لقائد الركب نصر الدين أنه آن أوان العودة إلى تونس العاصمة وإلى إقامة دالاس التي ذكرتها فنشكر أهل المنزل على حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة وطيب الطعام، ولطافة اللقاء، وأذكر أني لم أعرف أبناء نبيل إلا هذه المرة وعمر بعضهم 25 سنة وقالت لي أم اسكندر إنه رجل متدين لا يترك صلاته لا في الحضر ولا في السفر، وهكذا غادرنا الحمامات حوالي الساعة الرابعة، ونزلت بالإقامة عند منى وودعت نصر الدين وكمال، صاحبي في هذه الرحلة الحمامامتية الجميلة والحمد لله على نعمة لقاء ذوي القربى والرحم.
أما يوم 25 جويلية 2022 فهو يوم الاستفتاء على الدستور الذي وضعه الرئيس سعيد وقد واجهت جمعيات مدنية وبعض الأحزاب هذا الدستور واعتبروه انقلابا وكانت نسبة المصوتين 27 بالمائة من بين الذين يمكن لهم التصويت فهم حوالي 2.500 من تسعة ملايين، ودام من الصباح إلى العاشرة مساء.
وفي يوم 2022/7/27 تكرم الأستاذان الفاضلان وهما الأستاذ المحامي القدير عبد الفتاح مورو من النهضة وقد كان ترشح للرئاسة سابقا، وكان نائب رئيس البرلمان، وهو الأستاذ الغنوشي، والأستاذ عبد الفتاح تخرج من المدرسة الصادقية ثم تخرج من كلية الحقوق، وهو الآن يواصل عمله في المحاماة، وقد عرف بالفصاحة، وزار الجزائر عدة مرات وكرمته قناة الشروق وحضرت هذا التكريم وقلت كلمة وألقى عدة محاضرات في شهر رمضان أذاعتها قناة الشروق.
أما الأستاذ الدكتور سالم عبد الجليل فهو صديقنا متخرج من الجامعة الزيتونية، وهو باحث جاد له عدة دراسات منشورة، وهو عضو في بيت الحكمة وقد تولى وزارة الشؤون الدينية وعندما كان صريحا في معارضته للسلفية الظلامية الوهابية، عزل مراعاة للسلطة السعودية، وهو الآن أستاذ التعليم العالي بالجامعة وفي هذا اللقاء تناقشنا في عدة موضوعات الساعة.
ونظمت السيدة سعيدة ابنة أختي وزوجها السيد ظافر غربي مأدبة فاخرة في منزلها بحي النصر، فانتقلت أنا وابن أختي الأستاذ نصر الدين وأخوه كمال، فمتعتنا بالأطعمة اللذيذة، والسمك الطيب، وغير ذلك من الأطعمة والأشربة والفواكه، وكانت شقتها تشرف على مناظر بديعة، وخاصة أثناء الليل.
أما السيد ظافر غربي فهو صحافي كان يعمل عدة سنين في قطر، وفي قناة الجزيرة المشهورة، وهو الآن متقاعد، وله بنتان مريم وسارة، طالبتان جامعيتان، ندعو لهما بالتوفيق في دراستهما، وكان ذلك يوم 28 جويلية 2022 ظهرا.
زيــارة مهمــــة
من حسن الصدف أن زارنا الأستاذ الدكتور حسن المناعي وهو أستاذ بجامعة الزيتونة، ويدرس التفسير في جامع الزيتونة وفي جامع صاحب الطابع بحي الحلفاويين الذي كان يدرس فيه طلاب السنة الأولى، من سنوات الدراسة في الجامع الأعظم وفروعه كما كان يسمى في ذلك العهد ولد بتونس في 22 نوفمبر 1949، تحصل على دكتوراه الدولة في العلوم الإسلامية ودكتوراه الحلقة الثالثة في التفسير، والإجازة في الحضارة الإسلامية، تولى التدريس في عدة جامعات: جامعة الزيتونة، جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبكلية التربية بسلطنة عمان، وهو عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس من مؤلفاته الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، المسيرة العلمية الإصلاحية 2010، بنك تنمية الأوقاف مولود جديد في المنظومة العالمية 2015 ومن أهم مؤلفاته المعجم المنير لألفاظ التفسير من التحرير والتنوير به 3075 لفظا.
وعرفت الأستاذ حسن المناعي منذ سنين فأدركت أنه من أولئك الذين يهتمون بالوثائق التاريخية وتحقيقها والحفاظ عليها، ومن أهم هذه الوثائق قائمة الطلاب الجزائريين الذي درسوا بالزيتونة ويعدون بالآلاف فهو مرجع وإن شئت قلت مصدر في هذا المجال، وكان قد أمدني بوثيقة تدعو إلى وحدة المغرب العربي ونشرتها بجريدة البصائر.
أما لقاؤنا في هذه الزيارة التي تمت يوم 31 جويلية 2022 مساء في بيت ابنتي منى بحي النصر فكانت مفاجأة لي إذ حمل معه وثائق جزائرية أولاهما عنوانها: شعب الجزائري الحديث يبدو أنها بقلم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي كما يدل على ذلك خطه.
والوثيقة الثانية عنوانها: تقرير الإبراهيمي لدى لجنة الإصلاحات الجزائرية بين رأيه في عدة قضايا:
1- إصلاح القضاء الإسلامي
2- مسألة التعليم العربي
3- المساجد وموظفوها من الأئمة وخصص فقرة في «الإصلاح السياسي».
اقترح 6 نقاط:
1- إنشاء جنسية جزائرية مشتركة بين جميع سكانها من المسلمين والأروبيين ممن يعيش في هذا الوطن مهما تكن أديانهم وجنسياتهم متساوين في الواجبات والحقوق.
2- إنشاء حكومة جزائرية، ومجلس تشريعي (برلمان) جزائري.
2- تعطى الوظائف الإدارية لجميع الجزائريين على أساس الكفاءات الشخصية.
3- اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في التعليم والإدارة بجانب اللغة الفرنسية.
4- يحفظ لكل أهل دين حقهم في إقامة شعائر دينهم وتصرفهم المطلق في معابدهم وأوقافهم.
6- الأحوال الشخصية للمسلمين خاصة تجري على التفصيل السابق في إصلاح القضاء الإسلامي (كما سبق أن ذكر في إصلاح هذا القضاء).
وقع هذه الوثيقة هكذا محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
أما وثيقة محضر جلسة البعثة الميزانية مع ضيفها الأستاذ محمد الفاضل بن عاشور فهي قد افتتحها محمد بن عمر لعساكر بكلمة ترحيب بالشيخ محمد الفاضل ثم أخد الكلمة محمد بن ابراهيم بيوض ثم ألح بن إبراهيم خباشة الذي ألقى قصيدة وبعده قرئ نشيد البعثة الرسمي ثم تلاه صالح بن إبراهيم باجو فألقى قصيدة ثم قرئ نشيد «فداء الجزائر» للأستاذ مفدي زكرياء بن سليمان ثم ألقى محمد بن عمر لعساكر قصيدة ثم صالح الخرفي فألقى قصيدة أخرى وقام الأستاذ محمد الحاج ناصر فألقى كلمة مرتجلة ولخصت في هذه الوثيقة الثناء على الشيخ محمد الفاضل بن عاشور وبعده قام مفدي زكرياء في حماس قوي وألقى قصيدة رائعة مطلعها:
بمثلك تزهو في البلاد المحافل
وتذكر في الأجيال أنك فاضل
ويكرم فيك العلم أعظم نابغ
زكي زكت أخلاقه والشمائل
أتذكر عهدا للدراسة زاخرا
ونحن على تلك الفصون بلابل
ثم أخذ الكلمة الشيخ محمد الفاضل بتواضعه الجم وأخلاقه اللطيفة وعلمه الغزير تقع في أربع صفحات، وسجلت تلك القصائد في وثيقة ويبدو أنها لم تنشر
أرخ محمد لعساكر قصيدته بـ 14 جمادى الأولى 1370 الموافق لـ 21 فبراير 1951 بمناسبة الاعتداء على الشيخ الفاضل بن عاشور في هذا التاريخ.
زيارة طيبة إلى تونس والأقارب والأصدقاء والأحباب فضيلة الدكتور ومتعكم بوافر الصحة والعافية ورحم كل الأعلام الراحلين الذين ذكرتهم وحفظ الأحياء