إشكالية المرجعية الدينية في العالم الإسلامي
أ. عبد القادر قلاتي/
ما لم يُعَد النَّظر في مشروعية نظام التقليد الديني، كما سطّرته المؤسسات الدينية التقليدية، سواء التي أنتجتها السلطة السياسية في الدول الاسلامية المتعاقبة عبر التاريخ، أو تلك التي نشأت مستقلة عن السلطة، وكان الدور الرئيس للمجتمع الأهلي في نشأتها، فإنّ فوضى المجال الديني ستظلّ قائماً تحدد الكثير من العلاقات الاجتماعية، وللأسف فإن المؤسسات الدينية الحديثة التي أفرزتها الدولة الحديثة لم تعوض نشاطات المؤسسات التقليدية في التعليم والأوقاف ومعالجة النوازل التي عرفها تطور الدولة والمجتمع، ذلك أنّ هذه المؤسسات الدينية الجديدة، لا تملك مشروعها الذاتي وإنمّا تعمل على تقديم الخدمات للسلطة السياسية التي ترى فيها أداة طيّعة في إدارة المجال الديني الذي يُشكّل هاجساً للسلطة السياسة.
أردت أن ألج موضوع المرجعية الدينية بهذه المقدمة حتى نفهم ماذا يجري في واقعنا المعاصر، من تحوّلات خطيرة في مجمل الخطاب الديني، وما جرى في الاسابيع الماضية من جدل حول تصريحات الريسوني الذي يرأس هيئة علمية من المفروض أنّها تملك استقلالية فكرية ونضالية في عموم البلدان العربية والإسلامية، إلاّ أنّ هذه التصريحات وما جرى حولها من ردود فعل، أظهرت أنّ هذه الهيئات تفتقر إلى نظام التقليد الذي لا يسمح بمجاوزته أو الخروج عن نسقه العام، كما أبانت عن حقيقة نلمسها بوضوح عندما نتتبع مسار هذه المؤسسات سواء منها المستقل أو التابع للنظم السياسية الحديثة، وما الأحداث التي جرت في سياق التحوّلات السياسية بعد الثورات العربية إلاّ صورة واضحة لهذه الفوضى التي أشرنا إليه، فكيف يكون قتل النّاس وتشريد الملايين منهم، والانقلاب على الشرعية واجبا دينيا يجزى فاعله ويثاب؟ أليس هذا انتكاسة ليس للخطاب الديني وحسب، بل لكل الهيئات والمؤسسات التابعة للدولة؟.
إنّ الخروج عن نسق نظام التقليد في المجتمع الإسلامي، لم يفسد المجال الديني فقط، بل أفسد الدولة والمجتمع معا. والله المستعان.