موقــــف و خـــاطـــــرة

آخر ما يخرج من رؤوس الصالحين

الشيخ نــور الدين رزيق/

سيطر على بعض النفوس حبّ الرئاسة، حتى صار همّ الفرد أن يسود على بضعة أفراد أو ينال مكانة و مقاما أيًّا كان اسمه ورسمه، دون تفكير بتوابع ذلك وخطورته على الذمة في العاقبة ولربما حتى على حساب هيئات أو جمعيات لها السبق في ذلك.
بلغني أن رجلا من رجالات السياسة المشهورين فشل في كل التنظيمات الحزبية التي أسسها حتى يصل إلى سدة الحكم وهذا شيء مشروع، إلا أنه في الآونة الأخيرة يئس من العمل السياسي فأدار البوصلة؛ فهو يعمل اليوم على تأسيس جمعية علمائية ولم يكفه الموجود «خير جمعية أخرجت للناس» والتي لم تقص أحدا وهي ملك لجميع الجزائريين بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية، لكن أقول، كما قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَصْلَ ذِي الْآفَاتِ حُبُّ الرِّئَاسَةِ وَطَرْحُ الْآتِي.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئس الفاطمة».
و زمانا قيل: (حب الرئاسة آخر ما يخرج من رؤوس الصالحين).
واتهم أيوب السختياني كل محب للرئاسة بالكذب فقال: «ما صدق عبد قط فأحب الشهرة»، ونفى عنه التقوى بشر بن الحارث فقال: «ما اتقى الله من أحب الشهرة»، ووصفه بعدم الفلاح يحيى بن معاذ حين قال: «لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة». وما أحسن وصف شدّاد بن أوس رضي الله عنه لحب الرئاسة بالشهوة الخفية حين قال محذرًا: يا بقايا العرب.. إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية. قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة. قال ابن تيمية معقبًا: «فهي خفية، تخفى عن الناس، وكثيرًا ما تخفى على صاحبها».
وحينما يُذم التطلع إلى الإمارة وحب الزعامة والرئاسة، وينهى عن الوقوف للقيادة، فليس ذلك قتلاً للطموح أو الأمجاد، أو تفضيلاً لدنو الهمة والقعود عن المعالي أو تشجيعًا للخمول والعجز والكسل، أو دعوة للتهرب من حمل المسئولية، وترك العمل، والتخاذل عن الواجبات، أو نهيًا عن قيام ذوي الكفاية بفروض الكفايات، أو ترك اغتنام الفرص فيما يقرِّب إلى الله، أو يحقق للناس مصالحهم في الدنيا والآخرة،ولكنها دعوة إلى التفريق بين الاهتمام بحقوق الناس، والحرص على نفعهم
وبين تعظيم النفس وإعطائها أكبر من حجمها.
ان الدعوة التي تقوم على موجب المخططات التي يخططها رؤساء الجماعات ويعاهدون عليها، يتعاهدون عليها ويسيرون عليها، وكل جماعة لها منهج فهذا مما يزيد المسلمين تفككاً ويزيد الكفار طمعاً فيهم، وما وُجدت هذه الجماعات إلا لمّا ضعف المسلمون وطمِع فيهم أعداؤهم، هذا إخواني، هذا تبليغي، هذا صوفي، هذا، هذا، لنكن يا عباد الله على مقتضى كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، ثم العمل بالكتاب والسنة يكون منهجنا الكتاب والسنة وليس نظام فلان ومنهج فلان بل منهجنا هو الكتاب والسنة، قال صلى الله عليه وسلم: «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثير فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعَضّو عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» فيكون المنهج والمرجع هو كتاب الله وسنة رسوله لا منهج فلان ونظام فلان وعلان فإن هذه المناهج هي التي فرقت المسلمين وأضعفتهم وهي بتخطيط من الكفار وإيحاء من الكفار فهم الذين يحرّضون هذه الفرق ويخططون لهم هذه المناهج باسم الإسلام ليقضوا على الإسلام وعلى المسلمين، فلا بد من الإتحاد على كتاب الله وسنة رسوله إن كنتم تريدون النجاة في الدنيا والآخرة والإجتماع على ما قام به الاوائل من رجال الإصلاح من أمثال الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الابراهيمي ومبارك الميلي عليهم رحمة وإلا فهو تقسيم للمقسم وتجزئة للمجزء وهلاك للأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com