ذكرى

وقائــــع مــؤتمــــر الصــومــــام 20 أوت 1956: حسب شهادة المجاهد محمد أكلي نايت كعباش

إعداد : أ / الأخضر رحموني/

يحتفل الشعب الجزائري بيوم المجاهد الذي يصادف 20 أوت من كل سنة، وهو ذكرى غالية في تاريخ كفاحه المجيد الحافل بالأيام العظيمة والأحداث البطولية التي سطرها أبناء الوطن بدمائهم ضد قوات الاستعمار الغاشم، حتى تظل حية في ذاكرة الأجيال، وتبقى من مفاخر الاعتزاز الكبير على مر السنوات وهو يذكرنا بهجومات الشمال القسنطيني التي جرت يوم 20 أوت 1955 والتي تعتبر ملحمة تاريخية بين الجماهير الشعبية والثوار، ثم انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956.

ولأن الكتابات التي تناولت تفاصيل مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956 بقرية إيفري أوزلاقن بغابة أكفادو في السفوح الشرقية لجبال جرجرة المشرفة على حوض وادي الصومام كثيرة، وأغلبها تناولت أسباب انعقاده، والنتائج المتوصل إليها، مع نشر برنامجه السياسي.
وأنا أقلب صفحات جرائد قديمة، عثرت على شهادة للمجاهد النوفمبري – سي محمد أكلي نايت كعباش – من بلدة صدوق وهو مجاهد ومناضل قديم، تحدث فيها عن مجريات أيام انعقاد المؤتمر، خاصة وأنه كان حاضرا أيامها، بمناسبة ترقيته في رتبته العسكرية،كما كان العين البصيرة المكلفة بمراقبة تنقلات السكان.
الشهادة نشرتها جريدة – الشعب – في عددها الصادر بتاريخ 01 نوفمبر 1974، لهذا فضلت إعادة نشر محتواها حتى نستفيد منها، وهي التي تتحدث عن حدث بارز في مسيرة ثورتنا المباركة، حيث التقى قادة الثورة لأول مرة بعد افتراقهم في شهر سبتمبر 1954، والاتفاق على عقد أول مؤتمر بعد عام من انطلاق الثورة في أول نوفمبر 1954، من أجل تنظيم صفوف المجاهدين، ودراسة القضايا العامة المتعلقة بخطة العمل الثوري.
وقد أعطى هذا المؤتمر لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني قيادة وبرنامج عمل واسع تكونت على إثره مختلف الهيآت الخاصة بالتنظيم والتنسيق والتنفيذ ومختلف الهيآت الملبية لمهام مسيرة الثورة.
كما قيمت المرحلة السابقة، وبنيت عليها خطة العمل العسكري للمرحلة المقبلة استنادا إلى التجربة الماضية.
يقول المجاهد سي محمد أكلي الذي كان مناضلا في حزب الشعب، ثم في حركة انتصار الحريات الديمقراطية ابتداء من سنة 1939، وسجن لنشاطه السياسي مع عدة مناضلين بينهم الشهيد عبان رمضان، وقد تولى بعد الاستقلال رئاسة المجلس الشعبي لبلدية مسيسنة،كما أنتخب رئيسا لناحية قدماء المجاهدين بدائرة آقبو سنة 1965:
– كان الشروع في الإعداد للمؤتمر منذ شهر ماي 1956، فقد انعقد أول اجتماع تحضيري في جبل بوني التابع لبلدية إيغيل علي بدائرة آقبو، وحضر هذا الاجتماع خمسون مجاهدا يمثلون مختلف المناطق الجزائرية منهم عميروش وبوعزة ومكي حيحي، ودام الاجتماع التحضيري يوما ونصفا، ثم انتقلوا إلى مشارف جرجرة بجهة زواوة وتابعوا اجتماعاتهم التحضيرية هناك مدة ستة أيام أخرى، وقد انصبت المداولات خلال الاجتماعات على إعداد جدول أعمال المؤتمر، ومن القضايا التي طرحت للمناقشة توحيد نظام جيش التحرير الوطني في تقسيم الوحدات، والمظهر والرتب العسكرية، وتوحيد أسلوب الكفاح المسلح، والقوانين المدنية والعسكرية والأعمال السياسية وتنظيم النقابة والشؤون الدينية والقضائية، وتقسيم المناطق والنواحي ورسم الخرائط، وإنشاء اللجان، بسبب أن كل واحد من المسؤولين كان يعمل حسب اجتهاداته قبل المؤتمر، وفي الأخير قرروا عقد الاجتماع التحضيري الأخير في وادي الصومام بالمنطقة الأولى وحملوا وثائق أعمالهم على ظهر بغلة، وكانت بعض المحافظ التي تحمل أوراق المؤتمر في يد محمدي السعيد المدعو سي ناصر، وقفلوا راجعين من جرجرة، وعندما وصلوا إلى الشرفة بمحطة السكك الحديدية بالمنطقة التي تسمى – ألاغن – ما بين مايو وتازمالت سقطوا في كمين للجيش الفرنسي، وانقلب الكمين إلى اشتباك كبير جرح فيه ثمانية مجاهدين، وهربت البغلة من شدة الضرب، فوقعت بين أيدي العدو، وتمكن من اكتشاف الوثائق التحضيرية، والاطلاع على الجهود المبذولة لعقد المؤتمر وتاريخ انعقاده المقرر في 10 جويلية 1956 بقلعة بني عباس، الأمر الذي جعله يجند قوات ضخمة ويقوم بعمليات مسح واسعة ودقيقة للبحث عن المجاهدين وقادتهم، وقاد الجنرال ديفور هذه العمليات، ووقعت معارك طاحنة بين قواته وقوات جيش التحرير الوطني شملت سطيف وبجاية والبويرة وبرج بوعريريج، وتـأجل الاجتماع التحضيري النهائي حتى آخر الشهر، وبعد أن هدأت الأحوال وتوقفت المعارك انعقد الاجتماع في ماي 1956 بمدرسة قنزات بدشرة بني يعلا وايلماتن في دشرة جعفرة، اتفقوا فيه على جدول الأعمال، وحددوا تاريخ انعقاد المؤتمر ومكانه، واختاروا أن ينعقد في منطقة وادي الصومام باعتبارها نقطة وسطا بين جميع الجهات، وتتمتع بحصانة، ولأن سكان عرش -أوزلاغن- كان ارتباطهم بالثورة لا يشوبه الشك من البداية، حتى أن السرية لم تخرج طوال أيام انعقاد المؤتمر الذي دام 11 يوما و4 أيام بعد ذلك قبل مغادرة الوفود إلى مناطقها.
واختاروا عشرين أوت موعدا لانعقاده تخليدا للمعارك التاريخية التي خاضتها الثورة في منطقة الشمال القسنطيني بقيادة الشهيد زيغوت يوسف، وتعبيرا عن التعلق بوحدة المغرب العربي، ووحدة نضاله في سبيل الحرية والتقدم، لأن هذا اليوم نفسه يرمز إلى تاريخ عزل المغفور له محمد الخامس ملك المغرب، ونفيه من بلاده، وعقب ذلك افترقوا .
بعد ضبط نقاط جدول الأعمال وجهت الدعوات إلى المسؤولين عن الطلائع النضالية في مختلف المناطق، وما كاد شهر أوت يحل حتى أخذت الوفود تصل إلى الصومام، وشرع أعضاؤها في الاتصالات والمباحثات، وفي التاسع عشر منه ليلا عقدوا جلسة عمل تمهيدية في قرية مشتة بدوار إيغرم، وضعوا فيها اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال، وضبطوا بعض التنظيمات الأولية، وعلى الساعة الواحدة من الليلة نفسها غادروا قرية مشتة التابعة لبلدية آقبو قاصدين قرية تيزي ثنية التابعة لبلدية أوزلاغن.
وفي صباح يوم عشرين أوت افتتح المؤتمر بصفة رسمية في القرية الأخيرة بدار تتكون من دورين أحدهما أرضي والآخر فوقه، وترأس جلسة الافتتاح الشهيد محمد العربي بن مهيدي، أما المكتب فكان برئاسة الشهيد عبان رمضان .
وقد استدعى المؤتمر أعضاء جيش التحرير الوطني المقرر ترقيتهم إلى مسؤوليات، وبقوا في غرفة بالدور الأرضي، بينما المؤتمرون كانوا مجتمعين بالدور الأول، وبعد أن قضوا يومين في المداولات والمناقشات، نزلوا إلى قرية إيفري الواقعة على بعد كيلومتر من تيزي، وتابعوا في إحدى ديارها اجتماعاتهم ومداولاتهم، وكانوا في هذه المرة في دار منفصلة، وتبعد عن الدار الأولى بعشرة أذرع تقريبا .
وسبب تغيير المكان الأول هو عريه، وعدم وجود بقع مستورة يمكن للمؤتمرين أن يستريحوا فيها، بينما المكان الثاني إيفري مغطى بالأشجار والغابات، وأكثر خفاء من الأول، ويستطيعون أن يستريحوا في اطمئنان أكثر. وبعد الانتهاء من المؤتمر جاء وفد يتقدمه الشهيدان محمد العربي بن مهيدي وعميروش فاستفسرنا أعضاؤه عن كفاحنا، وكيفية تسيير الجيش والسياسة، وعن نوع الأسلحة التي بدأنا بها الكفاح يوم اندلاع الثورة، وأنواع الأسلحة التي تم غنمها من الجيش الاستعماري، وكان ذلك الاستفسار شبيها بالامتحان، وحينما انتهوا منه وزعوا علينا الرتب العسكرية التي أقروها في المؤتمر، ونادوا علينا واحدا وراء الآخر، وسلموا لنا بطاقات مشتملة على التفاصيل، وخرائط مبينة فيها التقسيمات الجديدة للولايات والمناطق، وفي الأخير خاطبنا الشهيد العربي بن مهيدي قائلا :
( إن الوقت قصير لا يسمح لنا أن نقرأ عليكم نتائج المؤتمر، ولكننا نعدكم وعدا ثوريا صادقا، أننا سنعطيكم إياها مكتوبة في نشرات داخلية مشتملة على جميع التفاصيل والجزئيات) ،ثم كلفوا مسؤولي المناطق والنواحي بتقسيم المناطق على عدد النواحي والأقسام والفروع، وحددوا مدة شهر لهذا التقسيم ابتداء من وصول قرارات المؤتمر إلى المكلفين.
وقدم الشهيد محمد العربي بن مهيدي كلمة ممتازة في اللقاء الختامي بقرية تيزي، وقال إن ثورتنا لن يكتب لها النجاح إذا لم تلتحم بالشعب، فلابد من تحضير الشعب جيدا. وطلب المجاهد محند أكلي نايت كعباش الكلمة وقال متوجها إلى العربي بن مهيدي: (اسمح لي يا أخي المجاهد سي العربي، سي عميروش افرض علينا الصلاة نصلوا بذراع) .فضحك العربي بن مهيدي وضحك معه الجميع وقال ابن مهيدي: عنده الحق عميروش، أنتم اللي لازم تقدموا المثل وتكونوا القدوة للشعب .
وقرروا أن يكون التقسيم حسب اتساع مساحة كل ولاية بحيث تشمل بعض الولايات على أربع مناطق، وبعضها الآخر على خمس أو ست مناطق . ومثل ذلك بالنسبة للمناطق نفسها والنواحي والأقسام، غير أن توزيع الرتب العسكرية بصفة مباشرة اقتصر على ضباط الولايات الثانية والثالثة والرابعة، أما ضباط الولايتين الخامسة والسادسة فقد قدمت أسماؤهم إلى المؤتمر، ورقوا إلى مراتب، وأسندت إليهم مسؤوليات، وكلف المسؤولون المباشرون بإبلاغهم بذلك، وتوزيع الرتب عليهم.
وقد شارك في هذا المؤتمر ممثلون عن جميع الولايات ما عدا الولاية الأولى فقد تأخر وصول وفدها، ولم يحضر أي واحد منها بسبب استشهاد مصطفى بن بولعيد، ولكن النتائج أرسلت إلى المسؤولين عنها بعد اختتام الأشغال، وحملها إليهم الشهيد عميروش وكاتبه الخاص الحسين بن علام .
ومن النتائج التي خرج بها المؤتمر:
* تعيين الهيئة المسؤولة العليا لجبهة التحرير الوطني وتتمثل في المجلس الوطني للثورة المتكون من أربعة وثلاثين عضوا، نصفهم دائم ونصفهم الآخر إضافي .
* تعيين لجنة التنسيق والتنفيذ المتكونة من خمسة أعضاء.
* تقسيم الجزائر إلى ست ولايات، وتجزئة كل ولاية إلى مناطق ونواح وأقسام و فروع.
* تنظيم أجهزة جيش التحرير الوطني، وقياداته ووحداته ورتبه العسكرية، وتنظيم العلاقة بين قياداته السياسية والعسكرية.
* اعتبار القيادة الجماعية مبدأ أساسيا في أعمال كل الأجهزة الثورية .
* إنشاء المجالس الشعبية المكلفة بإدارة القرى والمداشر والدواوير.
* رسم منهج سياسي واضح يحدد الخطوط العامة لسياسة جبهة التحرير الوطني في مرحلة الكفاح المسلح، وشروط وقف القتال، ويبين معالم الجزائر المستقلة .
وكان تطبيق هذه القرارات والنتائج سريعا، وإثر مرور شهر على المؤتمر كانت الخرائط كلها معدة، والتقسيمات تامة، وتوزيع المسؤولين على الفروع والأقسام والنواحي منجزا .
وفي يوم 26 أكتوبر 1956 تم اجتماع جهوي مصغر بدشرة إيزمورن تم التعرف خلاله على تحقيق التنظيمات، وقدمت التقارير مع دراسة النتائج الجديدة، واحتمالات المستقبل المبرمجة، لأن الهدف الرئيسي من المؤتمر هو الاستقلال الوطني وتحرير أرض الجزائر من الاستعمار الفرنسي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com