الطـارف …يا لـهول ما جرى …وطوبى للمعتبـرين
يكتبه: حسن خليفة/
يسـّر الله تعالى زيارة المناطق المنكوبة التي مسّتـها الحرائق (المهولة غير المسبوقة) في منطقة الطارف، والقالة، ومحمية القالة (الحضيرة الوطنية )، فزرنا عين العسل، المالحة، بوحشيشة، الحديقة، القالة، الطارف…ويا لهـول ما يمكن أن يراه المرء، وهو يمد البصر محاولا فهم ما جرى ..والذي ترك آثارا كبيرة شاهدة حية على تلك العواصف الكبيرة من النيران (المتطايرة) التي تقفز من مكان إلى مكان، وما تمس مكانا حتى تلتهمه وتتركه (رمادا) أي تتركــه أثرا بعد عين .ومن آثارها : وفيات، وجرحى، وهلاك حيوانات (ماشية ـ أغنام وأبقار)، مزارع بيوت نحل ـ وهلاك بساتين كبيرة (مزارع يحتاج أصحابها إلى الدعم السريع..).
يصعب أن ترى بالعين على مدّ البصر (أكثر من 10 كلم)كانت جنات من أشجار وزروع وبساتين وبساط أخضر رائع ـ كانت متنفّسا للعائلات من ولاية الطارف، ومن ولايات أخرى كثيرة كانت تقصد المنطقة لجمالها الرائع؛ خاصة الأماكن القريبة من البحيرات …أصحبت كلها رمادا في رماد…بما في ذلك محميــة القالة المعروفة التي تضررت بشكل كبير ومؤلم.
خسائر كبيرة، وفواجع وآلام وموت وحرق وتفحّم …يكفي أن حافلتين احترقتا بمن فيهما من الركاب، رجالا ونساء وأطفالا، في مدخل المالحة، وما يزال البحث جاريا عن مفقودين ومفقودات، وقد حضرنا عزائين إثنين، قدم فيهما الشيخ فوزي رمضاني موعظتين بليغتين، العزاء الأول في وفاة أم وولدها، والثاني شاب مفقود لا يعرف أهله عنه أي شيء حتى الآن والبحث جار ـ كما أسلفنـا ـ عنه وعن غيره حتى الآن.
كما زرنا في ساعة متأخرة من الليـل مستشفى القالة وتباحثنا مع بعض المسؤولين حول مخلّفات الحرائق، والمصابين والمصابات والحمد لله لم يبق في المستشفى غير عدد قليل جدا من المصابين، ولكن هناك نقص في الأدوية وبعض المستلزمات.
ما يمكن قوله باختصار وتركيز :
1ـ مما يستوجب التذكير، ولله الحمد والمنّة، الحضور الكبير والرائع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، من خلال فريق متابع، بإشراف رئيس الشعبة الولائية الشيخ فوزي رمضاني، والذي جاب مع الإخوة كل المناطق، وتفقد المتضررين أكثر من مرة، ولديهم خريطة متكاملة فيما يتعلق بالمساعدات وتوزيعها ونوعيتها.كما هيأوا أماكن للتخزين، تحسّبا لوصول القوافل الإغاثية من أكثر من ولاية، وقد تلقى الكثير من المكالمات ونحن نزور المناطق المتضررة من باتنة ـ قسنطينةـ قالمة ـ العاصمة ـ الأغواط ـ العلمة ـ الخ فالحمد لله على فضله ..وهذا يشهد بحيوية مجتمعنا عموما في المبادرة إلى الخير، والاندفاع في إغاثة الملهوفين.
غير أن المطلوب دائما هو التنســيق مع أهل الخير في المنطقة لمعرفتهم بتفاصيل الأمور .
2 ـ مما يثلج الصدر وجود أهل الخير، فرادى وجمعيات؛ حيث وجدناهم يجوبون بسياراتهم ومركباتهم الأماكن المتضررة، يحملون معهم الأغذية، والدقيق،والزيت، والماء، يوزعون على المحتاجين ممن تضرروا ؛ خاصة وأن هناك جهات ليس لديها ماء.
3 ـ زرنا مركز تجميع في المالحة بعد التاسعة ليلا ووجدنا ـ والحمد لله ـ حمولات كثيرة من الخير (مواد غذائية، دقيق، ماء، وغيرها، يبقى الحرص على التوزيع السريع المنظم .
4ـ التقينا ببعض الجمعيات الخيرية (مفاتيح الخيرـ وجمعية الإرشاد كمثال) في وقت متأخر، في مستشفى القالة وأخبرونا أنها المرة الثالثة التي يوصلون فيها شحنات من الأدوية والمستلزمات للمستشفى وهم في طريقهم إلى الشحنة الرابعة غدا (اليوم السبت).
5ـ كما علمنا من بعض الأفاضل قيامهم باستطلاع مسبق منذ اليوم الأول، بل منذ الساعات الأولى لمعرفة الأضرار والمتضررين، وتحديد الاحتياجات الأساسية حتى لا تقتصر المساعدات على الأغذية والأفرشة والأغطية، مع الحاجة إليها.
5ـ تم الاهتمام بشكل جيد بإحصاء الأضرار، ومن ذلك من فقدوا أولياءهم (أيتام) وقد أخبرنا بعض الإخوة في الجمعية كما أخبرنا الأخ مراد ملّاح بوجود نحو 30 يتيما ويتيمة جرّاء هذا المُصاب، ويسّر الله تعالى التكفّل بهم من قبل جمعية كافل اليتيم الوطنية، بعد تواصلنا مع رئيسها الأستاذ رابح عرباوي وبعض كوادرها الولائية من باتنة والطارف وغيرهما. وهذا في حد ّ ذاته إنجاز مهمّ يؤشر على التعاون بين أهل الخير والفضل والعمل الصالح .
6- شيئا فشيــئا نتبــيّن أهمية الاستشعار والاستشراف وتعزيز تقوية «الاستجابة السريعة» في مثل هذه النوازل والطواريء…وأن الأصل أن توضع مخططات دقيقة وخرائط عمل وتصوّرات لمجابهة أي طاريء، تقليلا للأضرار، وتخفيفا على المتضررين، وتعزيزا لقوة المجتمع في تضامنه وتآزره …وهناك ثغرات كبيرة ـ للأسف ـ في هذا الجانب لا بد من الوقوف عليها مستقبلا ،وبالأخص منها التكوين ـ والتدريب على مجابهة «الطواريء» من كل نوع: سيول، فيضانات، زلازل، حرائق إلخ.
7ـ يتبيّن للمتأمل والمتابع الخير الكثير الموجود في قلوب ونفوس الجزائريين، وانبعاثهم القوي واستجابتهم السريعة في مثل هذه الظروف، ولكن ذلك يحتاج الى تنســيق وتنظيم وإعداد ليصل الخيرإلى أصحابه، ويتم التكفـل ـ على نحو صحيح وسليم ودائم قدر الإمكان ـ بمخلفات الحرائق (أو أي طاريء آخر ).. وهذا من صميم العمل الخيري التطوعي الإنساني، وقد لوحظ للأسف ضعف التنسـيق في كل مرة . والمأمول أن يتم هذا بشكل أفضل هذه المرة، على الأقل بين شعب الجمعية وفروعها في الولايات الأخرى وشعبة ولاية الطارف، وأيضا بين شعبة الطارف وبعض الهيئات والجمعيات الأخرى ككافل اليتيم ـ ومفاتيح الخير، وناس الخير الخ.
8ـ لا يمكن للمتأمل في تلك المشاهد المروّعة والمخلفات الشاهدة على ماجرى، إلا أن يفكر في ضرورة إصلاح القلوب والنفوس والعمل على ذلك بشكل أكبر وأقوى، فإن المواعظ والعِبَر والعظات قائمة تقول ها أنذا، تحترق الغابة، ويحترق البستان، ولكن الله تعالى ينجي البيوت والدور، أو ينجي بعض البساتين لأسر فقيرة معوزة، وغيرهذا كثير مما يمكن الوقوف عليه واستنتاج «النتائج» الحقيقية اللازمة: إنه لطف الله تعالى الذي يخوّف عباده بالآيات ليوقظهم من غفلتهم ويعيدهم إلى صراطه المستقيم مصداقا لقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.
لقد وجب على الدعاة والوعاظ والعلماء قبل ذلك الانخراط في التذكير الفعال المفيد النافع؛ لأن الإنسان يطغى وينسى ويغفل؛ فوجب تذكيره دواما وانتظاما.
ـ ويا ليت َ الإعلام يقرأ الأمور من هذا المنظور فيقدم الحقائق بهذه الخلفية حتى تستنير العقول وتتهيأ القلوب للحياة …ويعزز مناعة الإنسان المسلم (المسلمة) ويحقق فعل الإصلاح والاستقامة ، فتنقص الشرور وتجفّ ـ قدر الإمكان ـ منابع السوء والجشع والعدوان في النفوس …..
فطوبي للمعتبرين والمعتبرات …وطوبي للذاكرين والذاكرات.
والحمد لله على هذا الخزّان الوفير من «الخيــر» في قلوب أبناء وبنات شعبــنا.
نشدد على ضرورة التنســيق مع شعبة الجمعية خاصة ومع كل أهل الخير، لإيصال المساعدات إلى مستحقيـها وضبط أمورها خلال الأشهر القادمة ،والتكفل السريع بإسكان من فقدوا منازلهم وترميم من تضررت بشكل جزئي.
والحمد لله على أفضاله ونعمائه، والحـمد لله على وجود دعاة خير من أبناء الجمعية وغيرهم يصدّون أبواب الشر، ويفتـــــــــحون أبواب الخير بكل أنواعها: المواساة، الموعظة، المحبة والمشاركة في الآلام، الدعم المادي، الدعم المعنوي لتجاوز المحن.