كيف ينتصر المؤمنون وإن هـــدد الكافـــرون ومكر الماكــــرون
أ. محمد مكركب/
لقد أخبر الله ورسوله بأن المؤمنين قد يتعرضون لاعتداء الكافرين، وقد يهدد الماكرون بما فتنهم الله به من قوة السلاح، ليخيفوا المؤمنين، فقد قال الله تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا. وَأَكِيدُ كَيْدًا. فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ وقال عز وجل: ﴿فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ولكن هذا المقال ليجيب عن جوهر السؤال: ما هي أسباب النصر؟، وكيف يثبت المسلمون ثبات العزة والكرامة، مهما بلغت قوة أعدائهم؟ وكيف يردون على تهديد الكفار بميزان العلم والمنطق والاعتبار؟ والكفار يلوحون بالقوة الرهيبة بأسلحة النار والدمار، وبما يملكون من الصناعات والقوت والدواء في نظر العامة من الناس؟ لقد طرحت هذه القضية منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بأن أحزاب الكفار قد أجمعوا أمرهم على قتال المؤمنين، وعلى أنهم كانوا يملكون القوت والسلاح. فكان الجواب: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ قالوا لكننا إن قاتلناهم منعوا عنا الغذاء والكساء والدواء!!! فكان الجواب. ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
فما هي أسباب النصر على المعتدين ولو ملكوا قوة شياطين الإنس والجن؟ وهذه الأسباب لاتتطلب في البداية أموالا طائلة، إنما تتطلب نية صادقة، وإخلاصا تاما، وعزما جادا، وإرادة قوية وذكية، في غير تردد ولا ارتياب، كما أمر الله تعالى. وهذا الذي نذكر به هو للمؤمنين الصادقين المتيقنين. أما غيرهم فلايؤمنون بكلام الله، ومن ثم فهم لايسمعون، ولايهتدون. أولا: قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ ومن كان الله معه لايخاف ولا يخشى قوة مخلوق مهما كانت، فمن من المؤمنين يشك في هذه الحقيقة؟ إذن فلنكن من المتقين. وبكل بساطة نجمع في وطننا علماءنا ويقولون لنا كيف نكون متقين. ثانيا: نقلع حِينا عن كل اختلاف ونزاع وتنازع، وإن كان يصعب على مستوى كل البلدان المسلمة لما في بعض الأنظمة السياسية من الأمراض المزمنة الخبيثة، فعلى الأقل على مستوى الوطن، لماذا لأن الله تعالى قال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وشرح هذه المسألة بوضوح يفهمه كل العقلاء، ولايعرض عن كلام الله ودعوة نبيه إلا السفهاء البلداء. قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: [إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا] (مسلم:2889) سبحان الله العظيم، ماذا يزيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الوعد وهذا التوضيح، يقول لكم أيها الحكام السياسيون، إن الله أعطاكم ووعدكم أن لا يصيبكم بسنة عامة، يعني إن لم نتنازع ولم نعص الله، لاتصيبنا أزمات اقتصادية أبدا، وأن لايتغلب علينا عَدُوٌّ أبدا، إلا إذا خالفنا وصرنا نظلم بعضنا، ونقتل بعضنا، ونخون بعضنا.
فأين ملوك المسلمين وأمراؤهم ورؤساؤهم من هذا الحديث الواضح وضوح الشمس؟ لما لم يستجيبوا لله ولا لرسوله. والله تعالى قال: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ والغريب أن بعض الحكام استجابوا للكافرين الذين يميتونهم معنى وحسا، ولم يستجيبوا لرب العالمين الذي يحيهم، وإن ماتوا شهداء، فلهم الحياة الأبدية في جنات النعيم؟!!!
وقال الله تعالى:﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ وأول قوة نعدها هي: الاستجابة لله ولرسوله، أول قوة يعدها الحكام المسلمون، أنهم يعملون بما أمر الله تعالى، ويُلْزِمُون الرعية بالعمل بما شرع الله لايخالفون أمره. أي: أول إعداد هو: أن نكون مؤمنين، متقين ليكون الله معنا، والله تعالى وعد بأنه ينصر المؤمنين. والله تعالى لايخلف الميعاد، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وقال عز وجل:
﴿وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فهل تعلمنا كيف نكون مؤمنين؟ لاتتسرع لتجيب خطأ، قلت: لنجمع العلماء الفقهاء الدعاة المخلصين، ونطرح عليهم السؤال، وما أجمعوا عليه عَمِلَ به الحكام. وتدبر وصية الخليفة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص، يقول فيها: {أما بعد فإني آمرك ومن معك من الجنود بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى العدة في الحرب،.. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما يُنْصَرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله، وطاعة المسلمين لله سبحانه، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عُدَّتُنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في العدة، وإن لم ننصر عليهم بإيماننا لم نغلبهم بعدتنا.} المبشرون بالجتة:780)
ثم لنعلم أيها الحكام أن الله ما خلقنا في هذه الدنيا إلا ليبلونا بالابتلاء والبلاء وشر الأعداء، فعلى المسلمون أن يتحدوا ويقفوا صفا واحدا وأن لايخضعوا لتهديدات ومساومات الكافرين، مهما كلف ذلك من التضحيات، وكأين من نبي قتل معه جماعات من المؤمنين، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ.} (مسلم:2865) بأن لايستسلم حكام المسلمين، لتهديدات الكافرين، وأن لايغتروا بمداهنتهم وإغراءاتهم، فليس في الكفر والشرك خير أبدا. وليحذر الحكام المسلمون مما حذر الله سبحانه وتعالى، ونهى عنه. بأن لايتخذوا بطانة من غير المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وأن لا يتخذوا الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم أولياء فلا خير في الكافرين، ولايريدون إلا التعب والمصائب للمسلمين. ﴿لَاتَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ فهذه توجيهات من القرآن والحديث بلغناها للمسلمين، لينتصروا على الأعداء المعتدين كما انتصر الأولون. ولن يفوز آخر هذه الأمة إلا بما فاز به أولها. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.