هل سيقود التهور الأمريكي إلى صدام عسكري مع الصين؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
أشعلت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان يوم الثلاثاء 2 أوت 2022 والتي دامت أقل من 24 ساعة أجواء التوتر واحتمالات الصدام بين أكبر قوتين في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية). ورغم الجدل والتحذيرات والتهديدات التي احاطت بزيارة بيلوسي الاستفزازية، فقد أصرت هذه الاخيرةعلى القيام بها مما يدل على أن الغطرسة الامريكية وعجرفة حكامها في التعامل مع بقية دول العالم أصبحت تشكل خطرا على الانسانية.وإذا كان الرد الأولي للصين على الزيارة الاستفزازية والمتهورة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي يبدو باردا ومتأنيا، فهذا لا يعني أن ملف الغضب الصيني قد أغلق نهائيا. فقد توعد وزير الخارجية الصيني بأن «الذين يسيئون للصين سيعاقبون حتما»، كما حذر الرئيس الصيني يوم 28 جويليه 2022 في اتصال مع الرئيس الأمريكي الذين يلعبون بالنار (الأمريكيين) بأنهم سيحترقون بها.
جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين إقليمي صينيا انفصاليا، وتعتبرها الولايات المتحدة دولة مستقلة على الرغم من موقفها المعلن الذي تعترف فيه بمبدا «الصين الواحدة» وهوالمبدا الذي تقره الشرعية الدولية وتتبناه منظمة الأمم المتحدة . ولكن منذ سنة 2016 تاريخ انتخاب الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنغ وين، تعززت النزعة الاستقلالية للجزيرة بمباركة وتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك أكدت نانسي بيلوسي خلال زيارتها لتايوان أن: «الولايات المتحدة لن تتخلى عن الجزيرة التي يحكمها نظام ديمقراطي وهي حليف رئيسي في السلام والأمن، ورائد عالمي في الديناميكية الاقتصادية ونموذج للحكم الديمقراطي وتعيش تحت التهديد الدائم لغزو من الجيش الصيني».
بعد مغادرة نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان، بدأ الجيش الصيني أكبر مناورة يتم تنظيمها على الإطلاق في محيط الجزيرة، أطلق خلالها عدة صواريخ بالستية في المياه المحيطة بتايوان. وقالت وسائل إعلام صينية إن المناورات جاءت ردا على الزيارة. المناورة العسكرية الصينية الكبيرة وغير المسبوقة جعلت المراقبين لا يستبعدون فرضية غزو صيني لتايوان التي تضم 23 مليون نسمة وتحويل منطقة المحيطين الهندي والهادي إلى منطقة اندلاع شرارة حرب عالمية ثالثة وصدام نووي قد يؤدي إلى دمار كوكبنا.
الولايات المتحدة الأمريكية وكعادتها في المسارعة بإلقاء اللوم على خصومها اعتبرت أن الصين استخدمت زيارة بيلوسي ذريعة لزيادة نشاطها العسكري، ومما يزيد في خطورة الوضع أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي وهي ثالث أرفع مسؤول في الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف باستفزاز الصين، بل أقدمت بعد تايوان على زيارة المنطقة منزوعة السلاح على الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية على رأس وفد الكونغرس. وتعهدت بالسعي لنزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، وقد أعاد الاستفزاز الأمريكي الموجه إلى كوريا الشمالية النووية المخاوف التي انتابت العالم في أزمة الصواريخ بكوبا سنة 1962.خصوصا أن كوريا الشمالية حذرت من أنها لن تتهاون مطلقا مع انتقادات الولايات المتحدة لبرنامجها النووي، وإنها لن تسمح بأي انتهاك لحقوقها السيادية.
بعد التهديدات المتبادلة بين القوتين العظميين في العالم وظهور مؤشرات امكانية حدوث صدام عسكري بينها نشرموقع «غلوبال فاير باور» المختص بالشأن العسكري للدول بحسب أحدث إحصائية لعام 2021 مقارنة بين القوة العسكرية الأمريكية والقوة العسكرية الصينية. تبين المقارنة تفوقا أمريكيا في القوة الجوية حيث يمتلك الجيش الأمريكي 13233 طائرة حربية، بينها 1956 مقاتلة، و761 طائرة هجومية، وأكثر من 945 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 2765 طائرة تدريب، و5436 مروحية عسكرية منها 904 مروحية هجومية.أما الصين فهي تمتلك أكثر من 3260 طائرة حربية بينها 1200 مقاتلة، و371 طائرة هجومية، كما يمتلك الجيش الصيني 902 مروحية عسكرية منها 327 مروحية هجومية.
وتتقارب القوة البحرية بين الطرفين، حيث يتكون الأسطول الصيني من 777 قطعة بحرية منها حاملتي طائرات، و79 غواصة، و50 مدمرة و46 فرقاطة و36 كاسحة ألغام.أما الولايات المتحدة الأمريكية،فيضم أسطولها البحري 490 قطعة بحرية منها 11 حاملة طائرات و92 مدمرة و68 غواصة، إضافة إلى 8 كاسحات ألغام.
وعلى صعيد القوة النووية فإن جيش الولايات المتحدة يمتلك 3750 سلاح نووي، في حين يمتلك الجيش الصيني قرابة 350 سلاحا نوويا وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.. وتبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الانفاق السنوي للجيش الأمريكي 740 مليار دولار أمريكي، بينما تبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الانفاق السنوي للجيش الصيني 178 مليار دولار أمريكي، هذا التباين في القوة العسكرية التقليدية والنووية وحجم الانفاق العسكري بين الطرفين لا يعني شيئا كبيرا في حالة حدوث حرب بين قوتين نوويتين لأن الدمار النووي سيشمل الجميع ولن يكون في حالة الحرب النووية رابح وخاسر لأن الكل سيكون خاسرا والدمار سيطال البشر والحجر والشجر.
خطورة الوضع جعلت العديد من المحللين والمتابعين يتساءلون عن مغزى وأهداف الزيارة الاستفزازية لرئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى جزيرة تايوان الانفصالية التي تؤكد السلطات الصينية بصددها أنها لن تتسامح إطلاقاً مع أي أنشطة انفصالية أو أي تدخّل لقوى أجنبية في سياسات الصين الداخلية.فالبعض يرى أن هدف نانسي بيلوسي من الزيارة كان مجرد مراهنة شخصية لاستقطاب الأضواء حول شخصها للحصول على مكاسب انتخابية في الانتخابات النصفية التي ستجرى في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نوفمبر المقبل. بينما يرى محللون آخرون أن الهاجس الرئيسي لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية هو اعتبارالصين منافساً حقيقياً للولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك يرون ضرورة منع بروز منافسين حقيقيين لبلادهم خاصة الصين حتى ولو تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية، ويشكل العداء للصين في الولايات المتحدة الأمريكية قاسما مشتركا بين الجمهوريين والديمقراطيين. وإذا كان الرئيس الامريكي السابق الجمهوري دونالد ترامب قد اختار أن تكون الصين هي العدو الأساسي والأول للولايات المتحدة وعمل على محاربتها إعلامياً وتجارياً وفي كل المجالات، فيبدو أن الأمر لم يتغير على المستوى الاستراتيجي مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطي جو بايدن ولذلك كان عدد من كبار شخصيات الحزب الحمهوري من بين المشجعين لنانسي بيلوسي على زيارة تايوان. في شهر جوان الماضي (2022) شجبت نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان ما أسمته «رغبة الصين في الهيمنة على العالم»،كما اعتبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن بكين تمثل التهديد الرئيسي للنظام الدولي.
في سنة 2010 صنفت الصين كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وبلغ الناتج الاجمالي المحلي للصين في هذه السنة نحو 9 تريليون دولار متفوقة بذلك على اليابان، وتنبأ بعض الاقتصاديين بأن الاقتصاد الصيني سيتفوق على الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 2030. يقول المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف: «الولايات المتحدة الأمريكية والدولار الأمريكي يخسران موقعهما الريادي في العالم، وهو ما يهدد الولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار والتفكك الداخليين. والفرصة الوحيدة لنجاة الولايات المتحدة الأمريكية هي بتدمير منافسيها عمليا باستخدام الوسائل العسكرية، حيث أصبح من رابع المستحيلات تحقيق ذلك بأي وسيلة أخرى. وكلما أسرعت الولايات المتحدة في القيام بذلك، كلما زادت فرص النجاح».