أعلام

ترجمة العلاّمة محمد بلقاسم بن محمد بنعزوز بن المختار الحدباوي الجلفاوي

أ. بلقاسم ضيف/

 

هو العلاّمة الفقيه الشيخ سيدي بلقاسم ويعرف أيضًا بمحمد بن محمد بنعزوز خليفة، وهو الابن الأكبر للعلاّمة سيدي محمد بنعزوز ابن العلامة الكبير سيد الحاج المختار ابن العلامة سيدي الخليفة بن بلقاسم وهو من سلالة الولي الصالح سيدي عيسى الناصري دفين إقليم الجلفة،

ولد سنة 1890م حيث تولى مشيخة الزاوية بعد وفاة والده سيدي محمد بنعزوز وذلك سنة 1924م ونُصْبَ شيخًا على الزاوية وتولى مقاليد التسيير بها وذلك لوصية شيخه العلاّمة سيدي أحمد الأمين حيث أوصاه بما يلي: ((…إلى ولدنا سيدي محمد بلقاسم فتح الله بصيرته ونور سريرته بعد أداء أتم التحية فقد آذنتك وألزمك بالجلوس في موضع والدك ـ رحمه الله ـ لتكميل ما هو شارع فيه من الدروس في الحديث والتفسير والفقه وغير ذلك وعلى الله الاعتماد في نيل المراد ولا تتراخى ولا تتوانى ولا تخف، ونسئل الله لك المدد والإعانة والتوفيق إلى أقوم طريق أمين…))، وقد عرفت الزاوية نشاطا وازدهارا كبيرين، وذلك مع إخوته العلاّمة الشيخ أبو إسحاق إبراهيم (ت 1963م)، والشيخ المختار (ت 1983م) ، والسيد أحمد (ت 1971م)، وقد بلغت حضور الطلبة في وقتهم ما يفوق 140 طالبًا للعلم، وقد قال فيه الشاعر مصطفى بن الشيخ المكي بن عزوز [من البحر الطويل]:


محمد فانهض للعمارة مخلصـــــــــــا  لتلقى لدى المولى ثوابك وافـــــيا
واحي علوم الدين لا تخش لائماً   وحافظ على الإخلاص لا تك لاهيا
وكان الشيخ سيدي بلقاسم كثير الإطلاع على الكتب والمجلات والجرائد،وذلك في مكتبة والده وجده العامرة، والتي أشار إليها المستشرق الفرنسي الجنرال “بيير جون دانيال أندري” في كتابه “مساهمة في دراسة الزوايا الطرقية”، تقديم: الوالي العام للمستعمر الفرنسي” جاك سوستيل: ((…توجد في بلدية عين اقلال زاوية أنشأها سنة (1868م) المقدم سي عزوز بن الحاج المختار يُدْعَى: سي بنعزوز بقرية قلتة السطل قرب بويرة الأحداب. إن ضريح الشيخ المختار بن خليفة موقَّر عند كآفة السكان ولخليفته محمد بن عزوز تأثير كبير على سكان بلدتي الشلالة وقصر البخاري وقسم من منطقة الجلفة، وإن شخصية الشيخ المختار بن خليفة وولده سي بنعزوز يحظيان بالإجلال والتقدير. وفي هذه الزاوية مدرسة بها أزيد من مائة طالب، ومكتبة بها أكثر من ألف مجلد مطبوع، و160 مخطوطا بعضها مخطوطات نفيسة، ولهذه الزاوية نحو ألف من الأتباع. ))، وقد توافدت عليها العلماء من كل أنحاء القطر الجزائري، والعالم الإسلامي،كالعلاّمة عبد الحي الكتاني الفاسي، حيث ذكر جده الحاج المختار صاحب جبل الأحداب وسنده في علم الحديث، وذلك في رحلته المسماة “الرحلة الجزائرية القيروانية التونسية”، والعلامة أحمد الأمين بن المدني بن عزوز التونسي في مجموع إجازاته التي جمعها الشيخ بنعزوز القاسمي الحسني، والعلاّمة إبراهيم صمادح العلقمي المصعبي النفطي التونسي الأزهري، والعلاّمة المكي بن عزوز دفين الآستانة بتركيا، والشيخ الحسين بن المفتي القفصي ،والعلاّمة محمد المغربي الفاسي،وهذا الأخير من علماء المغرب الأقصى (ت 1901م)، وتزوج من عرش الأحداب وقد دَرّسَ في الزاوية علم الفقه، وقرأ عليه مترجمنا سيدي بلقاسم خليفة، وأخوه سيدي إبراهيم خليفة ومات ودفن بالزاوية، وكان يتردد عليهم الشيخ العلاّمة أبن محمد أبو زيان السعيدي الحجاجي الندرومي، وهو أحد العلماء الذين نزلوا ودَرّسُوا علم المنطق في ربوع أولاد نائل، والعلاّمة الحسن بن عبد العزيز القادري التلمساني صاحب كتاب “النجم الثريا في المآثر العلاوية “، والعلاّمة المجاهد محمود الأرواني بابكر التنبكتي الذي زار زواية عين اقلال سنة 1957م، وهذا الأخير ذكر في رحلته إلى أقطار الجزائر علماء الجهاد في الجزائر، وقد نزل ضيفاً على أبناء زاوية عين اقلال ،وذلك في” القصيدة النونية الجكانية اللمتونية” حيث يقول في هذه القصيدة [من البحر الكامل]:
وعموم رأيي في الجزائر خلـــوة   إخوانهم كخمسة الأثمــــــــــان
والكل جاهد بالذي في طـــــوله  بالنفس والأموال كالطــــولان
كالقاسمي المصطـــــفي من هامل  شيـــــخ الشيوخ العارف الفنــان
أبناء عثمان جميعا جاهـــــــــدوا  في طولقة وأريس والمديـــــان
أبناء عزوز بأقلال فكــــم  إعزازهم للحق عــــزوزان
وهذه القصيدة طويلة ذكرنا منها هذه الأبيات.وكان الشيخ سيدي بلقاسم خليفة من مؤسسي جمعية علماء أهل السنة ومؤسسا بارزا ونشطا فيها، وقد نشر مقالا في جريدة “الرشاد” يحض فيه الملتقى الوطني الخاص بالزوايا الذي حضره في الجزائر العاصمة سنة 1939م، حيث حثهم على المضي قدمًا في دعم الزوايا من أجل الحفاظ على الرسالة المنوطة بها كتحفيظ القرآن الكريم وتعليم مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة وآداب السلوك، وكان يحضر مجالس علم الحديث،كختمة صحيح البخاري التي أقيمت في زاوية الهامل على يد شيخها العلاّمة سيدي مصطفى القاسمي بسنده إلى أبي الحسن الحفاف الجزائري وذلك سنة 1935م، وقد حضر هذه الختمة جُلة من العلماء كالعلاَمة الشيخ الحسين بن المفتي القفصي، والشيخ أحمد أبو داود الديسي، والشيخ محمد بن عزوز القاسمي، وسيدي الحاج عمر بن حرزالله، وسيدي الحاج محمد بن حيدش، بما يدل على اهتمام الشيخ سيدي محمد بلقاسم بالعلم والعلماء ومجالس الحديث.
يقول الشيخ أحمد أبو داود الديسي في مقال نشره بجريدة النجاح عن زاوية عين اقلال: ((… هذا السيد حفظه الله قد أمتاز في عصرنا بالعناية بتعليم كتاب الله ومباشرته، يرأس بدون اتكال على معلم ناصح ووثوق بقريحة متعلم ناشط صالح فكان بهذه العناية موضع إعجاب وإطراء ومحل ولاء وثناء، ولما كان التلميذ على الإطلاق في تحصيله بين باعثين قويين رغبة ورهبة ولا ثالث لهما فبسداد نظر الشيخ وأصالة رأيه جعل التلاميذ الذين يؤُمّون الزاوية لقراءة القرآن على طبقتين، فالصغار منهم عند ما يَتِمُّوهُ درس ألواحهم بجد واجتهاد بمكتب الزاوية عند معلمهم الأخ السيد سعد بن عبد الرحمن أحد التلاميذ المتخرجين من الزاوية القاسمية يدخلون المسجد لحضور صلاة الظهر خلف الشيخ، وبعدها يخرجون معه لداخل الزاوية لإعادة سرد كل واحد منهم لوحه عليه، والتلاميذ الكبار يعرضونها عليه بعد صلاة العصر ويزيد يختبرهم يوميا كذلك في الحفظ للكتاب العزيز بسرد ما يحفظونه منه عليه مناوبة بالمسجد المعمور قبل صلاة العشاء…)).كما كان الشيخ سيدي محمد بلقاسم يساعد الجمعيات كجمعية علماء المسلمين التي أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، وقد زار الزاوية السيد علي الشرفي الخنشلي، وقد أقام ليلة في زاوية عين اقلال، وهو مبعوث من طرف الشيخ البشير الإبراهيمي، وقد استضافه الشيخ سيدي محمد خليفة مع أخيه سيدي إبراهيم خليفة، وذكر لهم أن جريدة “البصائر” الناطقة باسم حال جمعية علماء المسلمين تحتاج إلى دعم مادي فكان الشيخ سيدي محمد ، وسيدي إبراهيم حاضرين لهذا العطاء المادي وقد منحهم مبلغا كبيرا، بحيث يدل على أن سيدي بلقاسم محمد، وأخاه إبراهيم كانت نظرتهما ثاقبة، لأن الكل يجاهد الاستعمار الفرنسي ، ومن بين طرائف ونكت سيدي محمد خليفة حين يسأل المجاهد بوسعد المختار بن العيد عن أحوال جبهة التحرير الوطني ،يقوله كيف حال الجبهة ؟، ويضرب بيده جبهة وجه، وقد ضايقته السلطات الفرنسية كثيرا حتى بلغ الأمر بالمستعمر الفرنسي أنه لا يزوره أحد من العروش التي تخدم الزاوية والذي له تأثير عليهم، فإن هذه الزيارة لا تتم إلاّ بإذن مكتوب من السلطات الفرنسية، وهذه العروش كانت من أتباع الشيخ سيدي بلقاسم خليفة وهي: عرش رحمان، عرش السحاري، عرش أولاد كاسر، عرش لمقان، عرش الدهيمات، عرش أولاد اعلان، وعرش أولاد معرف وغيرهم الكثير، وهذا يعني أن المستعمر الفرنسي أمر ودبر بمضايقته والضغط عليه، والتحذير من شيخ زاوية عين اقلال، حيث أرسل بعض المندسين والتابعين للمستعمر الفرنسي رسالة إلى شيخ الزاوية يحذره من تهييج القبائل على المستعمر الفرنسي حيث يقول في هذه الرسالة: (( … والمرام منكم أيضاً أن تنذروا من حولكم من الأعراب كي لا ينخرطوا في سلك المناوئين للدولة من حزب الزعماء فيؤول الأمر إلى انتهاك الحرمات كما فُعل بالناس الذين أوقدوا نار الفتنة بناحية “دلس” فأخرجت إليهم الدولة شرذمة من الجند فشتتوا شملهم وفرقوا جمعهم فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، وقال: ((الفتنة نائمة لعن اللهموقظها)) أو لفظ هذا معناه، فالجهاد بغير الإمام لا يجوز في ديننا فالقاتل والمقتول في النار فالحذر الحذر من الانضمام إلى هذا الحزب الذي أثار الفتنة حتى ارتطم الناس فيها فتفرقوا … وكتبت إليكم في 27 ماي المنصرم، والسلام)).
شيوخه
_ والده الشيخ سيدي محمد بنعزوز (ت1924م) قرأ عليه عدة علوم منها الفقه والحديث والتفسير وعلم التصوف._ الشيخ البشير بن ناصر العقوني (كان حياً سنة 1919م)، قرأ عليه مترجمنا علم الفقه.
_ الشيخ أبو القاسم بن الحاج امحمد الهاملي (ت 1346هـ) ._ الشيخ سيدي أحمد الأمين بن المدني بن عزوز(ت 1353هـ)، هو شيخه الأكبر بعد والده وقد أجازه في الطريقة الرحمانية وتولي مشيخة الزاوية. _ الشيخ محمد المغربي الفاسي نزيل زاوية عين اقلال ودفينها (ت 1901م)، درس عليه الشيخ سيدي محمد بلقاسم أيام والده سيدي محمد بنعزوز._ الشيخ إبراهيم صمداح المصعبي التونسي(ت 1940م)، من العلماء الذين نزلوا زاوية عين اقلال سنة 1337ه، واستفاد منه الشيخ سيدي محمد بلقاسم وسائر الطلبة._ الشيخ المدني بن أحمد بن عمر الطولقي الأزهري (ت1348هـ)وهذا الأخير أجازه _ الشيخ عبد الحي الكتاني (ت1382هـ) حيث أجازه إجازة عامة أيام نزوله بزاوية عين اقلال سنة 1367هـ.
شهادة العلماء فيه : قال عنه الشيخ الحسين القفصي: ((.. جناب العالم الرضي الفاضل الحبر الزكي سلالة الصلحاء الأفاضل صديقي الأعز… الشيخ سيدي محمد بن بلقاسم…))، وبعث له بأبيات يهنئه بعيد الأضحى وهي [من البحر الطويل]:
إليك تهاني الخل مشرقة النّحــــــــــــــر   بطلعة عيد الحج والموسم النحرِي
أخص فيها نجل ابن عزوز الرضي   محمد ابن القاسم الشامخ القــــــدرِ
قال عنه الشيخ أحمد الأمين بن المدني بن عزوز: (( …الصدوق الأصدق والودود الأشفق، الماجد الأكرم، والفاضل الأفخم الأبر الشيخ محمد بلقاسم أدام الله رعايته وأيد له عنايته أمين…)).قال عنه عبد الحي الكتاني: ((…الفقيه الفاضل خلف أبيه ومقتفيه الشيخ سيدي محمد بلقاسم بن الشيخ محمد بنعزوز…)) . قال عنه المدني بن أحمد بن عمر الطولقي: (( … العالم الفقيه الخير النزيه فلذة العلم والولاية ومن لأصوله الطاهري في ميدانها أرفع رايه، سيدي محمد بن بلقاسم بن الشيخ العارف بالله المنعم سيدي بنعزوز.
تلامذته
نجله العلاّمة محمد الصغير خليفة (ت 1987م) خريج جامع الزيتونة، وقد درس في جامع الزيتونة سنة 1937م، ورقم دفتره في جامع الزيتونة: 20066، والثاني نجله الشيخ مصطفى خليفة (ت2003م)، وقد وصفه الشيخ الحسين المفتي في أحد رسائله بالأديب الذكي النجيب وذكره الشيخ أحمد أبو داود الديسي في مقال كتبه عن معهد زاوية عين اقلال أنه من الذين ختموا القرآن الكريم مع رسمه سنة 1950م، والثالث: نجله بنعزوز خليفة (ت 2009م)، وهو كذلك من الفضلاء والذين اعتنوا بحفظ القرآن الكريم وصلى به صلاة التروايح في مسجد جده بزاوية عين اقلال وأحمد الأمين بن جلول حبوية (ت 1988م). والشيخ الحسين بوزيدي (كان حيا سنة 1343هـ).
آثاره
ترك الشيخ سيدي بلقاسم محمد بن محمد بنعزوز عدة آثار مقيدة في كنانيش، وتقييدات، وفتاوى، وقصائد بالشعر الملحون منها:_ ترجمة والده سيدي محمد بنعزوز _ مقالات نُشر بعضها في جريدة الرشاد/ وبعضها في جريدة النجاح. _ رسائل بينه وبين العلماء والشعراء والأدباء نقوم بجمعها وتحقيقها والتعليق عليها تقع في جزء كبير.
وفاته
بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد انتقل إلى جوار ربه الشيخ سيدي محمد بلقاسم بن محمد بنعزوز سنة 1964م، ودفن في زاويته بجانب المسجد ، فرحم الله الجميع وأسكنه فسيح جناته إنه ولي ذلك والقادر عليه وكانت جنازته مهيبة وقد حضرها كثير من العلماء ومشايخ الزوايا وبعض المجاهدين الكبار وأفاضل العروش والقبائل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com