الفتوى رقم:252/ محمد مكركب
الموضوع: لا يجوز بناء المساجد على قبور، ولا دفن ميت في المساجد.
السؤال: أقيم مسجد على مقبرة من خمس وأربعين سنة (45). وصلى فيه المسلمون خمس سنوات، ثم أراد أهل القرية توسيعه، فصدرت فتوى بعدم جواز الصلاة فيه، وللعلم ( يقول السائل) أن القبور قد نبشت من هذه المقبرة، وبقيت بعض القبور، والمقبرة قد اندرست، وهي قديمة، وبعضهم هجر الصلاة في المسجد، وتطور الخلاف. ما هو العمل في هذه المسألة؟ وهل يجوز نقل الميت بعد دفنه من مكان لآخر؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: الأصل في الدين أن المساجد لا تبنى على القبور المعلومة حقا، أي عندما يعلم أهل القرية الذين يريدون بناء المسجد ويعلمون أن في هذا المكان قبور لا يبنون عليه مسجدا، فإذا كان المكان خاصا للدفن أي إذا كان مقبرة حالية، يُترك المكان للدفن أي للمقبرة، ويبنى المسجد في مكان آخر. والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
وإذا كان المسجد مبنيا ثم أراد أحد أن يدفن فيه فلا يجوز ذلك أبدا، فدفن الموتى بالمقبرة حيث يدفن الناس، وأما المساجد فهي للصلاة وطلب العلم، لا لدفن الموتى. والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
قال السائل: أقيم المسجد على مقبرة قديمة قد اندرست، والقضية منذ خمس وأربعين سنة، وعلى حد سؤال السائل، أن ما كان من القبور الظاهرة في المسجد نُبِشت، ونُقِل ما بقي من عظام، والقبور غير الظاهرة وغير معلومة، أي غير مؤكدة، تدخل حكم العدم، فلماذا أحييتم اليوم هذه القضية مادمتم صليتم في المسجد كل هذه المدة وكنتم سألتم عنها غيرنا سابقا؟ وإذا كان قبل التوسعة بين قاعة الصلاة وبين القبور جدارا، أي إذا كانت القبور منفصلة ببناء عن مكان الصلاة فالصلاة صحيحة، إذا لم تكن القبور مقصودة، وكان المسجد كما قلت مفصولا عنها. إلا أن الأصل كما ذكرت سابقا أعلاه، فلا تقام المساجد على القبور، وإذا كان المسجد مبنيا فلا يجوز الدفن فيه. والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: إذا كان المسجد قريبا من المقبرة وكانت التوسعة تصل إلى فوق القبور فهذا لا يجوز، ولا يجوز، وتكون التوسعة إلى الجهة التي لا قبور فيها، وأرض الله واسعة. والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: نبش القبور الموجودة بالمقبرة لا يجوز ما دام فيها رفاة أصحابها. وإنما تنبش القبور التي دفنت في غير المقبرة، وكل ذلك لا يتم إلا باستشارة علماء المنطقة التي بها المسجد أو لحالة أخرى، فهم يعلمون ضرورة المصلحة، مما يجب وما لا يجب. والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: قال السائل: (وبقيت بعض القبور) قال الشيخ أحمد حماني مفتي الجزائر جوابا عن سؤال ورد إليه في السبعينيات من القرن الميلادي العشرين:( ونحن نرى أن كثيرا من الناس قد أقاموا المساجد على بعض قبور الصالحين…):[إذا كان من يتخذ المساجد على قبور الأنبياء ملعونا، فأولى وأحرى من يتخذ الأنصاب أو المساجد على قبورهم من الأولياء والصالحين. قال: وجاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن ابن عباس أن أصنام قوم نوح التي جاء ذكرها في قوله تعالى:﴿وَقالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾(نوح:23) هي أسماء رجال صالحين….قال: وقد غفل المتأخرون من المسلمين عن هذا التحذير، وخصوصا منذ عهد حكم الباطنية من غلاة الشيعة فبنوا المساجد والقباب على القبور، وغلوا فيها غلوا شنيعا.. وقال في الصفحة 517: من صلى عند القبر، أو في المسجد المتخذ عليه فقد صلى في مكان لعن من اتخذه مسجدا وشيد عليه معبدا ونصب فيه نصبا تمارس فيه طقوس شركية. والأجدر بالمؤمن الموحد أن يعبد الله مخلصا له الدين بعيدا عن مثل هذا المكان](فتاوى. الشيخ حماني.ج.2.ص:514) والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
خامسا: يجوز نقل جثمان الميت من قبره إلى مكان آخر إذا كان ذلك لغرض مشروع ولضرورة بالغة الحاجة شرعا، والسائل لم يذكر سبب النقل من قبر لآخر، هل هو لغرض المسألة المذكورة، أم لغيرها؟ والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
***
الفتوى رقم:253
الموضوع: حكم من تزوج إحدى المحارم ( أخته من الرضاع) ولم يكن يعلم.
قال السائل: تزوجت امرأة من بنات جارنا، وفق كتاب الله وسنة رسوله، ولم أكن أعلم أنها رضعت معي من امرأة. ثم جاء رجل فأخبرني أن أمه أرضعتنا نحن الثلاثة: أنا وهذه الزوجة التي تزوجتها، وهذا الرجل الذي أخبرني، وأنه وأمه لم يسمعا بزواجي من قبل، فما العمل؟ وإذا كان حمل من هذا الزواج الفاسد بمن يلحق الولد؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: هذا العقد فاسد، لأن الأخت من الرضاع يحرم الزواج بها، لقول الله تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً﴾(النساء:23)
والعقد الفاسد يفسخ حينا بعد التثبت، ولا إثم على المخطئ، ويفرق يبنهما، وتعتد في بيتها التي كانت تسكن، كسائر المطلقات، حيث يكون العقد غير صحيح، إذا خالف الأحكام الشرعية، كالزواج بالأخت أو إحدى المحارم، وكالزواج بزوجة الغير أو بالمعتدة.
وعقد الزواج الفاسد أو الباطل في العقود سيان، أي أن الباطل والفاسد بمعنى واحد، وإذن فالزواج الباطل أو الفاسد هو ما حصل خلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته، وهو كل زواج اتفق الفقهاء على عدم مشروعيته، كالزواج بإحدى المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة، وهذا هو موضوع الفتوى في مسألتنا محل الاجتهاد.
ومن الزواج الباطل على سبيل المثال أيضا: زواج المتعة، وزواج المرأة الخامسة، وتزويج المرأة نفسها بدون ولي. ويترتب على الدخول بالمرأة في الزواج الباطل: وجوب المهر، وثبوت حرمة المصاهرة بالدخول، أي: (بالوطء)، ووجوب العدة، ويبدأ حساب العدة من وقت الفرقة بينهما، وثبوت النسب للولد بأبيه إن كان العقد مختلفاً في فساده، وكذا إن كان متفقاً على فساده، كما يأتي بيانه في الفقرة الثانية إن شاء الله. ففي الرسالة:[ ولا نكاح بغير صداق ولا نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل ولا النكاح في العدة ولا ما جر إلى غرر في عقد أو صداق ولا بما لا يجوز بيعه وما فسد من النكاح لصداقه فسخ قبل البناء فإن دخل بها مضى، وكان فيه صداق المثل، وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى، وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح] والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: إن كان ولد من زواج فاسد لحق به عملا بالحديث:[ الولد لصاحب الفراش، وللعاهر الحجر]. إذا تمت الفرقة بين زوجين من زواج فاسد بعد الدخول، ثم حملت المرأة وولدت قبل مضي أقصى مدة الحمل من تاريخ الفرقة، ثبت نسب الولد من هذا الرجل. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.