الأمثال والأقوال الزراعية بالجزائر (مقاربة ميدانية) فصل الخــريف
أ. د. محمد عيلان */
أشهر فصل الخريف في حساب الفلاحين الجزائريين، ثلاثة:
(اشْتمبر/سِكْتَمْبَر)، توبر، نونَنْمبر). ويبدأ الفصل من 26 غشت إلى 26 نوننمبر.
الخريف فصل جني الثمار وحراثة الارض، ولا يقل نشاط الإنسان فيه عن فصل الصيف؛ إذ تكثر الفواكه كالعنب والتمر والرمان، وفاكهة الجبال التي تتأخر في النضج في فصل الصيف عن فاكهة السهول، ويستطيع الفلاح ببيعها الحصول على ما يلزمه من زاد ومن أدوات لفلاحة الأرض والاعتناء بها، ولذلك وصفوا الخريف بقولهم:
(فاكهة الخريف اثمار) وبما أن الخريف في الجزائر هو فصل بذر البذور وفلاحة الأرض فإنهم بوساطته يمكنهم معرفة ما قد يحدث في السنة كلها، ومدى استفادتهم منها، عن طريق التقويمات المختلفة. ومن ذلك تقويم (الرحل) في آخر غشت، حيث يضعون ليلا قطعة صوف على رأس عمود الخيمة الأكبر (القنطاس) وفي الصباح الباكر عند الفجر ينظرون في قطعة الصوف فإن كانت ندية استبشروا بأن العام مخصب في السهوب، وإن كانت غير نَدِيَّة؛ فالعام غير مخصب، ويقولون في الاستعداد لمواجهة هذه الظاهرة الأخيرة (اللِّي عَنْدُو غَارْ يْوَسَّعْ فِيهْ).
و (الحرث ادْوَامْ والصَّابة اعْوام) ادْوَام: بمعنى المداومة على الحرث في وقته. الصابة: ما يصيبه الإنسان من خير وفير في فلاحة الأرض، وليس بالضرورة أن تكون كل سنة، فقد تكون الصَّابة عاما بعد عام مثلا، بحسب الأمطار. إذ حين حلول فصل الخريف لابد من فلاحة الأرض، سواء أكان العام مخصبا أم مجدبا، فهذا تُنْبِئُ عنه أشهر الفصول التي تأتي بعد الخريف كما ذكرت سابقا، ويحثون على ذلك، حتى وإن أدت التقويمات التي يمارسونها إلى إشعارهم بجدب العام يقولون:(الله الخالق القادر يفعل ما يشاء).
وهناك علامات تنبئ عن السنة الفلاحية التي يترصدها الفلاح ويعطيها أهمية في زيادة ارتباطه بالأرض وإخصابها قولهم: (عَامْ لَجْلِيدْ احْرَثْ وَزِيدْ). ويكون ذلك بعد منتصف الخريف حين يصبح الندى متجمدا في الصباح من جراء انخفاض درجة الحرارة ليلا.
وفي الخريف تتحدد معطيات العام كله، ففيه تتحدد تقديرات السنة التي ستكون الصابة فيها وفيرة أم لا، خاصة في زراعة الحبوب القمح والشعير والذرة، ولذلك عبروا عنه بكلمة (العام)، جاء في وصف الفلاحين لفصول السنة قولهم: (الشتاء شَدَّة، والربيع منام، والصيف ضيف، والخريف هو العام)؛ نتيجة لما تبذله فيه من جهد وتعب من أجل الحصول على محاصيل وفيرة. ومعنى شدة أي أن أثره شديد على الإنسان والحيوان.
وقد يحثون على تجنب الحرث عندما يكون بعد منتصف الخريفِ ممطرا بصفة مستمرة، وتصبح الأرض أوحالا، عندها يرون أنه خير للإنسان أن يضع أمواله في الدَّيْن ولا يضعها في الطين فتموت البذور ولا يجني الفلاح من ذلك شيئا، قالوا: (لُوحْهَا في الدَّيْن، ومَا اتْلُوحْهَاشْ في الطِّينْ) لوحها: اجعلها. الدَّيْن: الإعارة، أي تصبح دائنا لغيرك أفضل من أن تصبح دائنا للأرض في هذه الحالة.
بهذا نكون قد رصدنا جانبا من ثقافة فلاحي الهضاب العليا الجزائرية عن المناخ ورصد التغيرات التي تحدث خلال الفصول ونشاط العامة فيها، وأثرها عليهم وعلى فلاحتهم وعلى مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية. ولذلك قالوا عن السَّنَة وعن علامات ازدهار الحياة الاقتصادية فيها، واصفين الظروف المناخية الطبيعية:
(العام المسعود نُعْطيك دْلَايْلُه: في الليل اتْبَات اتصب وفي النهار تحمى اقْوايْلُه). العام المسعود: الذي يعود بالسعادة والخير على الفلاح. دْلَايْلُو : دلائله. تحمى قوايله: كناية عن انجلاء السحب وصفاء الجو.
لقد اكتفيت بما ذكرته، رغم أن ما لديَّ مما جمعته من معلومات عن المناخ والتقاليد والعادات التي تمارس في هذه الفصول كثير، وكذا في مجال اللباس والطعام، وتقاليد مواجهة الأمراض التي تظهر خلال الفصول وكيفية علاجها، كـ (البوحمرون) المسمى بالأمازيغية (بوزقاغ) أو التقاليد في علاج الحيوانات. ستكون لنا بمشيئة الله مقاربة عن: المعارف الطبية في الجزائر مرحلة ما قبل الطب الحديث.
أ . د . محمد عيلان
ailafolk@hotmail.com
كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية
جامعة باجي مختار ــ عنابة