إن الموعد لقريب… / كمال أبو سنة
مرت ببيت المقدس عبر الأزمان محن كثيرة ولكن في كل محنة يجعل الله له منحة فيأتيه الفرج بعد الضيق، وكم من متسلط حاول غزوه وأسره فأبى الله بعد أن ظن الغازي الظالم أنه قد استقر وتمكن إلا أخذه أخذ عزيز مقتدر بأيدي عباده الصالحين أولي البأس الشديد…
لقد تعرضت القدس عبر العصور للغزو والتخريب على يد “الفراعنة” و”اليهود” و” الآشوريين ” و”البابليين” و”الفرس” و”اليونان” و”الرومان” إلى أن دخلها المسلمون فاتحين صلحا عام 636م في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبقيت القدس مدينة للسلام تحت ظل الخلافة الإسلامية إلى أن جاء اليوم الذي احتلها فيه الصليبيون المتوحشون الذين أسالوا دماء سبعين ألف مسلم في أرض القدس، واستمر وجودهم في هذه البقعة المباركة قرابة تسعين عاما إلى أن حررها القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ثم سهَّل البريطانيون للصهاينة تأسيس دولتهم التي قامت على شطر منها سنة 1948م، بعد مجازر نفذتها عصاباتها الهمجية الإرهابية في حق سكان فلسطين، وفي مطلع سنة 1950م أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإرهابي بن غريون بأن القدس عاصمة الدولة العبرية، واكتمل سنة 1967م الاحتلال اليهودي بضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسها مدينة القدس؛ وها هو التاريخ يعيد نفسه فيقوم الرئيس الأمريكي ترامب متحديا العالم كله بإعلان القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني ظنا منه أنه بذلك قد أقر أمرا لا يتبدل، ولا يتغيّر ومكّن الصهاينة من حلمهم الذي رسموا حدوده من النهر إلى النهر..!
إن قضية فلسطين بشكل عام لن يحلها “غصن الزيتون” ما دام الاحتلال الصهيوني يحمل في يده الرشاش، وصدق الإمام الشيخ الإبراهيمي رحمه الله، عندما قال في مقال بعنوان: (تصوير فاجعة فلسطين) نشره في جريدة البصائر العدد 5: “أيها العرب، إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست حقوق العرب فيها تُنال بأنها حق في نفسها، وليست تنال بالهوينى والضعف، وليست تُنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تُنال بالتصميم والحزم، والاتحاد والقوة. إن الصهيونية وأنصارها مصممون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه.
وكونوا حائطا لا صدع فيه
وصفًّا لا يُرقَعُ بالكسالى
نحن المسلمون نملك عقيدة راسخة لا تهتز أبدا، وهي أن الكيان المزروع في الأرض المباركة “فلسطين” سيزول حتما من الوجود، طال الزمن أم قصر، بدليل، القرآن والسنة، فربنا يبشرنا بأن بيت المقدس طال الزمن أو قصر لا بد أن يتحرر حين تتهيأ أسباب النصر المبين ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً{4} فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً{5} ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً{6} إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً{7} عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً{8}. [الإسراء: 4/5/6/7/8/].
أما في السنة المباركة فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهوديّ وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهوديٌّ خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود”.
فبنو إسرائيل بمساعدة أمريكا قد عادوا إلى التجبر والإفساد في الأرض، وسيبعث الله عز وجل إليهم من يكسر شوكتهم، ويحطم غرورهم، ويسوء وجوههم، وإن الموعد لقريب بإذن الله.