في رحاب الشريعة

إخـــلاص المتيقنين العاملـــين في سبيل رب العالمــــين

أ. محمد مكركب/

 

المؤمن المتيقن الصادق في إيمانه يستجيب لبيان الخطاب التكليفي، لايعرف العناد ولا التسويف، ولا التردد في الامتثال، فإذا سمع النداء والأمر بالأداء بادر بالإنجاز وتمام الوفاء، إنه المتيقن المخلص في دينه، يمتاز بخصال الإحسان وفعل التمام بشعب الإيمان، طريقه نحو الحق والخير والجمال،. لايحيد عن ظاهر الخطاب الإلهي، فإن سلوك المتيقن منضبط مع نص الآية أو الحديث. أيها القارئ الكريم، أيها الأخ المؤمن المتيقن، أيتها الأخت المؤمنة المتيقنة، هل تدبرنا هذه الآية؟ وعملنا بها؟
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة النور:51)
والغاية من هذه الرسالة في هذا البحث أن نكون أنا، وأنتَ، وأنتِ، وجميع المؤمنين والمؤمنات، في مقام المتقين المتيقنين الذين يمثلون الانتماء الحق للإسلام، استجابة، وصدقا، وأمانة، ووفاء، وإتقانا، وإنتاجا. هل نحن متفقون؟ أجل، نحن متفقون على أن نكون في مستوى رسالة الإسلام، إيمانا، وعبادة، وعملا، وأخلاقا.
أولا ماهي علامات المؤمن المتيقن؟ يكون في الصف الأول في الصلاة، ويكون في الدقيقة الأولى في وقت العمل، وهو الذي يصل الأول إلى مكان الندوة، أو مكان الاجتماع، أو مجلس أي لقاء. هل تستطيع أن تكون الأول؟ إذا لم تفعل عن عمد أو إهمال، فلست من المتيقنين،.
ونسوق في هذا المقال ثلاث مسائل، منها: أمران يخصان الدعوة إلى العمل، وإلى أبواب الخير، ونجد غير المتيقنين لايستجيبون، لقلة أو انعدام اليقين عندهم،!! والمسألة الثالثة تخص النهي عن معصية، نهى الله تعالى عن معصية كبيرة ونجد غير المتيقنين يفعلونها ولا يبالون.!!! أما المؤمن المتيقن فلا يفعلها. وهي فسوق الغيبة والسخرية بالناس.
فإليكم هذا الحديث. (كمثال في موضوع اليقين) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر] (البخاري:881) فهذ الحديث يخص الدعوة إلى الصلاة، في الساعة الأولى، فكم هم المؤمنون الذين يعملون بهذا التوجيه النبوي؟ وأترك لك التعليق. فالمتيقن حتما فإنه يأتي في الساعة الأولى، إذا لم يمنعه مانع، إذ يستحيل أن يسمع بهذه البشارات النبوية، تبشر المبكرين إلى الجمعة بهذا الخير ويحرم نفسه منه. فلو قلت لأي إنسان: لك يوم في الأسبوع يأتي الناس إلى مكان، ومن كان الأول له قيمة بعير، أو قيمة بقرة، فما تخلف أبدا، إلا إذا منعه مانع، بقوة قاهرة.
والأمر الثاني الذي يخص الدعوة النبوية إلى مجالس العلم، كالندوات، والمحاضرات، والملتقيات، وحلقات الدروس العلمية في المساجد. وتعالوا لنتدبر هذا الحديث. عن عقبة بن عامر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال:[أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ] (مسلم:251/803) (يغدو) أي يذهب في الغدوة وهي أول النهار، كمن يغدو في طلب العلم النافع في أي مكان،. و(بطحان) اسم موضع بقرب المدينة و(العقيق) واد بالمدينة (كَوْمَاوَيْنِ) الكوماء من الإبل العظيمة السنام.
لقد نهى الله تعالى عن الفسوق والعصيان ومنه: السخرية والاستهزاء بالناس، ونشر الكلام الذي يفضح ويقدح ويؤذي المؤمنين، إنه عمل السوء الذي ينشرونه خوضا في شخصيات الناس، وقدحا في أعراضهم، وإطالة ألسنتهم بالسوء، عبر الفاسبوك، ومواقع الفساد، وفي بعض الجرائد، وبعض القنوات، الممدة بالفتن.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات:11)
إن النداء في هذه الآية الكريمة للمؤمنين المتيقنين الكرماء، الذين يقولون سمعنا وأطعنا، الذين يحبون لإخوانهم ما يحبونه لأنفسهم، والذين يعلمون أن إخوانهم هم كل المؤمنين الموحدين الذين يصلون معهم، ويصومون كما يصومون، لأنهم يؤمنون بقول الله تعالى.
﴿فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة:11)
﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ السخرية الازدراء: ومعنى ازدراه: استخف به، وسخر منه، واحتقره، وأبخسه. والمفروض أن المسلم يُكرم أخاه، ويُعِزُّه، وينصره، وإن أخطأ يعينه على التخلص من الخطأ، ويستر عليه، ولا يعين عليه باللوم والنصائح الفاضحة، والمسمومة أحيانا، فكم من مدع أنه ينصح وهو يفضح.
فمن حقوق المؤمنين، بعضهم على بعض، أن لا يسخر قوم من قوم، ولا عالم من عالم، ولا حاكم من حاكم، ولا مفكر من مفكر، ولا فرد مهما كان من فرد، ولا امرأة من امرأة، تحرم السخرية بكل كلام، أو قول، أو فعل، مما يدل على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك الاستهزاء والسخرية حرام، والساخر الذي يطيل لسانه في إخوانه بما لايرضاه لنفسه دال على إعجاب الساخر بنفسه، وقد يكون الذين يسخر منهم خيرًا منه، وحيث إن السخرية أصلا، لا تقع إلا من قلب مريض، ممتلئ بمساوئ الأخلاق، وفي الحديث: [بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم] والحَقْرُ: الذِّلَّةُ. من فعل: حَقَرَ يَحْقِرُ حَقْراً وحُقْرِيّةً. والحقرية على زنة سخرية. والاحتقار: الاستصغار. ومن احتقر غيره، استخف به، ازدراه، وعابه، وذمه، واستهان به.
فإذا سمعت أو قرأت عن أحد مهما كان يتكلم في الناس بما يؤذيهم فاعلم أن قلبه مملوء بالشر، حتى فاض على لسانه بالحقارة والسفاهة، والخسة والدناءة. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ والمعنى: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار. قال الله تعالى:﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ وفي كتاب العين: {والهَمّاُز والهُمَزَةُ: من يهمز أخاه في قفاه من خلفه بِعَيْب. واللُّمَزَةُ: في الاستقبال} (4/17) وفي كتاب جمهرة اللغة: {واللَّمْز من قَوْلهم لَمَزْتُه بِكَذَا وَكَذَا، أَي عِبته أَو لقّبته وَمِنْه الهُمَزَة واللُّمَزَة، فُسِّر فِي التَّنْزِيل يلمِز النَّاس ويهمِزُهم، أَي يَقع فيهم وينال من أعراضهم. وَأنْشد أَبُو عُبيدة وَذكر أَنه المغتاب:(إِذا لَقِيتُك عَن شَحْطٍ تُكاشِرني … وَإِن تغيّبتُ كنتَ الهامزَ اللُّمَزَهْ)} (2/827)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com