نحو أفق أمثل وأنجع ..لملتقيات الجمعية/ د. حسن خليفة

تحدثنا في “شعاع “الأسبوع الماضي عن الفوائد المجتناة من الملتقيات التي نظمتها وتنظمها الجمعية، بين آن وآخر،وأشرنا إلى أن أبسط ما تمّ تحقيقه منها إنما هو إطلاق الحراك الثقافي والفكري الواسعين، في إطار المراكمة الإيجابية النافعة، في مجالات الدعوة والتوجيه والإرشاد والثقافة والفكر، وقد تحقق ـوالحمد لله ـ من ذلك الكثير، ولكن ذلك كله لا يمنعنا من الحديث عن الجانب الآخر، وهو الجانب المتصل بالنقائص والسلبيات ذات الصلة بموضوع الملتقيات تحديدا، على أمل للاجتهاد ـبإذن الله تعالى ـ على تلافيها مستقبلا، مما يصبّ في تعزيز وتعظيم هذا الحقل من حقول الحركة والعمل في الجمعية .
- إن أهم ما يستوجب التوقف، في هذا الخصوص، هو تعذّر تحقيق مراد (هدف) مهمّ وذي نفع وهو طبع الأعمال ؛ فعلى كثرة الملتقيات وتنوّع موضوعاتها وتعدد محاورها ـوهي ذات أهمية في مجموعها ـ …لكن لم تتوفّر لملتقيات الجمعية تلك الفضيلة الكريمة الرائعة وهي العمل على طبع المحاضرات والمداخلات، بل وحتى التعقيبات والاستفسارات ، بما يحفظ ويوثق كل أمر له صلة بالملتقى، وقد كان هذا شأنا حرصت عليه وزارة الشؤون الدينية في ملتقيات الفكر الإسلامي التي جرت في السنوات السابقة ، على مدار أكثر من عشرين عاما كاملة؛ حيث تم طبع أعمال كل الملتقيات ،دون استثناء، وكانت أعمال كل ملتقى ـسابق ـ تُوزع في الملتقى اللاحق وجوبا، في سياق معرفي علمي نابض بالفكر والحيوية، ويشهد على تميز المنهجية التي كانت تحكم تلك الملتقيات الرائعة. ومقتضى الحال أن تهتم الجمعية بهذا الشأن الخاص بنشر أعمال الملتقيات صيانة وحفظا وزيادة في نشر الخير، وإيصالا للفكر إلى كل أنحاء الدنيا، وهذه هي الدعوة في أصلها: إبلاغ وتبليغ ونشر وبثّ وتوزيع وترويج على امتداد الزمن ، وفي كل الأمصار، فالملتقى لا يهمّ من حضروا فقط، بل يهمّ كل من يعنيهم شأن الفكر والدين والدعوة والإيمان .ولعلنا نقول أيضا كلمة في هذا السياق المتصل بالنشر، ونعني به إغفال وإهمال بثّ ما يُسجل كتوثيق مصوّر(سمعي ـ بصري )، والمفروض الحرص على إذاعته ونشره، لأهميته في تعميم الخير والنفع وإيصاله إلى جمهور عريض متعطش.
- الأمر الثاني الذي يبدو لي ذا أهمية هو النقص الملحوظ في “التأطير” وأعني به هنا خاصة ما يتعلق بالأساتذة والباحثين؛ فكثيرا ما يحضر العدد الطيب الكبير من الأساتذة كمدعوين ومحاضرين ومشاركين لإلقاء مداخلاتهم وورقاتهم العلمية والبحثية، ويُكتفي بذلك في العادة، والأصل هو العمل على إيجاد فضاء للتداول الفكري والعلمي بين الأساتذة أنفسهم وبينهم وبين منتسبي الجمعية وإطاراتها، على هامش الملتقى أو الفعالية الفكرية أو الثقافية ، وذلك سيعمّق العلاقة أولا، ويثريها ثانيا، ويدفع إلى مزيد من التعاون الوثيق ثالثا، فضلا عن إمكان بلورة مشاريع فكرية وثقافية ،من خلال جلسات تجمع كل أولئك المحاضرين مع بعضهم، ومع أساتذة مشاركين، ومع إطارات الجمعية .وهذا أمر بالغ الأهمية في إنتاج وتقديم “قيمة مضافة” حقيقية .ويتصل بهذه النقطة العمل بحرص على لقاء جميع الأساتذة في جلسات ليلية لمناقشة فكرة أو طرح في أي شأن مركزي ذي صلة بهموم الأمة و المجتمع لإيضاح الرؤية وتقديم الأوفق والأمثل من الآراء والطروحات، فاجتماع تلك العقول الكبيرة والمتعددة المشارب، الموفورة العلم والمعرفة..قادر ـبإذن الله ـ على تحقيق، ولعل ذلك يكون مفيدا إذا قُيدت الأفكار وإديرت الجلسات بطريقة علمية سلسة، وبصراحة تامة. ولا ننسى هنا القول: بأن هنالك تلك المنفعة التنظيمية وهي استقطاب تلك الكفاءات والعقول، للانخراط العملي في مجال خدمة المجتمع من خلال فضاء الجمعية. فالواجب يقتضي الاهتمام بهؤلاء وتعريفهم بشكل أفضل بالجمعية ومقاصدها في الخير والإصلاح والعمل والدعوة.
- مما يمكن تسجيله أيضا في هذا السياق السلبي افتقاد الملتقيات إلى صيغ أخرى غير الإلقاء المباشر، مع أن هناك إمكانية لوجود “ورشات” تحليلية تكون أكثر دقة وأقوى من حيثُ مراعاة المقاربات المتخصصة في المسألة محلّ الطرح والمدارسة.وعادة تكون الورشات بغرض الخروج بخلاصات عملية في أي شأن أو قضية؛ خاصة إذا كانت محاور الملتقى ذات علاقة بجوانب الحياة: الأسرة، العقيدة، الإعلام، العمل الخيري، الدعوة والخطاب الديني، التحفيز ..الخ.هنا تبدو الحاجة إلى صيغ إجرائية عملية تبيّن كيفيات الخروج من المشكلات وتعطي الحلول المطلوبة لها.
- من النقائص الملحوظة والمتكررة أيضا خلوّ ملتقياتنا في الجمعية ، وفي سائر الفضاءات الأخرى في وطننا، العمل على معرفة “رجع الصدى”، وأبسط ما في الأمر هو توزيع استمارات مُعدّة بشكل علمي ومنهجي تستفسر وتستنطق المشاركين في عمومها حول ما لاحظوه وشعروا به وتحققوامنه من ملاحظات إيجابية أو سلبية، في مختلف مناحي النشاط : التنظيم، الجلسات العلمية، النقاش العلمي، الوقت، الإيواء، الموضوعات المطروحة للنقاش الخ…وسيسمح ذلك بمعرفة الجوانب الجيدة في الملتقى فتُعضد وتُقوّى ويُحرص عليها مستقبلا، وأيضا الجوانب السلبية والتي ينبغي معرفة كيف وقعت، والحرص على اجتنابها مستقبلا. وهذا أمر بسيط ولكنه بالغ الدلالة فيما يتعلق بالمراكمة الإيجابية والبناء على أسس صحيحة في أنشطتنا وفعالياتنا.
- إدارة الوقت…من النقائص الملحوظة ـ باستمرارـ التعثّر في مسألة إدارة الوقت والتحكّم فيه، وتكاد تكون هذه معضلة حقيقية كثيرة الضرر سيئة السمعة؛ فمن غير تحكّم حقيقي في الوقت تذهب الكثير من الجهود أدراج الرياح ولا سبيل إلى ملتقيات ناجعة وناجحة ومتميزة إلا بإدارة أجود للوقت، من حيث إعطاء الموضوع حقّه طرحا ونقاشا ومساءلة، ومن حيث احترام الآجال التي تبدأ فيها الجلسات وتنتهي ،وأيضا من حيث إعطاء المجال لكل من لديه ـ حقيقة ـ ما يفيد به.والاقتراح العمَلي ـ فيما أعتقد ـ هو التقليل من المداخلات ، والإكثار من التعقيبات (المشاركات) من المختصين ذوي المستوى العلمي والدعوي، مع أهمية التحضير للأمر بإطلاعهم مسبقا على المحاضرة .وربما هناك أشكال أخرى كالاكتفاء بمحاضر وحيد أو محاضرين في مسألة مهمة وفسح المجال للنقاش الحرّ المسؤول ، أو ربما يكون الأمر أفضل في حال التوجه نحو “المناظرات” والحجاج والطروحات والطروحات المضادة..وحينئذ سيكون الأمر غاية في القوة وتقدم الجمعية نموذجا فريدا في باب اللقاءات الفكرية والثقافية .
6- من النقائص البارزة في كثير من ملتقياتنا ضعف التنظيم، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على سير وإدارة الفعالية إرباكا وارتباكا وارتجالا، ولعل الأنجع في هذا هو البحث عن طريقة يتم بموجبها تعيين “لجنة دائمة “لإدارة الملتقيات والفعاليات الدولية والوطنية، تلتقي فيها كفاءات الجمعية المتعددة في: التنظيم، والإدارة، والجانب العلمي، والاتصال والعلاقات مع المحيط، والإعلام والنشر والإشهار، والمالية..الخ ..نسأل الله التوفيق .