كلمة حق

رحلة نهريـــــة

أ د. عمار طالبي/

 

زارني الصديقان الأستاذ مبروك النوسي والأستاذ الطيب الحديدي، يوم الخميس 30 جوان 2022 بعد الظهر، انتقلا من باريس إلى المنزل الذي أقيم به بقرية Bretry suroise عن طريق القطار من محطة الشمال، فذهبت معهما قاصدين باريس عن طريق القطار، فنزلنا بمحطة القطار الشمالية، واتجهنا إلى مطعم للغذاء، فاختار كل منا ما يشتهيه، من مختلف الأطعمة والفواكه، تكرما وضيافة منهما، أكرمهما الله تعالى، وشكر لهما صنيعهما، مررنا على شارع شانزيليزي، وقوس النصرية، فأخذنا سيارة أجرة متجهين إلى مرسى المراكب التي يتجول بها السائحون وغيرهم على نهر السين، ولما أبصرته ذكرني بأولئك الشهداء الجزائريين الذين قذف بهم فيه غرقا في تلك المظاهرة السلمية، فوقعت مجزرة، ورمي ببعضهم في النهر حيا أو ميتا في مدينة تدعى أنها مدينة النور والحرية والمساواة والاخوة، ولاحظت على ضفاف هذا النهر عمارات شامخة تعود إلى القرن التاسع عشر، فشاهدنا على ضفافه مباني حكومية مثل وزارة العدل وغيرها تعلوها أعلام فرنسا، وما يزين هذا النهر والعمارات من أشجار، وخضرة، وكنا طوال مسير المركب المليء بالركاب، تحيط بنا البهجة، ونتداول الأحاديث والذكريات القديمة، حلوها ومرها، إلى أن وصلنا إلى برج إيفل الشاهق في الجو بهندسته وعلوه، وزخارفه، ومطعمه، ودامت هذه الرحلة ساعة.
إن الأستاذ مبروك كان زمن نوقشت رسالتي للدكتوراه في جامعة الجزائر جوان 1971 من الذين اجروا معي حوارا في شأن هذه المناقشة، ونشر ذلك في ذلك العهد أما الأستاذ الشيخ الطيب الحديدي فهو من خريجي معهد العلوم الإسلامية، بجامعة الجزائر والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وعانى ما عانى في رحلته الشاقة من طرابلس إلى القاهرة إلى السودان إلى جدة إلى المدينة المنورة، ولاقى عنتا من سفارتنا بمصر، وإن كانت سفارتنا من طرابلس ساعدته، وهو وزميله طالبان لا مال لهما ولا زاد ولكن عزيمتهما حديدية أو أقوى، وساعدهما في السودان بعض المحسنين قطع بهما البحر الأحمر.
كان يدير معهد الغزالي بمسجد باريس وهو الآن يعاني من مشاكل إدارة هذا المسجد التي لم تقدر جهوده منذ ثلاثين سنة، وهو يعمل باجتهاد وجد، وإني أعرفه منذ أن كان طالبا بالجامعة، وإني أعجب من بعض الجهات عندنا يرمون بالصالح المجد، ويختارون السيء إن لم يكن أسوأ ما يكون.
ثم لما نزلنا من المركب اتجهنا إلى محطة القطار الشمالية من جديد، وكانت مواعيد القطار الذي يتجه بنا إلى قريتنا، مضطربة نظرا لوجود الأشغال في الطريق إلى منزلنا، وكانا يجتهدان أن يجدا لي سبيلا إلى القطار، وهما يتحركان من جهة إلى أخرى من أجل شراء التذاكر، ومن أجل الاستعلام عن هذا القطار، وقد مضى وقت في البحث والسؤال، وأنا في انتظار النتيجة، وأخيرا ركبنا ما توفر من قطار، لكنه لا يسير مباشرة إلى المنزل، وإنما يتطلب أن نغير من محطة إلى أخرى، والليل يهاجمنا، فقطعنا المسافة إلى المحطة التي يجب أن ننزل منها، وهتفنا إلى صهرنا محمد جلاد، ليأتي إلينا بسيارته، فأتى في الساعة الثانية عشرة من الليل، وكان قد أسعفنا في استعمال التلفون شاب جزائري اسمه حميد، وهو شاب لطيف وكريم، إذ أن هاتف الشيخ مبروك قد انطفأ، ومعه رقم تلفون صهري، ثم فتح الله وعثرنا على الرقم، واستعملنا تلفون هذا الشاب وتمت العملية، وبقي معنا هذا الشاب إلى أن وصل صهرنا، ولم يساعدنا الشاب حميد وحدنا بل ساعد أيضا أحد المغاربة في الذهاب إلى مقصده أيضا، فشكرنا سعيه وودعنا، كما ودعني الأستاذان مبروك والطيب بحرارة، وقد تعبا من أجلي وصرفا كل ما يلزم في الرحلة، وأنت لا تعجب إذا كنت مسافرا، واحتجت إلى المساعدة، فإن أي جزائري تلقاه يهب لمساعدتك فورا، وهذا شان الكرام أصحاب الهمة العالية، والحمد لله رب العالمين أن وهب للجزائر هؤلاء الكرام البررة أصحاب النجدة والتعاون على البر والتقوى.
وقد زارني في هذا اليوم الأستاذ الصادق سلام، وأتى بعدد من الكتب هدية منه ومودة، ولم يجدني في المنزل فترك هذه الكتب، وانصرف عن طريق القطار.
هذا كان يوم الخميس 30 جوان 2022، بقيت بالمنزل ثم من الغد ذهبنا أنا وابنتي وزوجها إلى عشاء في مطعم تناولنا ما يسمى بالبيتزة، وكنا قبل ذلك ذهبنا إلى مدينة بها مطعم تركي تناولنا فيه الكباب وغيره من الأطعمة التركية اللذيذة.
وفي يوم 02 جويلية 2022 اتجهنا إلى المطار، أنا وابنتي وصهري، وهو مطار شارل ديغول، فوصلنا الساعة الخامسة فأخبرنا أن شبابيك التسجيل في الخطوط الجزائرية لا تفتح قبل السابعة بعد الظهور، فانتقلنا إلى سوق قريب من المطار وأخذنا قهوة ومرطبات، ثم عدنا إلى المطار فوجدنا صفوفا متراصة فأخذت ابنتي دورها في الصفوف، وطلبنا كرسيا متحركا ليساعدني في الوصول إلى قاعة الركوب، ولكن لما وصلت للمسؤولة في التسجيل قالت لها أنا موظفة جديدة لا أعلم هذه الإجراءات، فأحلنا إلى أخرى فاعتذرت وانصرفت لأن وقت عملها انتهى، فاضطررت أن أتجه إلى المسؤول عن تنظيم الصفوف ورجوته أن يتدخل فجاء وأمر سيدة أخرى أن تقوم بالإجراءات فتمت، وانتقلنا إلى قاعة أخرى توجد بها هذه الكراسي المتحركة، وبعد مدة جاء من يسوق بي للمرور على الشرطة، والجمارك، والغريب أن المسؤول عن تفتيش المسافرين أنه طلب إلي أن أنزع الحذاء والحزام، ثم فتشني بوضع يديه على كل أجزاء جسمي بحرص شديد.
ثم خلصت من هذا الصراط، واتجهنا إلى قاعة الركوب وكانت في آخر المطار شمالا رقم 37، فانتظرنا إلى أن أذن لي ركوب الطائرة، فكان الكرسي رقم 11 هو المعدّ لي، فانطلقت الطائرة بنا لمدة ساعتين تقريبا، وفي أثناء الطيران، قدم لنا طعام عبارة عن مقرونة ودجاج، مع ماء.
قربت الطائرة من شاطئ البحر واضطربت لسوء حال الجو، ولكن الله سلم وهبطت الطائرة بسلام.
كان طاقم الطائرة أخبر بأني في حاجة إلى مساعدة بكرسي متحرك، فطلبوا مني أن أجلس وأنتظر حتى خرج كل الركاب، فجاء أحد العمال المسؤولين عن الكراسي المتحركة، ومعه كرسي واحد، وقال لي ولمن معي اتبعوني فإذا به لا كرسي ولا يحزنون، فقلت له أين الكرسي، فقال لي لا أدري أرجع إلى طاقم الطائرة، ساخرا متخلصا من أية مسؤولية، فصبرت واتجهت إلى صفوف المرور أمام الشرطة إلى أن وصل دوري وقام الشرطي بختم الجواز واتجهت إلى قاعة الأمتعة وانتظرنا للحصول على عربة، فلم نعلم من أين تؤخذ إلى أن تبرع شاب فأتى لي بالعربة فوضعت حقيبتي، وخرجت فوجدت صهري السيد إسلام بومعراف وابنتي هناء مع ولدها نجيب وابنتها درين، واتجهنا بالسيارة إلى منزلنا بالعاشور، وبهذا ختمت هذه الرحلة في ليلة 3 جويلية 2022 ومن هذا اليوم اتصل بي السيد عبد الكريم أرزقي ودعاني إلى القناة الأولى لندوة حول ذكرى الاستقلال، فكانت ندوة ضمت عددا كبيرا من الأشخاص، ووجهت لي عدة أسئلة حول ما قامت به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تحقيق هذه الثورة العظيمة، ثورة أول نوفمبر، ثم ما هو عملنا في بناء الجزائر غداة الاستقلال.
وتمت الندوة على الساعة الخامسة مساء، فاتجهنا أنا والسيد عبد الكريم إلى منزلي بالعاشور.
فأحمد الله على تمام النعمة والسلامة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com