كيف يحبك الله سبحانه وتعالى/يوسف جمعة سلامة
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ)(1).
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، باب المِقَةِ من الله تعالى.
إن من أسمى وأعظم أمنيات العبد المؤمن أن ينالَ حبَّ الله سبحانه وتعالى، فقد مدح الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين الذين أحبهم وأحبوه بقوله:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(2)، وعند دراستنا لِسِيَرِ الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين – نجد أن الذي رفع مقامهم وأعلى درجاتهم وجعلهم يستحقون رضوان الله سبحانه وتعالى أنهم أخلصوا في حبهم لله سبحانه وتعالى.
فعلينا جميعاً أن نحب الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان سيّد هذا الكون، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، فكلّ ما في هذا الكون مسخّرٌ لخدمة الإنسان، كما جاء في الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 🙁 أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي) (3)، وإذا أحب الله عبده كان من الفائزين في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث :(…وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ…)(4)، وهناك أبواب عديدة تدخل منها أخي القارئ الكريم إلى محبة الله لك، منها:
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
لقد وردت تعريفات كثيرة للتقوى منها: ما ورد على لسان الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- أنه قال:” هي العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل“؛ لذلك ينبه القرآن الكريم إلى أهمية التقوى وفضلها في مواضع كثيرة، منها: قوله سبحانه وتعالى:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}(5)، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}(6)، ومن المعلوم أن تقوى الله هي خير زاد يتزود به الإنسان لدنياه ولآخرته، كما جاء في قوله تعالى:{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}(7)، ولقد كان من دعاء نبينا – صلى الله عليه وسلم – قوله:( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى) (8).
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
إن فضيلة العدل من الصفات الكريمة التي دعا إليها الإسلام منذ أن أشرقت شمسه وعمّ نوره الكون، فديننا الإسلامي يدعو إلى التزام العدل في شتى الأقوال والأفعال والسلوك، فالعدل هو وظيفة الرسل الكرام –عليهم الصلاة والسلام-، كما جاء في الحديث الشريف: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا)(9).
ومن المعلوم أن العدل يملأ الدنيا خيراً وبركة، وَيُحَفِّز الإنسان للاجتهاد والإخلاص في عمله، اطمئناناً منه إلى أنه سيحصل على ثمرة جده وإخلاصه، وإذا شاع العدل في أمة وأصبح كل فرد فيها من حُرّاسه، سعدت في حياتها وتقدمت غيرها، فبالعدل قامت السماوات والأرض، والعدل مفتاح الحق، وجامع الكلمة، وَمُؤلّف القلوب، ولأهمية العدل في الإسلام فقد وردت مادة (العدل) في القرآن الكريم (28) مرة، ووردت كلمة القسط المرادفة لها (25) مرة.
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
إن التوبة كرم إلهي ومنحة من الله لعباده، عرفهم فيها كيفية الرجوع إليه إن بعدوا عنه، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب إذا عصوه، كي يفروا إليه تائبين منيبين متطهرين.
ومن المعلوم أنَّ من رحمة الله سبحانه وتعالى أن فتح باب الأمل والرجاء أمام المذنبين، ليتوب مسيئهم ويثوب إلى رشده شاردهم، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:( إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)(10)، فيدُ الله عزّ وجل مبسوطة بالعفو والمغفرة لا تنقبض في ليل ولا نهار، تنشد مذنباً أثقلته المعاصي يرجو الأوبة بعد طول الغيبة، ومسيئاً أسرف على نفسه يرجو رحمة ربه، وفاراً إلى مولاه يطلب حسن القبول.
فما أكرمه من إله، وما أرحمه بخلقه وعباده، يجابه الناس ربهم بالفسوق والعصيان، ويخالفون دينه ويأتون ما نهى عنه، حتى إذا تابوا وأنابوا قبل الله توبتهم وغفر سيئاتهم وأحبهم ورفع درجاتهم كما جاء في قوله تعالى:{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(11).
وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
إن الصبر فضيلة عظيمة وصفة كريمة من صفات الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام -، كما أنه عنوان الإيمان الصادق وبرهانه، ففضيلة الصبر تدل على أنّ صاحبها قد تحلَّى بضبط النفس وثبات القلب ورباطة الجأش وصدق الإيمان، لأن أثقال الحياة وتكاليفها وأحداثها لا يُطيقها الضعاف المهازيل، وإنما يُطيقها أصحاب النفوس الكبيرة، لذلك فإن جزاء الصبر عطاء من الله بغير حساب في الآخرة، وهو في الدنيا ضياء، وثبات يُكَفّر الله به الذنوب ويفتح باب الفرج القريب، كما في قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(12).
وقد قسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أنواع: فهناك صبر على طاعة الله وذلك بأداء التكاليف الشرعية كما أمر الله ورسوله، وهناك صبر عن المعاصي وذلك بالابتعاد عنها، وهناك صبر على المصائب التي تصيب الإنسان في نفسه، أو ولده، أو ماله.
ومن المعلوم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قد مدح الصابرين مدحاً عظيماً، وبشرهم في أحاديث متعددة بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة كما جاء في الحديث الشريف عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ:( أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا)(13).
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
التوكل على الله هو الاعتماد عليه وحسن الثقة به، وأن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدِ نفسك، وهو طريق الصالحين ودليل الفالحين كما ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(14)، وفي ذلك تنبيه للمسلمين بضرورة الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في كل أمرٍ من أمورهم، ولكن هذا الاعتماد لا يُنافي الأخذ بجميع الاحتياطات التي جعلها الله في هذا الكون أسبابا، ولابُدَّ أن نعلم أن الأخذ بالأسباب هو جوهر التوكل على الله تعالي، كما جاء في الحديث:( لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)(15).
لقد أخذ رسولنا – صلى الله عليه وسلم – بكل الأسباب في حادثة الهجرة، فاختار الطريق، واختار الرفيق، واختار من يأتيهما بالأخبار، والطعام، ومن يمحو آثار الأقدام…الخ ، لذلك كان على ثقة كاملة بأن الله معه وناصره، فكان – عليه الصلاة والسلام – يُسَكِّن رَوْعَ صاحبه أبي بكر وَيُبَدِّد قَلَقَهُ، قائلاً له:( مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا، لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )(16).
فعلينا أن نتوكل على الله دائماً، وأن نأخذ بالأسباب، فنحن أمة عظيمة حَبَاهَا الله بمقومات العزة والتمكين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الهوامش:
1- أخرجه البخاري.
2- سورة المائدة الآية (54).
3- أخرجه الترمذي.
4- أخرجه البخاري.
5- سورة الطلاق الآية (2-3).
6- سورة النحل الآية (128).
7- سورة البقرة الآية (197).
8- أخرجه المسلم.
9- أخرجه مسلم.
10- أخرجه مسلم.
11- سورة البقرة الآية (222).
12- سورة البقرة الآية (155).
13- أخرجه البخاري.
14- سورة الطلاق الآية (3).
15- أخرجه أحمد.
16- أخرجه البخاري.